الجمعة، 13 يونيو 2025

11:47 م

من أراد الأضحية وفاته وقتها.. مفتي الجمهورية يوضح الحكم

الأربعاء، 11 يونيو 2025 02:04 م

السيد الطنطاوي

دكتور نظير عياد

دكتور نظير عياد

قال الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، إن التطوع بالأضحية له في الشرع الشريف وقت معلوم، بحيث لا يجزئ ذبحُها كأضحيةٍ قَبلَه ولا بَعدَه، وغروب شمس يوم الثالث عشر مِن ذي الحجة هو آخِر وقت لها، فمَن تأخَّر عن ذلك دون أن يذبحها فقد فاتته في ذلك العام، ولا يجب عليه شيءٌ، ومِن ثمَّ فإن الرجل المذكور الذي مرَّ به يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة دون أن يذبح ما اشتراه من شاة للأضحية المندوبة -يجوز له شرعًا أن يذبحها ثالثَ أيام التشريق، وهو يوم الثالث عشر مِن شهر ذي الحجة، فإن فاته الذبح في ذلك اليوم حتى غربت شمسُه فإن التطوع بالأضحية يفوته عن ذلك العام بلا إثمٍ أو لزومِ قضاءٍ.

جاءت فتوى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، ردا على سؤال عن ما الذي يترتب على من أراد الأضحية، وفاته وقتها ولم يضحّ؟ فهناك رجلٌ يتطوع بالأضحية كلَّ عام، وفي هذا العام اشترى شاةً للأضحية، إلا أنه قد طرأت له بعض الظروف في يوم عيد الأضحى واليوم الذي يليه حالت بينه وبين ذبحها حتى أصبح في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، فهل يجزئه التطوع بالأضحية بعد ذلك؟ وما الحكم لو خرج الوقت دون أن يذبح؟ هل يشرع له الذبح بعده وتكون أضحية؟

فضل الأضحية

وأشار الدكتور نظير عياد إلى أنه من المقرر شرعًا أن الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36]، وهي سُنة مؤكدة في أيام النحر على المختار للفتوى، فقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي في "السنن". وفي رواية: «وَإنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجها الإمام الحاكم في "المستدرك" وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وقت ذبح الأضحية

ذبح الأضحية مقدَّرٌ ومحدَّدٌ بوقت إجزاءٍ شرعي بحيث لا تقع الأضحيةُ صحيحةً مجزئةً عن صاحبها بالخروج عن هذا الوقت، ولَمَّا كان ابتداءُ وقتها يومَ النحر -على تفصيلٍ في ذلك بين الفقهاء- فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجزئ في الأضاحي ما كان قبل طلوع فجر يوم النحر، كما في "الإجماع" للإمام ابن المُنْذِر (ص: 60، ط. دار المسلم).

ولِآخِر الوقت الذي تجزئ فيه الأُضحية وتصحُّ شرعًا -قولان:

القول الأول: أنَّ الأضحية مؤقتة بثلاثة أيام، هي: يوم النحر، ومعه يومان مِن أيام التشريق الثلاثة، بحيث ينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثاني عشر مِن شهر ذي الحجَّة، وهو مذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والحنابلة. يُنظر: "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (12/ 9، ط. دار المعرفة)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي (3/ 36، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (9/ 453، ط. مكتبة القاهرة).

ودليلهم على ذلك: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ» أخرجه الإمام مسلم. ومعلوم أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح، "فلو كان اليوم الرَّابع منها لكان قد حَرُم على مَن ذبح في ذلك اليوم أن يأكل مِن أضحيته"، كما قال الإمام أبو الوليد البَاجِي في "المنتقى" (3/ 99، ط. مطبعة السعادة).

والقول الآخَر: أنَّ وقت الأضحية أربعة أيام، فيستمر مِن يوم النَّحر إلى آخر أيام التشريق الثلاثة، بحيث ينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجَّة، وهو ما ذهب إليه الشافعية، واختاره بعض فقهاء الحنابلة، منهم الإمامان أبو الفَرَج الشِّيرَازِي، وابن عَبْدُوس. ينظر: "مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (6/ 130، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي (4/ 87، ط. دار إحياء التراث العربي).

ودليلهم على ذلك: ما رواه جُبَيْر بن مُطْعِم رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ... الحديث» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند" واللفظ له، وابن حِبَّان في "الصحيح"، والبَيْهَقِي في "السنن الكبرى".

