الأحد، 22 يونيو 2025

01:42 ص

الجهر والإسرار عند قضاء الصلاة المفروضة.. مفتي الجمهورية يبين الحكم

الجمعة، 20 يونيو 2025 03:06 م

السيد الطنطاوي

دكتور نظير عياد

دكتور نظير عياد

قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، إن الصلاة المفروضة لا تسقط عن المكلف بحال من الأحوال، ومن فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها، والإسرار والجهر فيها يكون على وفق وقت القضاء، فإن كان القضاء في وقت صلاة سرية أسر، وإن كان في وقت صلاة جهرية جهر، مع مراعاة أنَّ الجهر والإسرار من سنن الصلاة لا من أركانها أو شروطها، فيستحب المحافظة عليها، وإن تركها المصلي لسهوٍ أو نسيانٍ أو غيره فلا حرج عليه وصلاته صحيحة.

حث الشرع الشريف على المحافظة على الصلاة في أوقاتها

وأضاف الدكتور عياد، أن الصلاة فريضة من فرائض الإسلام الحنيف، وركن من أركانه، فرضها الله على كل مسلمٍ مكلَّفٍ، وجعل لها أوقاتًا مخصوصة وحثَّ على أدائها فيها، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، أي: مؤقتة مفروضة.

وقد مدح الحق تبارك وتعالى المحافظين عليها في أوقاتها، وميَّزهم عن غيرهم، فقال جل شأنه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا  وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا  إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: ١٩-٢٣].

كما حذر الله سبحانه وتعالى من التقصير فيها وعدم المحافظة عليها، فقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤-٥].

حكم قضاء الفوائت من الصلوات المفروضة

وأوضح أنه إذا فات المكلفَ صلاةٌ مفروضةٌ فإنَّها لا تسقط عنه بحال، سواء أكان تركها لعذر، كالنوم، ونحوه مما يعذر فيه الشرع، أم لغير عذر، كالمفرِّط فيها، ويجب عليه قضاؤها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» أخرجه الإمام مسلم.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 183، ط. المطبعة المصرية الأزهرية): [فيه: وجوب قضاء الفريضة الفائتة، سواء تركها بعذر، كنوم ونسيان، أم بغير عذر، وإنَّما قيد في الحديث بالنسيان؛ لخروجه على سبب؛ لأنَّه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى] اهـ.

وقد تواترت نصوص فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة على وجوب قضاء الفوائت من الصلوات المفروضة، سواء أكان الفوت لعذر، أم لغير عذر:

قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 582، ط. دار الكتب العلمية): [(ص): (ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها)، (ش): سواء كان فوتها ناسيًا، أو بغير عذر النسيان، أو عامدًا] اهـ.

وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 300، ط. دار الفكر): [(ص): (فصل: وجب قضاء فائتة مطلقًا)، (ش): يعني أنَّ الصلاة الفائتة يجب على المكلف قضاؤها فورًا، سواء تركها عمدًا أو سهوًا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 69، ط. دار الفكر): [من لزمه صلاة ففاتته لزمه قضاؤها، سواء فاتت بعذر أو بغيره] اهـ.

وقال العلامة برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (1/ 313، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن فاتته صلوات) بعذر أو غيره (لزمه قضاؤها) وفاقًا] اهـ.

كيفية قضاء الصلاة الفائتة: الجهرية والسرية

وقال إنه مع كون الفقهاء اتفقوا على وجوب قضاء الصلاة الفائتة، إلَّا أنَّهم اختلفوا في كيفية قضائها إذا كانت جهرية، أيكون على حسب وقت الأداء أم القضاء؟

فذهب الحنفية في المختار عندهم إلى أنَّ قضاء الصلاة المفروضة يكون على وفق الأداء، فإن كان إمامًا جهر بالقرءاة، وإن كان منفردًا فمخير بين الجهر والإسرار فإن شاء قرأ في نفسه وإن شاء جهر فأسمع نفسه، وإن كان مأمومًا فلا يقرأ، إذ قراءة الإمام له قراءة.

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 533، ط. دار الفكر): [اختار شمس الأئمة وفخر الإسلام والإمام التمرتاشي وجماعة من المتأخرين أن القضاء كالأداء] اهـ.

