أسرار جديدة: صور ثلاثية الأبعاد تكشف اللحظات الأخيرة لـ "تايتانيك"

تمكن باحثون من الوصول إلى مزيد من التفاصيل المذهلة حول اللحظات الأخيرة لسفينة "تايتانيك"، أشهر سفينة غارقة في التاريخ، وذلك باستخدام أحدث تقنيات التصوير الثلاثي الأبعاد.

 هذه الاكتشافات الجديدة، التي وصفها العلماء بأنها "غير مسبوقة"، توفر رؤية دقيقة وعميقة لما حدث في تلك الليلة المأساوية من عام 1912، حين اصطدمت السفينة بجبل جليدي في شمال المحيط الأطلسي، وأودت بحياة أكثر من 1500 شخص من أصل 2228 راكباً كانوا على متنها.

التقرير، الذي استند إلى عمليات مسح دقيقة تحت سطح البحر بعمق يصل إلى 3800 متر، أتاح لأول مرة إنشاء نموذج رقمي بالحجم الطبيعي لـ "تايتانيك". وقد تم تجميع هذا النموذج عبر أكثر من 715 ألف صورة التُقطت بواسطة غواصات روبوتية متطورة، تحركها فرق بحثية من على سطح سفينة متخصصة.

ويكشف هذا النموذج المصور، الذي شاركت في تحليله "بي بي سي" و"ناشيونال جيوغرافيك" وشركة "أتلانتيك برودكشنز"، تفاصيل مذهلة لم يكن من الممكن رصدها في السابق بسبب الظلام الكثيف الذي يلف الحطام والغموض الذي يحيط بموقع الغرق. 

من أبرز هذه التفاصيل: انقسام السفينة لم يكن مجرد قطع في المنتصف، بل تمزق عنيف أدى إلى تفكك الهيكل المعدني واخترق غرف الدرجة الأولى، ما يُرجح وجود ركاب داخلها لحظة الانهيار.

ومن أكثر المشاهد المؤثرة التي كشفت عنها الصور، وجود صمام البخار مفتوحاً داخل غرفة المرجل عند غرق السفينة. هذا التفصيل الدقيق يُعد دليلاً دامغاً على أن المهندسين الذين عملوا في أعماق السفينة لم يتخلوا عن مواقعهم حتى اللحظة الأخيرة، بل ضحوا بحياتهم من أجل الإبقاء على الأضواء مضاءة وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل أجهزة الاستغاثة، ما أنقذ مئات الأرواح.

الكابتن كريس هيرن، أحد المستشارين البحريين المشاركين في المشروع، وصف هذا المشهد قائلاً: "لقد كانوا ينقلون البخار المتبقي إلى مولدات الطوارئ لإبقاء السفينة على قيد الحياة.. هذا العمل البطولي أنقذ أرواحاً لا تُعد". وأردف: "رؤية صمام البخار مفتوحاً يُثبت أن البخار كان يتدفق حتى اللحظة الأخيرة".

المحلل البحري باركس ستيفنسون، الذي قضى سنوات في دراسة حطام السفينة، عبّر عن دهشته من مستوى التفاصيل الدقيقة قائلاً: "رغم أنني زرتُ تيتانيك فعلياً في غواصة، لم أتمكن من رؤية أكثر من بضعة أمتار بسبب الظلام.. لكن اليوم، يمكنني أن أسير في ممرات السفينة افتراضياً وأفهم تماماً ما حدث".

كما كشفت الصور عن الفتحة التي دخل منها الجليد إلى كبائن الركاب، وهو ما يدعم شهادة راكبة الدرجة الأولى مارغريت سويفت، التي رأت الجليد يتدفق إلى داخل السفينة. وتؤكد الدكتورة جينيفر هوبر، الباحثة في علوم المواد، أن هذه التفاصيل الجديدة توضح حجم الجبل الجليدي الذي صدم "تايتانيك"، حيث بلغ ارتفاعه قرابة 30 قدماً فوق سطح البحر، وهو ما يفسر الأضرار الهائلة التي لحقت بجسم السفينة.

الصور الرقمية عالية الدقة أظهرت كذلك الرقم التسلسلي لأحد مراوح السفينة، في دلالة على مدى دقة العمل التقني المُنجز، فيما كشف النموذج الرقمي عن كيفية انحدار الجزء الخلفي من السفينة بشكل حلزوني إلى قاع المحيط، متفككاً إلى شظايا متناثرة على مساحة 5 أميال بحرية.

وقد تم هذا الإنجاز العلمي الكبير بعد جهود مشتركة بين شركة "ماجلان" المتخصصة في رسم خرائط الأعماق، و"أتلانتيك برودكشنز"، حيث أمضت الروبوتات أكثر من 200 ساعة تحت الماء لرسم الحطام من كل زاوية، وهي عملية توصف بأنها الأكبر من نوعها في التاريخ البحري.

وللمرة الأولى، يمكن للباحثين حول العالم دراسة "تيتانيك" بتفصيل غير مسبوق، عبر فيديوهات بالحجم الطبيعي تُمكّن من المشي افتراضياً في الأروقة ومواقع الانهيار، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم الكارثة التي أثارت وما زالت تثير فضول ملايين البشر، وأصبحت رمزاً للحب والفقدان والشجاعة في وجه الموت.

هذه الاكتشافات تكتب فصلاً جديداً في قصة "تايتانيك"، لكنها أيضاً تذكّرنا أن خلف كل صورة وصمام بخار، كانت هناك قصص بشرية حقيقية، لرجال ونساء وطاقم لم يتخلوا عن إنسانيتهم حتى الرمق الأخير.

أخبار اخري

دراسة صادمة: 5.8 مليون وفاة بسبب الحرارة في أوروبا بحلول نهاية القرن

بيان من جامعة الأزهر حول قرار تعريب العلوم الطبية