الحكم المترتب على من أراد الأضحية وفاته وقتها ولم يضحّ

وأوضح فضيلته أنه إذا انتهى الوقت المشروع للأضحية المسنونةِ قبل ذبحها، فجمهور الفقهاء مِن المالكية والشافعية والحنابلة على أنَّها تسقط عنه وتفوته بفوات وقتها؛ إذ الذبح بعد فوات أيام النحر لا يُعد أُضحية، كما أنها لا تُقضَى عندهم؛ لأنها سُنَّةٌ تَعَلَّقَت بوقتٍ محدَّدٍ لا يمكن أداؤها إلا فيه، ولا يمكن قضاؤها إلا في مثله من العام المقبل، ولو انتظر ليقضيها في وقتها التالي مِن العام المقبل فلن تصادف وقتًا خاليًا يسمح بالقضاء؛ لأنها تقع منه حينئذٍ أداءً عن العام الجديد، كمن اعتاد صيام التطوع في أيام مخصوصة كالإثنين والخميس، فلو فاته يومٌ لم يستطع قضاءه دون أن يترك للقضاء أداءَ يومٍ آخَر مثله، فلما تزاحم القضاءُ مع الأداء سَقط قضاء السُّنن التي تفوت مواقيتها كالأضحية؛ لتحقُّقِ الفوات فيها وانقطاع المستدرك، كما في "نهاية المطلب" للإمام أبي المَعَالِي الجُوَيْنِي (18/ 177-178، ط. دار المنهاج).

قال الإمام أبو عبد الله الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 46، ط. دار الفكر): [مَن حبس أُضحيته حتى مضت أيامُ النحر كلُّها فإنه يفعل بها ما شاء؛ إذ لا يضحي أحدٌ بعد أيام النحر] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (8/ 388، ط. دار الفكر): [فأمَّا إذا لم يُضَحِّ حتى فات الوقتُ، فإن كان تطوعًا لم يُضحِّ، بل قد فاتت التضحية هذه السَّنَة] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 9، ط. دار الكتب العلمية): [(وسقط التطوع) بخروج وقت الذبح؛ لأن المُحَصِّلَ للفضِيلَةِ الزمانُ وقد فات] اهـ.

بينما ذهب الحنفية -تبعًا لوجوب الأضحيةِ عندهم على الموسِر وهو الذي يملك نصابًا من المال تجب فيه الزكاة- إلى أنَّها إن فات وقتها فإنه يجب على المكلَّف إن كان موسرًا أن يتصدَّق بثمنها، سواءٌ أكان قد اشتراها أم لم يشتَرِهَا، أما إذا اشتراها مَن لا تجب عليه ثم فات وقتها من غير أن يضحي بها، فإن عليه أن يتصدق بها حيَّةً إلى الفقراء والمحتاجين دون أن يذبحها؛ لفوات وقت الذبح وقد عيَّنها قُربةً لله، فيتصدق بعينها، وفي كلِّ ذلك لا تكون أضحية، وإنما هي خروجٌ عن عهدة الوجوب، كالجمعة تقضى عند فواتها ظهرًا، والفدية لمن عجز عن الصوم.

قال الإمام أبو المجد ابن مَوْدُود المَوْصِلِي في "الاختيار" (5/ 19، ط. الحلبي): [قال: (فإن مَضَت ولم يذبح، فإن كان فقيرًا وقد اشتراها تصدق بها حيَّة) لأنها غير واجبة على الفقير، فإذا اشتراها بنية الأضحية تعيَّنَت للوجوب، والإراقة إنما عُرفت قُربة في وقت معلومٍ، وقد فات، فيتصدق بعينها، (وإن كان غنيًّا تصدق بثمنها، اشتراها أو لا)؛ لأنها واجبة عليه، فإذا فات وقت القُربة في الأضحية تصدق بالثمن؛ إخراجًا له عن العهدة، كما قلنا في الجمعة: إذا فاتت تقضى الظهر، والفدية عند العجز عن الصوم؛ إخراجًا له عن العهدة] اهـ.

الخلاصة

واختتم فضيلته بالقول: بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال، فإنَّ  التطوع بالأضحية له في الشرع الشريف وقت معلوم، بحيث لا يجزئ ذبحُها كأضحيةٍ قَبلَه ولا بَعدَه، وغروب شمس يوم الثالث عشر مِن ذي الحجة هو آخِر وقت لها، فمَن تأخَّر عن ذلك دون أن يذبحها فقد فاتته في ذلك العام، ولا يجب عليه شيءٌ، ومِن ثمَّ فإن الرجل المذكور الذي مرَّ به يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة دون أن يذبح ما اشتراه من شاة للأضحية المندوبة، يجوز له شرعًا أن يذبحها ثالثَ أيام التشريق، وهو يوم الثالث عشر مِن شهر ذي الحجة، فإن فاته الذبح في ذلك اليوم حتى غربت شمسُه، فإن التطوع بالأضحية يفوته عن ذلك العام بلا إثمٍ أو لزومِ قضاءٍ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا:

من فتاوى الإمام محمد عبده.. مصاريف رجوع من أراد الحج عن الغير فتعذر وصوله إلى أرض الحجاز

الأوقاف تنظم 27 ندوة علمية عن "زواج الأطفال بين العرف الفاسد ورأي الشرع”

المشروع الصيفي القرآني بالغربية يستهدف تخريج 10 آلاف حافظ لكتاب الله

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 13 يونيو 2025م ـ 17 ذو الحجة 1446هـ

search