لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية
شيخ الأزهر: نعمل مع الفاتيكان على إصدار ميثاق عالمي لأخلاقيَّات الذَّكاء الاصطناعي
الإثنين، 27 أكتوبر 2025 12:31 م
السيد الطنطاوي
شيخ الأزهر دكتور أحمد الطيب
أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أنَّ الذكاء الاصطناعي أصبح إحدى القوى المُحرِّكة التي تُحدث فارقًا كبيرًا في المجتمعات؛ ولذا فإنَّ علينا دورًا أخلاقيًّا يتمثل في تسخير هذه التقنية لبناء مستقبل أكثر إنصافًا وعدالة للبشرية، مشيرا إلى أنَّ حراسة قيمنا ومواريثنا الروحية والدينية في استعمالات هذه التقنية الجديدة ليس خيارًا ترفيهيًّا، بل هو التزام أخلاقي، ومسئولية إنسانية كبرى، وأننا اليوم نقف أمام مفترق طرق حضاري: إمَّا أن نترك هذا الاختراع الجديد يُكرِّس التقهقر الحضاري والأخلاقي، أو أن نستخدمه كقوَّةٍ دافعة لتصحيح المسار الإنساني.
وأضاف: كنتُ قد بدأتُ مع أخي الراحل البابا فرنسيس، في صياغة «ميثاق» لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ولكن -وقبل أن يكتمل أمرها- شاءت الأقدار وظروف مرضه ووفاته بأن يتأخر إصدار هذه الوثيقة المهمة، واليوم تعمل فرق مشتركة من الأزهر الشريف والفاتيكان ومجلس حكماء المسلمين من أجل إكمال هذه الوثيقة؛ لتكون مرجعًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا عالميًّا يُنظم العلاقة الصحيحة بين الإنسان وما تنتجه يداه من تقنيات حديثة، ويضمن أن يظلَّ الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيفًا مصلتًا عليه.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها فضيلته، في القمَّة العالميَّة التي تنظمها جمعية سانت إيجيديو بالعاصمة الإيطالية روما تحت عنوان "اللقاء العالمي من أجل السلام: إيجاد الشجاعة لتحقيق السلام"، بحضور كل من الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، وملكة بلجيكا ماتيلد داكوز، وأبرز القادة الدينيين والمفكِّرين من حول العالم.
العدل المطلق هو القاعدة الذهبيَّة التي قامت عليها السَّموات والأرض
وقال فضيلته إن مفهوم العدل المطلق هو القاعدة الذهبيَّة التي قامت عليها السَّموات والأرض، وجعلها الله ضامنةً لحقوق الإنسان في المساواة والحرية والكرامة والأمان والسلام، والإخاء الإنساني بين البشر على ما بينهم من فوارق العِرْق والجنسِ واللون والدِّين واللُّغة.
وأوضح شيخ الأزهر، أنَّ إغفال الحضارة المعاصرة -وعن عمدٍ- لهذه القيم تسبَّب في الحروب العبثيَّة التي فُرضت على شعوب فقيرة لا تملِك من العدة والعتاد ما ترد به أيدي المعتدينَ من قُساةِ القلوب ومتحجري الضَّمائر، والسَّاخرين من كرامة الإنسان، ومن حرمته التي حذَّر الله من المساس بها في كتبه السماويَّة ووحيه المقدَّس، إضافةً إلى الأزمات الاقتصادية كالفقر والبطالة والمجاعة، وتقسيم العالم إلى شمال ثري مترف، وجنوب فقير مُثقَل بالحروب والمجاعات، وبالديون والأمراض والأوبئة، وأزمات بيئيَّة ناتجة عن استنزاف الموارد الطبيعية، وغير ذلك من منغصات العيش، ومكاره الحياة.
وأضاف شيخ الأزهر، أنَّ الأزمات الاجتماعيَّة التي تترصَّد الشعوب وتعبث بعقائدها ومقدَّساتها وثوابتها الدينية والأخلاقية، ولا تكفُّ عن تربصها بمؤسسة «الأسرة» وتصدير بدائل شاذة تنكرها الأديان والأخلاق، وتَنفِر منها الأذواق السليمة الصحيحة، وترفضها الفطرة الإنسانية التي توارثها الناس من عهد آدم عليه السلام وإلى يومهم هذا.
ما ينقص إنسان هذا العصر هو أخلاق العدل والعدالة
وبَيَّنَ فضيلته، أن ما ينقص إنسان هذا العصر هو: «أخلاق العدل والعدالة»، التي أدى غيابها إلى اضطراب شديد في المفاهيم والمعايير الفارقة بين حدود الخير والشر، والحُسن والقبح، والصواب والخطأ؛ حتى صار أمرًا مألوفًا أن نرى الظلم وقد تزيَّن بزي القانون، والتسلط والهيمنة وغطرسة القوة تُفرَض على الفقراء والضعفاء باسم النظام العالمي، والمآسي وانتهاك الحرمات يبرر بدعوى المصالح والأغراض.