وقال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (ص: 73، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجهر الإمام) وجوبا بحسب الجماعة، فإن زاد عليه أساء، ولو ائتم به بعد الفاتحة أو بعضها سرًّا أعادها جهرًا، "بحر". لكن في آخر "شرح المنية": ائتم به بعد الفاتحة، يجهر بالسورة إن قصد الإمامة، وإلا فلا يلزمه الجهر (في الفجر وأوليي العشاءين أداء وقضاء وجمعة وعيدين وتراويح ووتر بعدها)، أي: في رمضان فقط للتوارث] اهـ

وقال العلامة سراج الدين بن نجيم الحنفي في "النهر الفائق" (1/ 228، ط. دار الكتب العلمية): [(وخير المنفرد فيما يجهر) فيه بين الجهر والإخفاء أداء كان أو قضاء هو الأصح] اهـ.

وذهب المالكية والشافعية في وجه إلى أنَّ قضاء الصلاة المفروضة يكون على وفق الأداء، فمن فاتته صلاة سرية قضاها سرًّا، ومن فاتته صلاة جهرية قضاها جهرًا، إذ المعتبر أصل الصلاة في الأداء.

قال الشيخ الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير للدردير" (1/ 263، ط. دار الفكر): [وتقضى النهارية سرًّا ولو قضاها ليلًا، وتقضى الليلية جهرًا ولو قضاها نهارًا؛ لأنَّ القضاء يحكي ما كان أداء] اهـ.

وقال القاضي حسين الشافعي في "التعليقة" (2/ 794، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز) في صفة  قضاء الصلاة المفروضة: [وإن فاتته صلاة بالليل فقضاها بالنَّهار، أو بالنَّهار فقضاها بالليل فوجهان: أحدهما: يعتبر فيه أصل الصلاة في الأداء] اهـ.

وذهب الشافعية في أصح الوجهين عندهم والحنابلة إلى أنَّ  قضاء الصلاة  المفروضة يكون على وفق القضاء لا الأداء، فإن كان القضاء في وقت صلاة سرية أسر، وإن كان في وقت صلاة جهرية جهر، واستثنى الحنابلة الإمام إذا قضى الجهرية ليلًا فإنَّه يجهر بها، وذلك اعتبارًا بالقضاء وشبهها بالأداء؛ لكونها في جماعة، فإن قضاها منفردًا أسرها لفوات شبهها بالأداء.

وقال الإمام الإسنوي الشافعي في "المهمات في شرح الروضة والرافعي" (3/ 124-125، ط. دار ابن حزم): [تقرير ما في "الروضة" أن الصبح، وإن كانت من صلوات النهار، فحكمها حكم الصلوات الجهرية، إذا قضيت حتى يجهر فيها بلا خلاف إن قضاها ليلًا، ويكون مستثنى من قولهم: من قضى فائتة النهار بالليل فهل يجهر؟ فيه وجهان، إذ النهار عندنا أوله طلوع الفجر كاليوم، وحتى يسر على الصحيح إن قضاها بعد طلوع الشمس، ويكون ذلك أيضًا مستثنى من قولهم: أن من قضى فائتة النهار بالنهار يسر بلا خلاف، فقول النووي: فهي في القضاء جهرية، أي: فهي صلاة جهرية قد قضيت لا سرية، وإذا حكم بأنه قضاء صلاة جهرية فلا يلزم منه الجهر بها، ألا ترى أنه إذا قضى العشاء نهارًا فقد قضى صلاة جهرية، ومع ذلك لا يجهر. وأما قول النووي: ولوقتها حكم الليل في الجهر فهي أيضًا مسألة حسنة نبه عليها. ومعناه أن هذه القطعة من النهار حكمها حكم الليل في الجهر حتى يجهر بلا خلاف إذا قضى فيها المغرب أو العشاء] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع" (1/ 392، ط. دار الكتب العلمية): [ويسر في قضاء صلاة جهر نهارًا مطلقًا، ويجهر بها ليلًا في جماعة] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 411، ط. دار الكتب العلمية): [(ويسر في قضاء صلاة جهر)، كعشاء أو صبح قضاها (نهارًا ولو جماعة)، اعتبارًا بزمن القضاء، (كصلاة سر) قضاها ولو ليلًا، اعتبارًا بالمقضية، (ويجهر بالجهرية)، كأولتي المغرب إذا قضاها (ليلًا في جماعة فقط)، اعتبارًا بالقضاء وشبهها بالأداء؛ لكونها في جماعة، فإن قضاها منفردًا أسرها لفوات شبهها بالأداء] اهـ.

