محمد حامد يكتب: أفلام ممنوعة .. هل الرقابة سيف الدولة أم حارسة القيم؟
الأربعاء، 02 يوليو 2025 12:32 م
محمد حامد

الكاتب محمد حامد
فى تاريخ السينما المصرية، هناك العديد من الأفلام التى لم ترَ النور، أو خضعت لمقص الرقيب لحذف بعض المشاهد منها وفى بعض الأحيان لتغيير نهاية العمل.
هذه الأفلام الممنوعة لم يكن معظمها سيئ الصنع أو تافه المعنى، ولكنها مُنعت أو تم قص بعض مشاهدها لأنها قالت ما لا يُقال، أو اقتربت أكثر مما ينبغي من المحظورات التى لم توافق الرقابة الحكومية وقتها على الاقتراب منها. فالرقابة، ولفترات طويلة سابقة، لم تكن تحمى الذوق العام بقدر ما كانت تُنفذ المحاذير التى وضعتها بعض أجهزة الدولة آنذاك، فتضع الخطوط الحمراء، ثم تعاقب بالمنع والحذف كل من يجرؤ على تجاوز هذه الخطوط.
وبدأت الرقابة لعبة المنع مُبكراً، ففى عام (1939) أنتجت السينما المصرية فيلم "لاشين" للمخرج فريتز كرامب من تأليف المخرج أحمد بدرخان وحوار شاعر الشباب "أحمد رامى" وبطولة الفنان حسن عزت ونادية ناجى وحسين رياض وفؤاد الرشيدى.
واعترضت الرقابة على الفيلم ومنعته من العرض العام لأنه حمل في ثناياه إسقاطاً سياسياً على الحُكم الملكى فى مصر آنذاك.
وظل الفيلم ممنوعاً لسنوات ولم يُعرض إلا بعد أربعة عشر عاماً بعد قيام ثورة يوليو وأعتبره البعض أنه الفيلم الذى تنبأ بقيام الثورة.
وتم اختيار الفيلم ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية وكان ترتيبه الثانى والعشرين فى القائمة.
قبل ثورة يوليو بأشهر قليلة، ولنفس السبب، وهو انتقاد النظام الملكى، رفضت الرقابة عرض فيلم "مسمار جحا" (1952) للمخرج إبراهيم عمارة وبطولة عباس فارس وشهرزاد وكمال الشناوى، وبعد مقابلة جمعت بين أنور وجدى (منتج الفيلم) والدكتور إبراهيم عبده مدير المطبوعات (الجهة المسئولة عن الرقابة وقتها) تم الإفراج عن الفيلم بعد أن أكد له وجدى أن الفيلم يتحدث عن الشعور الوطنى ولا يهاجم النظام الملكى بأى صورة من الصور.
من الأفلام التى تعرضت للمشاكل مع الرقابة أيضاُ فيلم "الشيخ حسن" أو "ليلة القدر" (1954) بطولة وإخراج حسين صدقى وشاركه البطولة الفنانة هدى سلطان وليلى فوزى واستيفان روستى ومنسى فهمى.
عند عرض الفيلم، لاقى اعتراضاً شديداً من بعض المسيحيين والمسلمين أيضاً بسبب تناول زواج مسلم من مسيحية ووجود بعض الكلمات فى حوار الفيلم اعترض عليها الجانبين، فأمر اللواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية وقتها، برفع الفيلم من جميع دور العرض، فقام "حسين صدقى" بتغيير اسم الفيلم من "ليلة القدر" إلى "الشيخ حسن"، وأضاف 7 دقائق أخرى له ثم طلب التصريح بعرضه مرة أخرى فتمت الموافقة على طلبه.
من الأفلام التى تعرضت للمنع أيضاً فيلم "الله معنا" (1955) للمخرج أحمد بدرخان بطولة عماد حمدى وفاتن حمامة وماجدة. وقد تعرض الفيلم، الذى كتبه إحسان عبدالقدوس، لأزمة رقابية بسبب أنه قدم شخصية اللواء محمد نجيب قائد ثورة 1952، وكان دوره محوريا بالفيلم الذي تم تصويره قبل إعفاء نجيب من منصبه وتحديد إقامته، فأوقفت الرقابة الفيلم، فتقدم صناع الفيلم بتظلم إلى مجلس قيادة الثورة، فأجازه الرئيس جمال عبدالناصر وحضر العرض الأول بنفسه بسينما ريفولى في 14 نوفمبر 1955 حيث كان الفيلم يحكى عن حرب فلسطين 1948 ضد العصابات الصهيونية وبطولات الجيش المصرى فيها رغم خيانة بعض البشوات وتوريد أسلحة فاسدة للجيش المصرى هناك.
