الأربعاء، 25 يونيو 2025

03:32 م

محمد حامد يكتب: عبدالوارث عسر.. شيخ الممثلين وأستاذ الأداء

الأربعاء، 25 يونيو 2025 09:21 ص

محمد حامد

الكاتب محمد حامد

الكاتب محمد حامد

لم يكن عبدالوارث عسر مجرد فنان تقليدى، بل كان أحد الأعمدة التى قامت عليها صناعة التمثيل فى مصر. 
وُلد عبدالوارث عسر يوم 16 مارس 1894 فى حى الجمالية بالقاهرة، لأب يعمل فى المحاماة وهو الشيخ "على عسر". حفظ عبدالوارث عسر القرآن فى صغره وتعلم تجويده وتعلم اللغة العربية وأتقنها وهو ما انعكس لاحقاً على أدائه الصوتى واللغوى فى التمثيل، حتى صار يُعرف بـ"شيخ الممثلين"، ليس فقط لوقاره، بل لعلمه وفصاحته وقدرته على إيصال الكلمة بإحساس صادق وبليغ.


أحب عبد الوارث عسر الفن منذ صغره، ونقل حب الفن لأخيه الفنان حسين عسر الذى لم ينل شهرة وانتشار شقيقه الأكبر. 


بدأ عبدالوارث عسر حياته الفنية فى سن الـ 23 من عمره، عندما انضم إلى فرقة چورچ أبيض الذى أسند له دور رجل كبير فى السن بإحدى المسرحيات، وظلت هذه الشخصية ملازمةً له حتى وفاته. 


شارك عبدالوارث عسر فى تأسيس "جمعية أنصار التمثيل" مع صديقيه سليمان نجيب والمخرج محمد كريم وكان عسر المسئول عن تدريب الممثلين على التمثيل والإلقاء.


اشتهر عبدالوارث عسر بتقديم دور الأب الحكيم، والرجل الطيب البسيط. وعلى الرغم من تكرار معظم أدواره في قالب الأب أو الجد، فإن كل شخصية قدّمها كانت تحمل بصمة خاصة لا تُشبه سواها.


فى أوائل الثلاثينيات انتقل عسر إلى السينما، وكان أول فيلم يُشارك فيه عبدالوارث عسر هو فيلم "زينب" الصامت (1930) للمخرج محمد كريم والمؤلف الدكتور محمد حسين هيكل. 

وقد قام عبدالوارث عسر بكتابة السيناريو والحوار لنفس الفيلم عندما أُعيد إنتاجه مرة أخرى عام (1952) ناطقاً وبنفس المخرج، حيث قام بإدخال عدة تغيرات على القصة الأصلية بعد استئذان الدكتور هيكل الذى رحب بهذه التعديلات وشجعهم على تصوير الفيلم، الذى لاقى نجاحًا كبيراً وقتها. 


كتب عبدالوارث عسر السيناريو والحوار لعشرات الأفلام ولكن بعضها لم يُكتب عليها اسمه لأنه كان يفعل ذلك خدمة لأصدقائه. 

يحكى عسر أنه أثناء تصوير فيلم "غزل البنات" (1949) وكان أنور وجدى هو المنتج والمخرج وكان نجيب الريحانى هو البطل وكاتب الحوار بالاشتراك مع بديع خيرى. 

وكان أنور وجدى مُحرجاً من أن يقوم بتعديل حوار كاتبه الأستاذ نجيب الريحانى وبديع خيرى ولكنه فى نفس الوقت غير راضٍ عن الإسلوب المسرحى المكتوب به الحوار، فاستعان بعبدالوارث عسر لإنقاذه. 

فما كان من عسر إلا أن ذهب للريحانى، صديقه، وقال له إن الحوار المكتوب رائع وغير مسبوق وعبقرى ولكنه يرى تخفيفه حتى يتقبّله الجمهور البسيط بسهولة. 

فاقتنع الريحانى وجلسا سوياً لإعادة كتابة الحوار مرة أخرى وظهر الفيلم بصورته التى نراها دون كتابة إسم عبدالوارث عسر فى التتر كمشارك فى كتابة الحوار.


شارك عبدالوارث عسر فى جميع الأفلام التى قام صديقه "الموسيقار محمد عبدالوهاب" ببطولتها (7 أفلام) وجميعها كانت من إخراج محمد كريم، بل أن عسر كتب له فيلمين من هذه الأفلام السبعة وهما فيلم "يوم سعيد" (1940) الذى كتب له القصة والسيناريو والحوار، وفيلم "لست ملاكاً" (1946) الذى كتب له السيناريو والحوار.