وتابع فضيلة الإمام الأكبر، أنَّ لنا في الحروب التي ابتُلي بها شرقنا الآمن لعبرة، فهذه الحروب ما إن تبدأ شرارتها الأولى حتى تبدأ معها متواليات من الدواهي والفظائع، من هدم للدُّور على رؤوس قاطنيها، وتشريد لآلاف النساء والشيوخ والشباب، وتجويع للأطفال حتى الموت، وتمتع بانتهاك كرامة الإنسان، والتَّنكيل به على مرأى ومسمع من العالم المتحضِّر في قرنه الواحد والعشرين، وبئست حرية تصادر على الضعيف حقه المقدَّس في الحياة على أرضه، وبئست عدالة تسمح باقتراف هذه المنكرات وتسوغها.
لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية
وأكَّد شيخ الأزهر تقديره للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة؛ حيث قال فضيلته: "لا يفوتني في هذا المقام أنْ أُعرِبَ عن خالصِ التَّقدير للدولِ التي بادَرتْ إلى الاعترافِ بدولةِ فلسطين، وأحييها على هذه الشجاعة التي تُجسِّدُ صحوة الضَّمير الإنساني وانتصاره للحق الفلسطيني المسلوب، وكُلُّنا أمل أنْ يكون هذا الاعتراف خطوةً عمليَّةً على طريقِ تمكين الشَّعب الفلسطيني من نَيْلِ حقوقه المشروعة، وفي مُقدِّمتها إقامة دولته المستقلَّة وعاصمتُها القُدس الشَّريف"، مشيرًا إلى أنَّ المجتمعَ الدولي اليوم مجمع على أنَّ حَلَّ الدَّولَتين هو الطَّريقُ الأوحَد لتحقيقِ السَّلام بالمنطقةِ والعالم، ولا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدًا تقديره لمواقف الشرفاء من أحرار العالم: نساء، ورجالًا، وأطفالًا، وشيوخًا، في كثيرٍ من أقطار العالم، الذين اهتزَّت أصواتهم لاستنكار مجازر غزَّة التي أبكت قلبَ الإنسان، وذبحت ضميرَه، وسوَّدت صفحة التاريخ الحديث.
وأكَّد فضيلته، أن هذا المشهد الذي يجثم على صدورنا منذ أكثر من عامين ليكشف عن خلل خطير في بنية النظام الدولي، واضطراب بالغ في سياساته، وأنَّ «السلام الدولي» بات أمره رهنًا بموازين القوة وعنفوانها، وتجارة الأسلحة ومكاسبها، والحروب واقتصاداتها، وكل ذلك في معزل تامٍّ عن ميزان الحق والإنصاف، وعن صوت الواجب ونداء الضمير، وتوجهات الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومنطق العقل الذي جعله الله أعدل الأشياء قسمة بين الناس.
وشدَّد شيخ الأزهر، على أن هذه «الأزمات المركبة» إن دلَّت على شيء فإنما تدل على اضطراب شديد أصاب النظام العالمي، وأفقده الاتجاه الصحيح، وجرَّأه على الكيل بمكيالين، بل بمئة مكيال إن لزم الأمر. وإن هذه العلة، أو هذا المرض الخُلقي الذي أصاب العدالة الدولية في مقتل لا يمكن تفسيره إلا على أساس العنصرية البغيضة، والطغيان في الأرض، وهو ما يتنافى جذريًّا مع قوانين «العدل المطلق» الذي أرسى قواعده الإسلام الذي أؤمن به، بل أرسَتْه جميع الرسالات الإلهية من قبله، وآمن به كبار الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو مرورًا بالفارابي وابن رشد، ووصولًا إلى فلاسفة أوروبيين معاصرين، آمنوا بأخلاق الواجب والضمير الإنساني الخالد.
مع مظالم الناس تغيب القيم وتتلاشى ويفقد الإنسان إنسانيته
وتابع فضيلته: "علينا أن نعلم أنَّه عندما يغيب العدل؛ فإنَّ الظلم يحل محلَّه، ومع مظالم الناس تغيب القيم وتتلاشى، ويفقد الإنسان إنسانيته تحت أقدام المصالح والأطماع الماديَّة الهابطة والاستقواء والاستئساد الكاذب، وحين يُسلَب الضعيف حقه، ويُكرَّم الظالم على استلاب هذا الحق، وحين يغدو الإنسان رقمًا تافهًا في حسابات السياسة وسلعة رخيصة في اقتصاد السُّوق؛ عند ذلك ندركُ أنَّ الحقَّ قد غربت شمسه، وأنَّ العالم يهوي في فراغ أخلاقي ينذر بانهيار الأنظمة قبل انهيار قيمها وأخلاقها".
