الأربعاء، 25 يونيو 2025

03:28 م

مرصد "فيرا روبين" ينشر أولى صوره الكونية المذهلة

الإثنين، 23 يونيو 2025 03:57 م

محمد عماد

صورة نادرة للكون

صورة نادرة للكون

في لحظة طال انتظارها لأكثر من عقدين، كشف مرصد "فيرا سي. روبين" الواقع في تشيلي عن أولى صوره المذهلة للكون، واضعًا العالم أمام مشاهد غير مسبوقة لمجرات بعيدة وسُدُم نجمية ولحظات ميلاد النجوم في عمق الفضاء. الإعلان، الذي تم مساء الاثنين، يمثل نقطة تحول تاريخية في علم الفلك، ويأتي في وقت تتعاظم فيه الأسئلة حول أصل الكون ومصيره.

موقع استثنائي وكاميرا هي الأضخم في التاريخ

يقع مرصد "فيرا روبين" على أحد القمم العالية في تشيلي، في موقع تم اختياره بعناية فائقة بفضل مناخه الجاف وصفاء سمائه وانخفاض الغطاء السحابي، ما يوفر ظروفًا مثالية لمراقبة السماء بوضوح نادر. وقد تم تمويل المشروع المشترك من قبل المؤسسة الوطنية للعلوم الأميركية (NSF) ووزارة الطاقة الأميركية (DOE)، ضمن جهود استراتيجية لاستكشاف أسرار الكون وبناء بنية معرفية لأجيال المستقبل.

ويتميّز المرصد بتلسكوب عملاق يبلغ قطره 8.4 أمتار، إضافة إلى احتوائه على أكبر كاميرا فلكية تم تصنيعها على الإطلاق. هذه الكاميرا قادرة على التقاط صور عالية الدقة لمناطق شاسعة من الفضاء، ومعالجتها بنظام بيانات متطور هو الأول من نوعه.

 

صور تكشف "صندوق الكنز الكوني"

الصور التي تم نشرها من قبل فريق المرصد جاءت بعد تجارب تشغيل دقيقة استمرت لأشهر. من أبرز هذه الصور لقطة مذهلة لسديم "تريفيد" وسديم "البحيرة"، اللذين يبعدان آلاف السنين الضوئية عن الأرض. وقد التُقطت الصورة الزهرية اللامعة على خلفية برتقالية داكنة من خلال دمج 678 صورة مختلفة على مدى سبع ساعات، ما أتاح الكشف عن تفاصيل غير مسبوقة في تكوين النجوم داخل مجرتنا "درب التبانة".

كما أظهرت صورة أخرى جانبًا صغيرًا من "نظام فيرجو للمجرات"، وتضمنت مجرتين حلزونيتين وثلاث مجرات اندماجية، في مشهد بصري يحبس الأنفاس. وضمن جهود تبسيط الفهم البصري، نشر المرصد فيديو بعنوان "صندوق الكنز الكوني"، يبدأ بلقطة مقربة لمجرتين ثم يتوسّع تدريجياً ليكشف عن قرابة 10 ملايين مجرة.

استثمار في المعرفة والفضاء

وقال مايكل كراتسيوس، كبير مستشاري سياسات العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، إن ما يحدث في تشيلي اليوم "ليس مجرد إنجاز علمي بل استثمار في مستقبل الإنسانية". وأضاف: "مرصد روبين هو منصة معرفية تضع الأساس لثورات علمية وتقنية سيبني عليها أبناؤنا غدهم بثقة وفخر".

ويأتي هذا الإعلان في وقت تستعد فيه إدارة المرصد لإطلاق مشروع "المسح الإرثي للزمان والمكان" (LSST) في وقت لاحق من العام الجاري، والذي من المقرر أن يمسح السماء بشكل يومي طوال العقد المقبل، مرصداً كل تغير دقيق في السماء، ما سيسمح للعلماء بتتبع تحركات النجوم والكويكبات وحتى الظواهر العابرة مثل انفجارات السوبرنوفا.

من اكتشاف المادة المظلمة إلى مراقبة الكويكبات

وقد سُمي المرصد باسم عالمة الفلك الأميركية الرائدة "فيرا روبين"، التي كان اكتشافها للمادة المظلمة ثورة علمية لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم. المادة المظلمة، مع الطاقة المظلمة، يُعتقد أنهما تُشكلان نحو 95% من كتلة الكون، رغم أنه لا يمكن رصدهما مباشرة، وإنما من خلال تأثيرهما على الأجرام السماوية.

كما يلعب المرصد دورًا متقدمًا في رصد الكويكبات. ففي غضون 10 ساعات فقط، تمكن من اكتشاف 2104 كويكبًا جديدًا داخل نظامنا الشمسي، من بينها 7 كويكبات قريبة من الأرض، وإن كانت لا تشكل أي تهديد حالي. وهذه القدرة الفائقة تضع مرصد "فيرا روبين" على قمة الأدوات الفلكية لمراقبة الأجسام بين النجمية.

إعادة تعريف دور المراصد العلمية

تُعتبر الصور التي نشرها المرصد اليوم بداية لعصر جديد في علم الفلك، حيث لن تقتصر المهمة على المراقبة بل ستمتد إلى إعادة تعريف مفاهيم كبرى حول نشأة الكون وهيكله. وبينما تنشغل المراصد التقليدية بتعقب الظواهر المعروفة، فإن "فيرا روبين" صُمم للبحث في المجهول، وتحليل ما لم يُرصد بعد.

ومع التقدّم السريع في تقنيات المعالجة والذكاء الاصطناعي، من المنتظر أن يُحدث هذا المرصد ثورة في فهم البشرية للكون، من خلال توليد أكثر من 20 تيرابايت من البيانات يوميًا. وفيما تتجه الأنظار إلى السماء، يرسّخ "فيرا روبين" دوره كمنصة علمية عالمية ستعيد تشكيل الطريقة التي ننظر بها إلى الفضاء، بل وربما إلى أنفسنا.

search