الثلاثاء، 02 ديسمبر 2025

02:38 م

مفتي الجمهورية: نواجه حربا فكرية ناعمة تسعى لتشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته

الثلاثاء، 02 ديسمبر 2025 10:24 ص

السيد الطنطاوي

دكتور نظير عياد

دكتور نظير عياد

أكد فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الحديث عن العلاقة بين العقيدة والسلوك ليس من باب الترف الفكري أو التكرار لقضايا مألوفة، بل يمثل ضرورة حياتية وفريضة دينية تفرضها طبيعة العصر الذي نعيشه، حيث تتزاحم المؤثرات الفكرية وتنتشر الاتجاهات الإلحادية والشاذة والدعوات المنفلتة، التي تسعى إلى السخرية من الدين أو التقليل من شأنه، وهي اتجاهات تستهدف منظومة الأخلاق بالأساس,

وشدد فضيلته على أهمية ترسيخ العقيدة الصحيحة، بوصفها البنية الأساسية في مواجهة الحرب الفكرية الناعمة، التي تسعى إلى إعادة تشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته، إذ لا يستطيع الإنسان أن يقف ثابتًا في مواجهة هذا السيل الجارف، إلا إذا امتلك أرضية راسخة من الإيمان العميق الذي يضبط مساره، ويمنحه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الرحمة الحقيقية وتلك التي تُرفع شعارًا، بينما تخفي خلفها انتهاكًا للفطرة وقيم الإنسانية الأصيلة.

 

الدين وضع إلهي يهدف إلى تحري الصلاح في الدنيا وتحقيق الفلاح في الآخرة

وأوضح فضيلته أن ما نشهده اليوم من اضطراب في المفاهيم، يدعو إلى إعادة تأكيد هذا الارتباط العميق، لأن القول بالفصل بين العقيدة والسلوك يتعارض مع حقيقة الدين ونصوصه، ويؤدي إلى خلل في فهم جوهر رسالة ديننا الحنيف.

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته، في ندوة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، والتي عقدت تحت عنوان “الارتباط بين العقيدة والسلوك”، وحضر الندوة كل من الدكتور رمضان حسان، عميد الكلية، والدكتور عبد الغفار يونس، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والدكتور نادي عبد الله، وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث، والدكتور جاد الرب أمين، عميد الكلية الأسبق، وعدد من أعضاء هيئة التدريس والطلاب.

وأكد فضيلة المفتي، أن العلاقة بين الإيمان والسلوك مستمدة من طبيعة الدين، الذي هو وضع إلهي يهدف إلى تحري الصلاح في الدنيا وتحقيق الفلاح في الآخرة، فهو يجمع بين أساس نظري يقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وبين جانب عملي يظهر أثره في الظاهر والباطن. 

مبينا أن الجانب التطبيقي يتجلى في أركان الإسلام التي تبدأ بالشهادتين بوصفهما المدخل الأول إلى الدين، ثم تأتي العبادات التي تحمل في جوهرها دلالات أخلاقية عميقة تظهر ثمارها في سلوك الإنسان، مستشهدًا بما دلت عليه النصوص من أثر العبادة في تهذيب النفس.

 

الأخلاق بلا دين عبث والادعاء بوجود تعارض بين الدين والأخلاق قول باطل

وأضاف فضيلته أن بنية الدين تقوم على عقيدة وشريعة تثمران معًا السلوك الحسن، مما يستدعي التوقف أمام الأبعاد الأخلاقية التي تشكل الامتداد العملي للإيمان، فحينما يتحدث القرآن عن البر، فإنه يقدمه بوصفه عملا جامعا يشمل أبواب الخير كافة، وقد ربط الله ربطًا محكمًا بين الإيمان وبين العبادة والسلوكيات والتعاملات والأخلاق، الأمر الذي يؤكد أن الارتباط بين العقيدة والسلوك ليس فرعًا أو إضافة ثانوية، بل هو جوهر الدين وطبيعته الأصيلة.

وأشار الدكتور عياد إلى أن النتيجة التي توصل إليها أحد القضاة الأجانب من خلال بحث أجراه حين قال: إن الأخلاق بلا دين عبث، وإن الادعاء بوجود تعارض بين الدين والأخلاق قول باطل، موضحًا أن النصوص تجمع دائمًا بين الإيمان والعمل الصالح، لأن كليهما يثمر الفعل الحسن والسلوك القويم.

وأضاف أن هذا الارتباط ليس مسألة وعظية بل ضرورة حضارية مرتبطة بمكانة الدين في بناء الإنسان، إذ يجتمع في النفس نزعة الخير ونزعة الشر، فإذا غلب جانب الشر تحكمت الشهوات وانفلت السلوك، أما السلطة فإنها وإن ضبطت الأفعال إلا أنها تعتمد على الردع الخارجي؛ فبعض الناس لا يفعل الخير إلا خوفًا من العقاب، وبعضهم يلتزم القانون لأنه مفروض بقوة الجزاء، بينما هناك طائفة يرتقي سلوكها بغض النظر عن العقاب؛ لأنها تستند إلى عقيدة تحيي في النفس رقابة داخلية تثمر الخشية والالتزام.