كما شارك عبدالوارث عسر السيدة "أم كلثوم" فى فيلمين من أفلامها الستة وهما فيلم "عايدة" (1942) للمخرج على بدرخان والذى كتب له عسر الحوار أيضاً، وفيلم "سلاَّمة" (1945) للمخرج توجو مزراحى والذى قام فيه بدور "أبوالوفا" الذى تصرخ باسمه البنات حتى تكف سلاَّمة عن الغناء.


شارك عسر فى العديد من الأعمال الفنية البارزة فى تاريخ السينما العربية منها: فيلم "الأستاذة فاطمة" (1952) إخراج فطين عبدالوهاب، وفيلم "صراع فى الوادى" (1954) إخراج يوسف شاهين، وفيلم "شباب امرأة" (1956) إخراج صلاح أبو سيف، وفيلم "أدهم الشرقاوى" (1964) للمخرج حسام الدين مصطفى، وفيلم "قنديل أم هاشم" (1968) إخراج كمال عطية، "الأخوة الأعداء" (1974) للمخرج حسام الدين مصطفى، و"العصفور" (1974) للمخرج يوسف شاهين، وفيلم "الرسالة" (1977) إخراج مصطفى العقاد، وفيلم "البؤساء" (1978) للمخرج عاطف سالم.


لم يكن عبد الوارث عسر ممثلاً فقط، بل كان مدرّساً للأداء واللغة، حيث ساهم في تدريب أجيال من نجوم الفن، وكان له كتاب شهير بعنوان "فن الإلقاء" لا يزال يُدرّس حتى اليوم، وكان يقوم هو بنفسه بتدريس فن الإلقاء فى المعهد العالى للسينما. 


وأستطيع القول أن "أمسية البردة" للإمام البوصيرى والتى أداها عبدالوارث عسر مع مجموعة رائعة من الفنانين والفنانات والتى نظمها التليفزيون المصرى وتم تصويرها فى ساحة المساجد بالإسكندرية فى ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ومازالت متعة روحية وفنية لم ولن تتكرر، كيف لا والجميع يتسابق فى جمال الأداء والإلقاء بقيادة أستاذ الأداء والإلقاء عبدالوارث عسر الذى كان أسمه أول الأسماء التى ضمت الأساتذة (عبدالرحيم الزرقانى وحمدى غيث ومحمد الطوخى ومحمد السبع ونبيل الدسوقى وخالد زكى وتيسير فهمى ورضا الجمال وفاطمة التابعى) وقام بأداء الغناء الفردى فيها على الحجار وزينب يونس وأخرجها الفنان كرم مطاوع.


نال عبدالوارث عسر العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى عام 1963، كما كرّمه الرئيس الراحل أنور السادات قبل وفاته بسنوات قليلة بمنحه جائزة الدولة التقديرية فى الفنون.


فى عام (1979) قدَّم عبدالوارث عسر آخر أفلامه، حيث قدم فى هذا العام خمسة أفلام وكان عمره وقتها 85 عاماً: "إسكندرية ليه؟" و"لا تبكى يا حبيب العمر" و"عاصفة من الدموع" و"أقوى من الأيام" و"لا عزاء للسيدات". 


وفى نفس هذا العام رحلت زوجته (ابنة خالته) التى أحبّها بشدة وارتبط بها ارتباطاً وثيقاً وكان له منها ابنتان فقط هما(لوتس) و(هاتور) وأسماهما بأسماء فرعونية، وحفيده هو الفنان (محمد التاجى).


عندما  توفيت زوجته حزن حزناً شديداً عليها ودخل على إثر ذلك المستشفى في شبه غيبوبة، وظل فترات طويلة بالمستشفى يخرج منها ليعود إليها مرة أخرى حتى لقى ربه يوم 22 أبريل 1982 عن عمر ناهز الثامنة والثمانين.


رحل عبدالوارث عسر عن عالمنا بعد أن ترك خلفه إرثاً فنياً وإنسانياً لا يُقدّر بثمن، كانت حياته درساً بليغاً لكل فنان، أن الفن رسالة وقيمة قبل أن يكون شهرة أو نجومية أو مال.

search