الأربعاء، 30 أبريل 2025

09:21 ص

أحمد فاضل يكتب: بين الخليج وباريس وبكين .. انتهى عصر الوصاية

السبت، 19 أبريل 2025 12:43 م

أحمد فاضل

أحمد فاضل

أحمد فاضل

حين تنطلق لأول مرة  مناورات جوية بين القاهرة وبكين، بطائرات شحن وإنذار ومقاتلات متعددة المهام، طائرات Y-20 وطائرات إنذار مبكر وتحكم، محمولة جوا من طراز KJ-500، فهي ليست مجرد تدريب عسكري، بل بيانٌ استراتيجي يُقرأ 
بلغة لا تقبل التأويل: مصر تكسر احتكار السلاح، وتعيد تشكيل وصياغة تحالفاتها بلغة لا يفهمها من لا يزال يظن أن النفوذ يُملى من عاصمة واحدة، بل وتتحرك على رقعة العالم بلا وصي أو مرجعية واحدة، إنها لا تُسلّح نفسها فقط، بل تُحصّن قرارها، وتنوّع مصادر قوتها، وتُعيد التوازن لمنطقة طالما تم العبث بها باسم الحماية أو الإملاء.

مصر تفرض شروط التوازن
هذه المناورات ليست مجرد صفحة في جدول التعاون العسكري، بل هي نقطة تحول في قراءة الاتجاهات الاستراتيجية المصرية، بكين التي تدخل لأول مرة في تدريب جوي بهذا المستوى مع دولة عربية كبرى، تدرك أن التعاون مع مصر ليس مجرد خطوة شرق أوسطية، بل نافذة على إفريقيا والمتوسط.
أما القاهرة، فتخاطب بهذه الخطوة أكثر من طرف قائلة لهم بكل ثقة واعتزاز أنها لم تعد أسيرة التوازنات القديمة، بل صارت هي من يفرض شروط التوازن، وأن مصر لم تعد تقبل أن يتم الضغط عليها بريموت كنترول "المعونة"، التنويع هو عنوان المرحلة، والقرار السيادي بات أكثر صلابة.

بالفعل واشنطن قد تنزعج، وتل أبيب قد تقلق، لكن القاهرة لا تعيد حساباتها إلا مع المصلحة المصرية، ولا تغيّر بوصلتها إلا عندما ترى الأفضل، لا عندما يُرسم لها طريق الخضوع، ففي هذا العالم المتقلّب، لم تعد الكتل الإقليمية ضمانًا، ولا العواصم الكبرى مرجعية نهائية، فلقد ولّى زمن الدور الممنوح، وبدأ عهد الدور المصنوع، على عين مصر وبصيرتها.

انفتاح خليجي وفرنسي
وفي جولته الخليجية الأخيرة التي شملت الكويت وقطر، لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يوزّع المجاملات، بل كان يعيد ضبط المعادلات، الكويت كانت محطة تأكيد على ثوابت العمق العربي، بينما شهدت الدوحة تحوّلًا من شعار المصالحة إلى مشروع شراكة واقعية، لم تُطرح شعارات.. بل مصالح. ولم يُقدَّم الود.. بل رؤية واستراتيجية، وكان الغائب الوحيد عن هذه الجولة هو التبعية.
فمصر اليوم بقيادة السيسي حينما تزور الخليج لا تذهب إليه كطالب دعم، بل كشريك كامل الوزن .. يحمي، يُبادر، ويملك أوراق التأثير.

أما باريس، التي تدرك وزن مصر في لحظات التحوّل، لم تأتِ لتُملي، بل لتستمع .. وتُشارك.. فزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، جاءت في توقيت حساس، وبلغة مغايرة لما اعتاده العالم في خطاب الأوروبيين، فلم يعد الحديث يدور حول ملفات حقوق الإنسان بسطحية تقليدية، بل عن ملفات الأمن الإقليمي، والطاقة، والتصنيع، والتوازن في المتوسط.
مفاتيح الشرق 
ماكرون يدرك أن مصر لم تعد ذلك الطرف الذي يُملى عليه، بل هي اليوم شريك في هندسة توازنات المتوسط، وفاعل في معادلة أوروبا_الشرق، والإليزيه يعلم جيدًا أن من يسعى لوضع قدم ثابتة في هذه المنطقة يدرك تمامًا أن من يكسب ود القاهرة اليوم، سيربح  مفاتيح الشرق غدًا، بينما من يخسرها، يظل أسير العزلة والغياب، عاجزًا عن التأثير في مجريات الأحداث أو تغيير واقعها ومسارها.

ختاما، بين الخليج وباريس وبكين، تصوغ القاهرة معادلتها وتحالفاتها بجرأة ووضوح وثقة منقطعة النظير، وبحضورٍ لا يمكن تجاوزه، ومكانة لا تخضع للمساومة، انتهى عصر الوصاية والإملاءات بلا رجعة.

search