الأربعاء، 28 مايو 2025

12:46 ص

محمد حامد يكتب: “شمشون ولبلب”.. أم "عنتر ولبلب"

الإثنين، 26 مايو 2025 01:40 م

محمد حامد

محمد حامد

فى أوائل عام 1952، أنتجت السينما المصرية فيلماً هاماً ينتمى إلى سينما الفانتازيا الكوميدية وهو فيلم "شمشون ولبلب"، بطولة الفنان محمود شكوكو، والمطربة والممثلة حورية حسن، وسراج منير، وشاركهم البطولة الراقصة ببا إبراهيم، والفنان عبدالوارث عسر، ومن إخراج وتأليف سيف الدين شوكت، كتب له الحوار بديع خيرى.
الغريب، أنه بعد عرض الفيلم بأسابيع قليلة، تم سحبه من دور العرض، بحجة أن الظروف التى تمر بها البلاد بعد حريق القاهرة فى يناير 1952 لا تسمح بعرض الأفلام الوطنية التى تثير المواطنين، فتم سحب فيلم "مصطفى كامل" للمخرج أحمد بدرخان، والبطولة الوحيدة للفنان والكاتب أنور أحمد، وكذلك فيلم "الكيلو 99" للمخرج عباس كامل، بطولة إسماعيل ياسين، كما تم سحب فيلمنا "شمشون ولبلب" لما فيه من إسقاطات وطنية ظهرت بوضوح فى أسماء محلات الحارة التى تدور فيها أحداث الفيلم مثل “مطعم الحرية”، “عصير الجلاء”، “بقالة السلام”، “جزارة القنال”، "عجلاتى الوحدة". 
أسماء لم تكن عبثية، بل تعكس روح المرحلة: دعوة للاستقلال، ومقاومة الاستعمار، ووحدة الشعب في مواجهة "فتوات الاحتلال"، التى يتم قهرها بواسطة ذكاء لبلب (المصريين).
لم يكن هذا هو السبب الوحيد لسحب الفيلم، فهو فى النهاية فيلم كوميدى خفيف، ولكن جاء السبب الأساسى فى اعتراض أحد حاخامات اليهود (حاييم ناحوم) على إطلاق اسم أحد أنبياء بنى إسرائيل فى عقيدة اليهود، على شخصية البلطجى الظالم المغتصب (سراج منير) الذى يتعرض فى الفيلم للضرب، ويتلقى سبعة أقلام، من بطل الفيلم الطيب (محمود شكوكو)، كل واحد يمثل انتصارا جديدا للعقل على البطش.
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، أُعيد عرض الفيلم ولكن بعد تغيير اسمه إلى "عنتر ولبلب" بدلاً من "شمشون ولبلب" كما تم إعادة دبلجة بعض الحوارات الصوتية للممثلين وتغيير أى ذكر لاسم "شمشون" واستبداله بـ"عنتر"، وللأسف تمت هذه العملية التى تسمى "دوبلاج صوتى" (ليبسنج) بطريقة بدائية وضحت جداً فى نسخة الفيلم المعروضة أنه كلما يأتى اسم "شمشون" نسمع صوت مختلف عن صوت الممثل أو الممثلة وينطق كلمة "عنتر". ورغم تغيير اسم الفيلم، ظلت الإسقاطات الوطنية حاضرة بذكاء فى أحداث ومشاهد الفيلم. 
تدور أحداث الفيلم حول (لبلب)، الذي يعيش فى هدوء فى حى شعبى، ويعمل فى مطعمه الذى يدخر منه جنيهات بسيطة، مهر الفتاة التى يحبها وتحبه (لوزة - حورية حسن) ابنة المعلم (رضوان - عبدالوارث عسر). فجأة يأتى إلى الحى رجل شرس، واسمه (شمشون ـ عنتر ـ سراج منير)، وهو رجل قوى العضلات. يريد شمشون الزواج من لوزة وطرد لبلب من الحارة، فيتحداه لبلب ويتعهد بضربه 7 أقلام فى 7 أيام. يتملك غرور القوة من شمشون/ عنتر ويقبل التحدى. تبدأ المعركة بينهما ومن خلال ألاعيب (لبلب) الذكية السبعة يستطيع أن يهزم القوة الغاشمة بذكائه وخفة دمه، وحب ومساعدة جيرانه، بالرغم من مساندة والد لوزة لشمشون طمعاً فى ثروته.
يُعتبر هذا الفيلم هو البطولة الوحيدة للفنان محمود شكوكو، الذى قام بدور الشاب الشعبى المحبوب خفيف الظل، الذى ينتصر بعقله فى كل جولة، ممثلًا البسطاء وهم يواجهون القهر بسخرية ودهاء.
وكانت مفاجأة الفيلم دور سراج منير، الذى اشتهر بأدواره الجادة، إلا أنه قدم فى هذا الفيلم أداءً ساخراً ومختلفاً تماماً، ونجح فى أداء شخصية الفتوة المتغطرس، معتمداً على قوته البدنية، وقدراته التمثيلية المميزة.
"شمشون ولبلب"، أو "عنتر ولبلب"، لم يكن مجرد فيلم يهدف للضحك فقط، بل كان يحمل رسائل رمزية كثيرة، أهمها أن البطل الوطنى الذى يدافع عن أرضه وعرضه قادر على الانتصار، مهما بدا العدو قوياً. الفيلم، رغم بساطته، إلا أنه رمز واضح لانتصار الوطنية والذكاء على القهر والبطش والعدوان، الذى يقوم به أى احتلال غاشم.

search