الرأي المختار للفتوى في كيفية قضاء الصلاة الفائتة الجهرية والسرية

وأشار فضيلته إلى أن المختار للفتوى هو أنَّ قضاء الصلاة المفروضة يكون على وفق القضاء لا الأداء، فإن كان القضاء في وقت صلاة سرية أسر بالقراءة، وإن كان في وقت صلاة جهرية جهر بها، مراعاة للوقت الذي تؤدى فيه الصلاة، ودرءًا لاحتمالية حصول اللبس بين المصلين إذا جهر أحدهم في وقت صلاة سرية، فقد يظنون خطأه فينبهونه وهو في حقيقة الأمر ليس مخطئًا.

بيان المراد بالإسرار والجهر في الصلاة وحكمهما

الإسرار: أن يحرك المصلي لسانه بالقراءة، وحَدُّهُ: أن يسمع نفسه فقط من غير علة، وأدنى الجهر: أن يقرأ المصلي القرآن بصوت مرتفع يسمع به نفسه ومن حوله.

قال الإمام ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه في شرح التنبيه" (3/ 155، ط. دار الكتب العلمية): [حد الجهر أن يسمع من حوله، وحد الإسرار أن يسمع نفسه من غير علة] اهـ.

والجهر والإسرار من سنن الصلاة التي يستحب المحافظة عليها، فإن وفى بها المصلي فقد بلغ الكمال، وإن تركها لنسيان أو سهو أو غيره فصلاته صحيحة مجزئة ما دام محققًا أركانها وشرائطها.

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 25، ط. مكتبة القاهرة): [الجهر والإخفات في موضعهما من سنن الصلاة، لا تبطل الصلاة بتركه عمدًا] اهـ.

الخلاصة

وتابع: بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فالصلاة المفروضة لا تسقط عن المكلف بحال من الأحوال، ومن فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها، والإسرار والجهر فيها يكون على وفق وقت القضاء، فإن كان القضاء في وقت صلاة سرية أسر، وإن كان في وقت صلاة جهرية جهر، مع مراعاة أنَّ الجهر والإسرار من سنن الصلاة لا من أركانها أو شروطها، فيستحب المحافظة عليها، وإن تركها المصلي لسهوٍ أو نسيانٍ أو غيره فلا حرج عليه وصلاته صحيحة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا:

استقبل وفدا من جامعة جورج واشنطن والجامعة الأمريكية بالقاهرة.. شيخ الأزهر: إقصاء الدين من حياة الناس أحد أسباب فِقْدان السعادة الحقيقية

في اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية.. مفتي الجمهورية: دعوة لإعلاء قيم السلام والتعايش بين الشعوب

وكيل الأزهر يعتمد نتيجة «أبناؤنا في الخارج» و"البرنامج التأهيلي" 2025م

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 20 يونيو 2025م ـ 24 ذو الحجة 1446 هـ

قريبا.. الإطلاق الرسمي للمنصة الرقمية الجديدة لوزارة الأوقاف

اليوم ذكرى وفاة فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي

وزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد متولي الشعراوي

لتعزيز القيم التربوية والثقافية الرفيعة بين النشء.. الأعلى للشئون الإسلامية يصدر كتاب “يوميات بنات”

الأوقاف تبدأ المرحلة الأولى من مشروع توزيع لحوم صكوك الأضاحي بـ 5 محافظات

وزير الاوقاف: فقه الإمام الليث بن سعد يمثل مدرسة مصرية في فهم مقاصد الشريعة

وكيلُ الأزهر يقرر تشكيلَ لجنةٍ من كبار مستشاري مادة الفيزياء ومعلميها لفحص شكاوى الطلبة

عبر بوابة الأزهر الإلكترونية.. الأزهر الشريف يعلن عن فتح باب التقديم لمسابقة "السنة النبوية" غدا الأحد 15 يونيو 2025

الإفتاء توفر رابطا للاطلاع على وثائق مؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"

الأوقاف تنظم 27 ندوة علمية عن "زواج الأطفال بين العرف الفاسد ورأي الشرع”

search