 

خطورة الأفكار التي تفصل الأخلاق عن العقيدة

وكشف فضيلة المفتي عن أحد أهم إشكالات الفكر المعاصر، وهي نسبية الأخلاق وتحركها وفق المصلحة، وهو تصور يصطدم اصطدامًا مباشرًا بقدسية الأخلاق في التصور الديني. ومن هنا تتجلى خطورة الأفكار التي تفصل الأخلاق عن العقيدة، وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا»، دلالة على الارتباط البنائي بين الإيمان والسلوك.

وقال: في هذا الإطار تتبدى إشكالية المبادئ البراجماتية النفعية التي تبنتها دول غربية، إذ تنطلق من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وتتعامل مع الإنسان بوصفه عنصرًا داخل معادلة مادية تحكمها الكُلفة والمنفعة، ويتضح أثر هذا التوجه في ممارسات خطيرة، مثل ما يسمى بالموت الرحيم الذي يتم تمريره تحت ذرائع إنسانية زائفة تحمل في باطنها دوافع اقتصادية واجتماعية، بينما ينطوي جوهرها على اعتداء بيّن على قدسية النفس الإنسانية، أما في الرؤية الدينية فلا يُقبل بأي حال من الأحوال المساس بحياة الإنسان أو كرامته، لأن العقيدة تُنشئ في النفس يقظة داخلية تمنع صاحبها من الانحراف، وتربيه على الخشية الصادقة، مما يؤكد أن الخوف الإيماني وتزكية الباطن يمثلان درعًا واقيًا أمام موجات الانحراف المفاهيمي التي تحاول تغيير الفطرة عبر شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

وأكد أن الانسياق وراء الشعارات الداعية إلى الحرية المنفلتة أو تبرير الشذوذ تحت لافتات براقة يوقع الإنسان في فخ الرذيلة ويمس جوهر الفطرة، فالحرية التي تُستخدم ذريعة للاعتداء على الدين أو العِرض أو المال ليست حرية بالمعنى القيمي، بل انفلات ترفضه العقيدة التي تُعلي من قيمة الانضباط الأخلاقي، ولهذا جاءت العقيدة أشبه بالمصباح الذي يحمله الإنسان ليهديه إلى سواء السبيل، فتثمر في داخله الصدق والوفاء والإحسان.

التمسك بالإيمان والعمل الصالح يحقق الشخصية المتوازنة والقوية

وقال إن العالم الذي نعيشه اليوم يواجه تحديات غير مسبوقة، حيث تنتشر وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي التي رسخت مفاهيم منحرفة وأعادت تشكيل بعض السلوكيات بطريقة فاسدة، مما يدفع بعض الأفراد إلى الانجرار وراء ممارسات تضر بكرامة الإنسان وعرضه تحت ذريعة المكاسب المادية أو المكاسب الاجتماعية الزائفة، وهي سلوكيات تنبع في كثير من الأحيان من إيمان ضعيف أو مزيف يفتقر إلى التأسيس الصحيح للعقيدة والقيم الأخلاقية.

ودعا فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، الشباب إلى التمسك بالإيمان والعمل الصالح الذي يحقق الشخصية المتوازنة والقوية، والتي تكون قادرة على بناء الأسرة والمجتمع والمساهمة في رفع شأن البلاد والعباد، وأكد أن النعم التي يمنحها الله للإنسان تتطلب القيام بشكرها الذي يؤدي إلى الالتزام بالمسؤولية والجدية في السلوك، بحيث تصبح القدرات الفردية والجماعية أدوات للارتقاء الروحي والاجتماعي والاقتصادي، بما يعكس العلاقة الوطيدة بين العقيدة الصحيحة والسلوك الصالح في حياة الإنسان المعاصر.

وفي ختام الندوة، قدم عميد الكلية شكره الجزيل لفضيلة المفتي، مثمنا تلبية الدعوة مقدما درع الكلية لفضيلته، تكريمًا لدوره العلمي والدعوي المتميز، ولما يمثله من صوت علمي وفكري رصين، ولإسهامات فضيلته القيمة في توضيح الأبعاد الأخلاقية والفكرية التي تثمر في بناء الإنسان المسلم الصالح.

اقرأ أيضا:

د. محمد الضويني: التعليم الأزهري ركيزة أساسية للحفاظ على هوية وقيم المجتمع

موعد شهر رمضان 1447هـ ـ 2026م وأول أيامه فلكيا

موعد شهر رجب بالحسابات الفلكية 21 ديسمبر 2025م

حكم بيع السمك في الماء

دار الإفتاء توضح حكم التجارة في الآثار

أمين الفتوى: تحديات كبيرة لحماية المجتمع في الفضاء الرقمي

الإفتاء المصرية أقدم دار إفتاء منظمة في العالم الإسلامي

د. نظير عياد: وحدات دار الإفتاء تعزز قيم التعايش والتسامح وتنشر فقه الوسطية في العالم

علماء دار الإفتاء: الرشوة تقوض أسس العدالة والمساواة

كيفية التعامل مع جارالسوء والتدخل في خصوصيات البيوت بمجالس توعوية للإفتاء

الرابط المختصر

search