الجمعة، 09 مايو 2025

10:41 م

حسام عبد القادر يكتب: ذكريات صحفية.. حكايتي مع أسرة العالم يحيى المشد

الجمعة، 09 مايو 2025 09:26 ص

حسام عبد القادر

حسام عبد القادر

"الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها نافذة على العالم، ومغامرة نعيشها يوميا بكل تفاصيلها. خلف كل خبر  أو مقال قصة، وخلف كل صورة حكاية مليئة بالتحديات والإلهام. في هذه السلسلة، سأفتح صفحات من دفتر ذكرياتي الصحفية، التي قد تكون مهمة للبعض وغير مهمة للبعض الآخر، وكل ما أستطيع الوعد به هو الصدق في كل ما سأكتب".

حكايتي مع أسرة العالم الكبير يحيى المشد

قبل اختراع الإنترنت، وتطور وسائل الاتصال بشكل كبير، كنا نعتمد على التليفون الأرضي للتواصل مع المصادر الصحفية، ونلجأ في كثير من الأحيان للذهاب إلى المصدر في بيته، للحصول على الخبر أو اجراء حوار معه، وكان الموضوع صعبا وحساسا جدا، ولكن من أجل الصحافة كنا نغامر، ونتعرض كثيرا لمواقف محرجة أو سخيفة.

لا أنسى الحوار الذي أجريته مع زوجة الدكتور يحيى المشد رحمه الله، والدكتور يحيى المشد لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة، كان عالما كبيرا في الهندسة النووية، وله إسهامات بارزة في هذا المجال، كان أستاذًا في الجامعة التكنولوجية، قسم الهندسة الكهربائية بالعراق، واستعانت به العراق لاحقا للمساهمة في إنشاء مفاعل نووي، ولكنه اغتيل عام 1980 في غرفته بفندق "الميريديان" في باريس ليتوقف بذلك مشروع المفاعل النووي العراقي.

قبل سفره إلى العراق، كان الدكتور المشد أستاذا بقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، وكان يقيم في منطقة فيكتوريا، من هنا بدأت التقاط الخيط لإجراء تحقيق صحفي أو حوار عنه، ذهبت إلى زملائه بقسم الهندسة النووية، وحصلت منهم على بعض المعلومات القليلة التي لم تشبع فضولي الصحفي، بحثت عما كُتب عنه، لكن بقيت خطوة مهمة، وهي: الوصول إلى زوجته أو أولاده.

تمكنت من معرفة عنوان العمارة ورقم الشقة، صعدت إليها بكل جرأة وطرقت الباب، خرجت لي سيدة سألتني: "ماذا تريد؟" قلت لها "أنا صحفي، وأرغب في إجراء تحقيق عن الدكتور يحيى المشد، رحمه الله". كادت تغلق الباب في وجهي، ونظرت لي غاضبة "ماذا تريد الصحافة منا؟ وهل سترجع لنا اللي راح؟"، اعتذرت لها بكل هدوء أني جئت بدون موعد ولكني أبحث عن رقم التليفون لكي أحدد موعدا مناسبا، واستأذنتها بكل هدوء قبل أن تغلق الباب أو تقول شيئا أن تعطيني فقط رقم التليفون وسأتحدث إليها، ونتحاور، فإن رغبت في إجراء الحوار حددنا موعدا لأذهب إليها، وإن لم ترغب سأحترم رغبتها وانسحب، فقط أريد رقم التليفون.

ترددت كثيرا، ونظرت لي متفحصة كثيرا، ثم أعطتني الرقم وحددت لي الوقت المناسب للاتصال. شكرتها وغادرت وأنا في غاية السعادة لما وصلت إليه.

استطعت في المكالمة إقناعها، وذهبت لها في موعد حددته وقابلتها وقابلت ابنه، وحكت لي تفاصيل عديدة عن اغتياله، والإساءة إلى سمعته حيث قيل وقتها أنه كان مع فتاة ليل فرنسية داخل غرفته بفندق في باريس، وأن هذا هو سبب الوفاة، وطبعا نسجت هذه القصة للتغطية على قصة الاغتيال التي تمت من أجهزة مخابراتية لإنهاء مشروع المفاعل النووي العراقي.

حدثتني أيضًا عن الموقف الإنساني للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي عرض على الأسرة الإقامة الدائمة في العراق، لكنها فضلت العودة إلى مصر مع أولادها، ليكملوا تعليمهم وتستكمل حياتها في بلدها. كما خصص لهم معاشًا شهريًا مدى الحياة، لكنه توقف بعد حرب الكويت والتغيرات السياسية الكبيرة في تلك الفترة.

بعد أن أنهيت حواري معها، قالت لي مبتسمة: "جاءني من قبل صحفيون كثيرون ورفضت إجراء أي حوار، لا أعرف لماذا وافقت معك أنت تحديدًا!"، سعدت جدا بهذه الجملة التي لم أكتبها في حواري وقتها، ولكني اعتبرتها نصرا لي في قدرتي على إقناع الضيف بإجراء الحوار.

واستطعت الحصول منها على صور نادرة للدكتور المشد ـ مع الأسف لا أعرف أين هذه الصور الآن ـ وكتبت حوارا أعتبره من أهم الحوارات الصحفية التي أجريتها، وأعدت إحياء قصة مهمة جدا عن اغتيالات العلماء المصريين.

search