السبت، 24 مايو 2025

04:46 م

باسم عوض الله يكتب: عَمُّو سَيِّد لم ولن أنسَاك..!

السبت، 24 مايو 2025 09:26 ص

باسم عوض الله

باسم عوض الله

وإذ بالعظيم أحمد منيب يهلّ طيف نغمه الراقي الفريد لأبدأ بدندنة "صدقني يا صاحبي.."، حتى يحلّ عليّ طيف حبيبي الغالي الذي لم ولن أنسى أجمل لحظات حياتي معه، إنه عمي حبيب القلب عمو سيد شقيق والدي الحبيب رحمة الله وغفرانه وبركاته عليهما. 

ومن أين أبدأ لكم الحكاية؟ فقد بدأت منذ نعومة أظافري حينما كنت رضيعًا مازلت أتحسس خطواتي على أرض الحياة، آنذاك كنت أطير بسحابة حب بين أنامل عمو سيد الطيب أصيل الجوهر الذي حملني من قلبه قبل يداه. بكل تأكيد أن بذلك العُمر لا يتذكر أحد أيَّة ذكريات أو أحداث مرَّ بها، لكن يا أحبائي الحب لا ينسى، فكما يقال (من القلب للقلب رسول) فإن الرضيع والطفل تُطْبَع بروحه كل نبضة حب صادقة. 

عمو سيد يا أحبتي لم يكن عمًّا بالمفهوم الدارج، فقد كان صديقًا وأخًّا كبيرًا ووالدًا، والأهم من كل تلك الأدوار فقد كان لنا أنيسًا، إنه شريك حياة. قد كانت بشرته السمراء الأصيلة تتوارى بجنباتها قلبًا ناصعًا لا يحمل لأي كائن إلا الحب والمودة، وضحكته الجميلة النابعة من ذلك القلب التي كانت ومازلت ذكراها تملأ الذهن والنفس بالبهجة والسرور. قد كان وجوده فقط يمثل صمام أمان لأسرتنا، وإن بدت أوجه الحياة بوتيرة غير ثاتبة، لكن ثباته الانفعالي وطموحه وصبره وابتسامته كانوا يُسَكِّنون ويطمئنون أيَّة مخاوف تحاول أن تداهمنا، وأعمق ما كان بشخصيته الفريدة أنه أيقونة إيثار. 

كان عمو سيد يعيش معنا بمحافظة مسقط بسلطنة عُمان وطني الأول المكرر، حيث نشأت وكبرت وعرفت الحياة، وبكل أوجه الحياة قد تشاركناها سويًّا بليلها ونهارها وبجمالها وتحدياتها. لم يكن هناك مشهدا قطّ يخلو من حبيبي عمو سيد، فقد كنا نتنزه ونتسوق... إلخ من كل متطلبات الحياة نفعلها سويًّا. حتى أول عمل رسمي لي بأجر كان مع عمو سيد، وأول سيارة قُدَّتها كانت سيارته فهو أول من علمني القيادة، وهو أول من علمني كيف أن يكون الرجل رجلًا، بتعاونه ومشاركته لأسرته بكل تفاصيل الحياة، وهو من علمني الصبر على محن الحياة دون تذمر، وهو من علمني أن الرجل بأدبه وذوقه وليس بقساوته وغلظته، والكثير والكثير تعلمت منه. وهو أول شخص بعد أمي وأبي قام بتوجيهي، ولم يكن يستطيع أن يبغضه قلبي وإن عَنَّفني وبتّ متأثرًا منه، حينها كنت أظل منتظرًا للحظة الصُّلح ولم أكن أبحث عن تفسير لذلك، لكن خلال سَيري بمحطات الحياة المختلفة، وعيت أن ذلك هو تآلف الأرواح وحب العمّ الحقيقي. 

وعندما أتى الرحيل أتى مفاجأة مباغتة مخدِّرة لم أكن أعلم مداها إلا بِمَرِّ السنين، وتلك رحمة عظيمة غشيتني من رب العالمين، حيث أن ما لا نستطيع إدراكه وتحمله تحفظنا رحمة الله من صعوبته وخطورته. فقد خُطِف فجأة من كان حصنًا نفسيًّا عتيدًا لنا بعد انتقال والدي الحبيب قبلهِ بعام واحد، وكأنما قد وعدا بعضهما البعض بأنهما سيتشاركان الدنيا والآخرة دون أن يتأخر أحدهما على الآخر. ثم بات طيفه يأتي على الدوام زائرًا غاليًا مطبِّبًا لغيابه، فأجد نفسي دون تفكير أحكي له عن مجريات حياتي وما مررت به، وعن كل جديد وحدث طرأ بحياتي، فإني أسعد بمشاركته كل تفاصيل حياتي حتى وإن كان غائبًا بجسده لكنه حاضرًا بروحه الطيبة. 

وإذ من قصة عمي الغالي أحب بشدة أن أسلط الضوء على دور الأقارب بحياة الإنسان، فالعم والخال والعمة والخالة والجد والجدة هم ظلال الأب والأم بحياة الأبناء. لذا يجدر بكل من يتقلَّد أحد تلك المناصب الهامة أن يبقى حريصًا على جودة ما يقدمه من مشاعر واحتضان وقدوة... إلخ من صفات وسلوكيات؛ لأن ما يقدمه سيرسم حياة ذلك الطفل البريء لتصبح حياة سعيدة أو حياة بائسة. لذلك وجب أن نسأل أنفسنا هل نريد أن نرسم لأحباء القلب طريقًا مُمَهَّدًا مُزهرًا أم طريقًا وَعِرًا مُوحشًا..؟! 

والآن قد مرت خمسة وعشرين عامًا على سفرك للسماء يا عمو سيد الحبيب، ومازالت ذكراك تحيا بداخلنا جميعًا، وستظل بقلوبنا طيلة العمر يا حبيبي، ولك مني وأختي ووالدتنا سلامًا وحبًّا ودعاءً غير منقطع.

search