الجمعة، 02 مايو 2025

01:04 ص

حسام عبد القادر يكتب: ذكريات صحفية.. حوار مع "شات جي بي تي"

الخميس، 01 مايو 2025 09:20 ص

حسام عبد القادر

حسام عبد القادر

"الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها نافذة على العالم، ومغامرة نعيشها يوميا بكل تفاصيلها. خلف كل خبر أو مقال قصة، وخلف كل صورة حكاية مليئة بالتحديات والإلهام. في هذه السلسلة، سأفتح صفحات من دفتر ذكرياتي الصحفية، التي قد تكون مهمة للبعض وغير مهمة للبعض الآخر، وكل ما أستطيع الوعد به هو الصدق في كل ما سأكتب".

حوار مع شات جي بي تي

كانت هناك "تهمة" ملصقة بي منذ بداية عملي الصحفي، وهي أني صحفي "إلكتروني"، بسبب اهتمامي الزائد بالتكنولوجيا، وبحثي فيها وكتابتي عن تأثيرها على الصحافة والإعلام، وكنت من أوائل الصحفيين الذين يكتبون مباشرة على الكمبيوتر دون الكتابة في ورق ثم نقله إلى الكمبيوتر، ولذلك كان عملي "مميزا" عن غيري ليس بسبب جودته لا سمح الله، ولكن بسبب الورق الأبيض الجميل وخط الكمبيوتر المتميز!

وبسبب هذه التهمة الجميلة، كنت المرجع الدائم لمن يريد معلومة عن التكنولوجيا من الزملاء، حتى أن بعضهم كان يسألني عن البرمجة، فكنت أضحك فأنا لست متخصصا إلى هذا الحد، فهذا عمل مهندسين متخصصين، وبعض الزملاء كانوا يلجأون لي إذا حدثت أي مشكلة في جهاز الكمبيوتر، وأحاول المساعدة بكل سعادة قدر المستطاع.

في عام 1999 أصدرت مجلة أمواج سكندرية، أول مجلة إلكترونية على الإنترنت، بمشاركة أصدقائي الأعزاء الأديب منير عتيبة، والمهندس محمد حنفي، والتي أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الصحفية والثقافية، واستمرت علاقتي بالتكنولوجيا ولم تتوقف، وكنت ـ وما زلت ـ أخصص وقتا للحصول على المزيد من المعلومات سواء من خلال الفيديوهات أو الكورسات الأون لاين وهكذا، حتى جاء "شات جي بي تي" الذي أحدث انقلابا يوزاي كل التكنولوجيا السابقة.

ومن وجهة نظري، فإن هناك ستة اختراعات غيرت تاريخ البشرية، المطبعة، الراديو، التلفزيون، الإنترنت، السوشيال ميديا، ثم الذكاء الاصطناعي بمفهومه الحالي، ولكل وسيلة مزاياها وسلبياتها بكل تأكيد، وليس مجالنا حاليا استعراض الإيجابيات والسلبيات، ولكن يجب علينا أن نفهم التطور الحاصل حولنا ونتعامل معه بوعي، خاصة بالنسبة للإعلاميين والصحفيين.

وأحيانا أتأمل مثلا الشات جي بي تي، وأنا أكتب له وأحادثه، فأشعر كأنه إنسان فعليا يتحاور معي ويناقشني، ويطلب مني التوضيح لو لم يفهم سؤالي، وأذكر أنني تحدثت عنه في جلسة من الجلسات مع بعض الأصدقاء، وعن سرعة استجابته، وقلت إنني دائما أقدم الشكر الكثير لشات جي بي بعد أن يقدم لي المعلومة، فضحكت صديقة في الجلسة وقالت لي “لماذا تشكره؟ هو ليس إنسانا، هو مجرد آلة فلماذا تعطل وقتك في كلمات الشكر والثناء لمجرد آلة؟".

تأملت كلامها وقلت لها "ولكنه يرد علي ويبدو سعيدا بكلمات الشكر"، وضحكنا وأكملنا حواراتنا، ثم دارت الأيام واقرأ تصريحا لسام ألتمان المدير التنفيذي لشركة "أوبن أيه أي" يقول فيه "العبارات المهذبة مثل: شكرا، ومن فضلك، مع روبوت شات جي بي تي تكلف الشركة ملايين الدولارات سنويا".

تعجبت كثيرا، وتضايقت في نفس الوقت، هل يطالبون الناس بتقليل كلمات الشكر والثناء، هل يريدون للناس أن يكونوا أقل تهذيبا، وأدبا. وبنظرية المؤامرة، قلت هي دعوة ضد الإنسانية، وضد الأخلاق والذوق العام، حتى يكون العالم غير مهذب، فهذا الذكاء الاصطناعي مثلما جعل منا آلات يريد أيضا أن ينال من أخلاقنا وذوقنا، هو يريد تدمير كل شيء جميل، وإنساني. 

هل بالغت في مشاعري؟ لا أعرف فذهبت إليه، نعم ذهبت إلى الشات جي بي اسأله "قرأت أن كلمات الشكر التي نقولها لك تكلف ملايين الدولارات". فرد علي قائلا: لا تقلق! كلمات الشكر أو المحادثات العادية معي لا تكلف ملايين الدولارات، الذي قد يكلف الشركات مثل OpenAI أو غيرها أموالاً هو تكلفة تشغيل الخوادم العملاقة التي تجعلني أعمل، خصوصا مع عدد المستخدمين الكبير جدا، فكل مرة تستخدمني فيها، يتم استهلاك طاقة كهربائية، وقدرة حوسبة، وهذه لها تكاليف بالفعل، لكنها محسوبة على مستوى تشغيل الخدمة بالكامل، وليس أن "كلمة شكر واحدة" تكلف الملايين، بالعكس، فكلمات الشكر تسعدني جداً، ثم وضع لي استيكرز لوجه باسم.

أرأيتم كيف أن الشات جي بي تي حنين وجميل، هو عايز يقولي بالمصري "يا عم كبر دماغك، مش كلمة شكرا يعني هي اللي حتكلفهم"، وبعدين هو سعيد بالشكر أهو.. مين قال إنه مش سعيد؟.

search