وأضاف الإمام الأكبر قائلًا: ولأجل ذلك تحرك الأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين، وحاضرة الفاتيكان، لإطلاق وثيقة «الأخوة الإنسانية» التاريخية، التي وقعتها مع أخي الراحل قداسة البابا فرنسيس، في أبو ظبي عام 2019م. وقد أوضحنا فيها أن السلام ليس أمرًا سلبيًّا يتمثل في غياب السلاح، فهذا مما لا سبيل إليه بحال، بل هو أمر إيجابي ووجودي يتمثل في حضور العدل، وبينَّا أن العدل ليس انتصارًا لطرف على آخر، وإنما هو انتصار للإنسان على نوازع الأنانية والهيمنة والأطماع المادية التي تسيطر على مسرح حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية.
واختتم شيخ الأزهر بتأكيد أنَّ العالم اليوم أحوج ما يكون إلى عدالة تُعيد إليه سكينته، وإلى إحياء ضمير إنساني يُدرك أن الظلم -وإن صغر- شرارة قادرة على إحراق السِّلم في أي مكان، وأنَّ كل إنسان يُظلم في هذا العالم هو جُرح لا يندمل في جسد الإنسانية كلها، وأنَّ هذا العالم لن ينهض من كبواته إلا إذا آمن بأن العدالة هي القانون الأعلى للحياة، وأنَّ السلام هو ثمرتها الطبيعية، مضيفًا أنَّ سبب الفساد اليوم: الفصل بين الأخلاق والإيمان، ومحاولة الإبقاء على الأخلاق واستبعاد الإيمان، وحين يفقد الدين الإلهي توجيهه للأخلاق؛ تصبح الأخلاق في مهبِّ الريح، كما تصبح أداة للصراع وللجشع وسحق الفقير والضعيف.
اقرأ أيضا:
رئيس إيطاليا يثمن جهود شيخ الأزهر في نشر السلام وتعزيز الحوار بين الأديان
البحوث الإسلامية يبدأ الاختبارات التحريرية للمسابقة العامَّة للإيفاد للعامَين 2025 ـ 2027 اليوم
الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ـ 9 جمادى الاولى 1447هـ
بحث إنشاء مكتب للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بماليزيا
الأزهر الشريف يفتتح أروقة تعليمية جديدة لذوي الهمم بالمحافظات
وفد من الشئون الخارجية الدنماركية يبحث مع الأزهر ترسيخ قيم التعايش وقبول الآخر
بروتوكول تعاون بين جامعتي الأزهر والقاهرة لتنفيذ الخطط المستقبليَّة لأجندة مصر 2030
بحث سبل التعاون بين دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية الماليزية
تخصيص عدد من الوحدات كمقرات لدار الإفتاء المصرية بالمدن الجديدة
مفتي الجمهورية يوضح حكم الشرع في تحديد جنس الجنين
دكتور شوقي علام يبين حكم عمل ختمة قرآن ووهب ثوابها للمتوفى
دكتور شوقي علام: أسبابٍ موضوعية لعدم مساواة المرأة والرجل في كل شيء
مفتي الجمهورية يبين حكم صلاة المرأة بالنقاب
الدكتور شوقي علام يبين حكم الحسد وعلاجه
دار الإفتاء: الزواج مقدم على الحج للشباب في حالة واحدة
فاتتني بعض التكبيرات مع الإمام في صلاة الجنازة.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم
الرابط المختصر
آخبار تهمك
تحليل: مجموعة من العوامل الاقتصادية تعزز شهية المستثمرين للمخاطرة الأسبوع الجاري
27 أكتوبر 2025 04:47 م
منصة Capital.com: المتداولون يجنون الأرباح من المؤشرات الرئيسية والنفط
27 أكتوبر 2025 03:55 م
الأكثر قراءة
-
توقعات سعر الجنيه الذهب في مصر وهل يستمر الانخفاض؟
-
الاتحاد السكندري يواجه وادي دجلة في الدوري المصري الممتاز
-
أول تعليق رسمي على قرارات حكم الكلاسيكو بشأن ركلة جزاء فينيسيوس
-
رئيس إيطاليا يثمن جهود شيخ الأزهر في نشر السلام وتعزيز الحوار بين الأديان
-
البحوث الإسلامية يبدأ الاختبارات التحريرية للمسابقة العامَّة للإيفاد للعامَين 2025 ـ 2027 اليوم
أكثر الكلمات انتشاراً