الأحد، 18 مايو 2025

06:41 م

محمد مطش يكتب.. الحرية المشروعة

الأربعاء، 30 أبريل 2025 09:37 ص

محمد مطش

الكاتب محمد مطش

الكاتب محمد مطش

الحرية هي أحد أسمى القيم الإنسانية التي ولدت مع الإنسان منذ بدء الخليقة، وهي التي تمنح الإنسان الشعور بالكرامة، وتعزز من استقلاليته، وتمكنه من اتخاذ قراراته وفقًا لإرادته وقناعته.

 إلا أن هذه الحرية، على عظيم شأنها، ليست مرادفًا للفوضى أو التجاوز، بل هي مسؤولية تمارس في إطار من الوعي والاحترام، خاصة في المجتمعات التي تتميز بطابعها المحافظ، مثل المجتمعات العربية، حيث تلعب العادات والتقاليد والأعراف دورًا مهمًا في رسم حدود السلوك المقبول.

فالحرية في معناها البسيط تعني قدرة الإنسان على اتخاذ قراراته والتصرف وفقاً لإرادته دون قهر أو إكراه، طالما لم يلحق الضرر بالآخرين. 

وتتنوع صور الحرية؛ فهناك الحرية الشخصية، وحرية الرأي والتعبير، وحرية المعتقد، وحرية التنقل، وحرية العمل والاختيار، وغيرها. كل نوع من هذه الحريات يمنح الإنسان قدرًا من التوازن النفسي والاجتماعي، لكنه في الوقت ذاته يستوجب وعيًا وانضباطًا حتى لا تنقلب هذه الحرية إلى فوضى تهدد تماسك المجتمع.

ويلاحظ انه في المجتمعات المحافظة، لا يمكن أن تمارس الحرية بصورة عشوائية أو دون ضوابط. فالتقاليد والعادات تعتبر جزءًا من هوية المجتمع، وتمثل خطوطًا حمراء لا ينبغي تجاوزها، فمثلًا، حرية التعبير لا تعني التطاول على الآخرين أو السخرية من معتقداتهم، وحرية الملبس لا تعني خرق الذوق العام أو تجاوز ما يعتبره المجتمع مقبولًا. 

إن احترام ثقافة المجتمع هو جزء لا يتجزأ من ممارسة الحرية الحقيقية، لأن الحرية التي تضر بثقافة الجماعة وتقاليدها تصبح أداة للتمرد والانقسام، وليس للتعبير والارتقاء.لذا فان الحرية تتحول من نعمة إلى نقمة عندما يساء استخدامها، أو تُوظف لأغراض سلبية. فحين يمارس الإنسان حريته بشكل أناني أو عدواني، أو يبرر بها أفعاله غير الأخلاقية أو المسيئة، فإن الحرية تفقد معناها الإيجابي وتصبح وسيلة للفوضى، والتمرد على القوانين، والتطاول على القيم. مثال ذلك، من يستخدم حرية التعبير لنشر خطاب الكراهية، أو من يستخدم حرية الرأي للإساءة إلى الآخرين، أو من يتخذ من الحرية مبررًا لنشر الفتن أو التشكيك في كل ما هو ثابت.

ولكن هل كل البشر يحق لهم ممارسة الحرية بمعناها ومفهومها الشامل ام هي فقاصرة على فئة دون الأخرى، في الأصل كل إنسان له الحق في أن يكون حرًا، ولكن ممارسة الحرية يجب أن تكون مشروطة بالقدرة على تحمّل نتائجها، والوعي بالفرق بين الحرية والفوضى. فالأطفال يمارسون حرياتهم ضمن رقابة أسرية، والمراهقون يحتاجون إلى توجيه، والكبار مطالبون بأن يكونوا قدوة. أما من يتخذ من الحرية وسيلة للتعدي على النظام العام أو لقمع الآخرين، فلا يمكن اعتبار ممارسته للحرية صحيحة. فالحُرية حقّ لكل من يفهمها، ويحترم حدودها، ويعي تبعاتها. ويدرك قيمة الاستغلال الأمثل لها.

ولذلك نجد ان الحرية ليست مطلقة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، لأن الحرية المطلقة تؤدي إلى الفوضى، وهو ما حذر منه العديد من الفلاسفة والمفكرين. في المجتمعات العربية، التي تتصف بروابطها الدينية والأخلاقية والاجتماعية، من غير المقبول أن تكون الحرية غير مقننة. فالقوانين، والعادات، والأعراف، والدين، كلها تشكل أطرًا تنظم ممارسة الحريات، بما يحقق التوازن بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة.

ولكل شيء في دنيانا وجهين هما الأبيض والأسود بمعنى إذا استخدم حق الانسان في حريته بشكل إيجابي ومراعة لمن حوله فهو امر مطلوب ونافع ولكن حين يساء استخدام الحرية، تتفكك القيم، وتنهار المبادئ، ويبدأ التعدي على الآخرين. حينها تنتشر الفوضى، وتضعف هيبة القانون، وينتشر الانقسام، ويعم الغل والحقد، بدلًا من التسامح والتعاون. كما يؤدي ذلك إلى انعدام الثقة، وخلق حالة من التوتر الدائم داخل المجتمع، الأمر الذي يعيق التقدم والتعايش السلمي.ومن خلال هذا المقال الصغير وبحكم ما شاهدت وسمعت من تجارب حياتية وتعلمت من منهم كبار السن فإنني اكتب السطور القادمة كرسالة للشباب والنشء ومن هم في مرحلة النضج الفكري والعقلي حرصا منى على تماسك افراد المجتمع والارتقاء بمقدراته الثمينة، تمسكوا بحريتكم، ولكن لا تنسوا أن الحرية مسؤولية قبل أن تكون حقًا، احرصوا على أن تكون حريتكم سببًا في تطوركم، لا في تدميركم. 

عبروا عن آرائكم، ولكن بلغة مهذبة، واحترموا آراء الآخرين وخاصة من هم أكبر منكم سنا وخبرة، اختاروا أسلوب حياتكم، ولكن دون استفزاز المجتمع أو تحدي قيمه ومبادئه واعرافه، ولا تجعلوا من الحرية سلاحًا لتهديم الجسور بينكم وبين الآخرين، بل اجعلوها وسيلة لبناء التفاهم، وتعزيز الاحترام، ونشر المحبة. 

إن المجتمع المتحضر هو ذاك الذي يستطيع أفراده ممارسة حرياتهم في إطار من الاحترام والوعي والالتزام، فلنحرص جميعًا على أن تكون الحرية نعمة تبني وتوحد، لا نقمة تهدم وتفرق.

search