فيلم آخر أجازه الرئيس عبدالناصر بنفسه، وهو فيلم "شيئ من الخوف" (1969) للمخرج حسين كمال من تأليف الأديب ثروت أباظة وبطولة الفنان محمود مرسى وشادية ويحيى شاهين.
لاقى الفيلم اعتراض الرقابة ظناً أن شخصية عتريس (الظالم) ترمز إلى الرئيس جمال عبد الناصر وأن فؤادة بملابسها المصرية التقليدية ترمز إلى مصر.
اشتكَى صناع الفيلم للرئيس عبدالناصر الذى شاهد الفيلم أكثر من مرة وأمر بعرضه قائلاً: "أنا لو زى عتريس ده، من حق الناس يقتلوني".
الفيلم يحتل الترتيب التاسع عشر فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى.
المخرج حسين كمال له فيلم آخر منعته الرقابة من العرض لسنوات وهو فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" (1979) بطولة عادل إمام وعبدالمنعم مدبولى ويونس شلبى وإبراهيم سعفان.
وبالرغم من أن معظم أبطال الفيلم ينتمون إلى الكوميديا، إلا أن الفيلم كان قاسياً جداً ومليئاً بالمشاهد العنيفة وظل الفيلم ممنوعاً من العرض لسنوات بسبب إظهاره بشاعة ما كان يحدث فى المعتقلات فترة الستينيات.
هناك فيلم آخر سبق أن عرض بشاعة المعتقلات فى نفس الفترة وهو فيلم "الكرنك" (1975) للمخرج على بدرخان وبطولة نور الشريف وسعاد حسنى وكمال الشناوى وفريد شوقى وشويكار ومحمد صبحى.
بعد انتهاء المخرج من تصوير الفيلم، طلبت رئاسة الجمهورية وقتها مشاهدة الفيلم، وطُلب من صناع الفيلم أن تنتهى أحداثه بقرارات الخامس عشر من مايو (1971) التى قام بها الرئيس السادات (ثورة التصحيح)، وذلك على خلاف رواية نجيب محفوظ التي تنتهي بنكسة 1967.
يحتل فيلم " الكرنك" المركز رقم 39 فى قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة السينما المصرية.
لنفس الأسباب تم منع عرض فيلم "وراء الشمس" (1978) للمخرج محمد راضى وبطولة شكرى سرحان ونادية لطفى ورشدى أباظة، لعرضه الانتهاكات وأساليب التعذيب التي حدثت أثناء حكم الرئيس عبدالناصر.
أيضاً تعرض فيلم "العصفور" (1972) للمخرج العالمى يوسف شاهين للمنع من العرض ولم يرَ الفيلم النور إلا بعد عامين من الانتهاء من تصويره، حيث رفضت الرقابة عرضه لمهاجمته لثورة يوليو.
لا نستطيع أن نتحدث عن الأفلام الممنوعة دون الإشارة إلى رائعة وحيد حامد وعاطف الطيب "البرىء" (1986) بطولة أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز وحسن حسنى وجميل راتب وصلاح قابيل وإلهام شاهين.
ظلت النسخة الأصلية من فيلم "البرىء" ممنوعة من العرض لمدة 19 عاماً قبل أن توافق وزارة الثقافة في عام 2005 على عرضه كاملاً مع النهاية المحذوفة فى المهرجان القومي للسينما كتكريم للفنان الراحل أحمد زكى.
تم منع النهاية الأصلية للفيلم وقت عرضه الأول والتى يقوم فيها أحمد سبع الليل (أحمد زكى) بقتل جميع الموجودين في المعسكر قبل أن يموت هو بيد زميل له.
فيلم "الغول" (1985) المأخوذ عن المسلسل الإذاعى "قانون سكسونيا" للمؤلف وحيد حامد والذى أخرجه للسينما سمير سيف وقام ببطولته عادل امام وفريد شوقى ونيللى وحاتم ذو الفقار، رفضت الرقابة على المصنفات الفنية عرضه بحجة أن أحداثه تهاجم النظام وتتهمه بالفساد والتواطؤ مع رجال الأعمال إلى أن أجاز عرضه محمد عبدالحميد رضوان (وزير الثقافة آنذاك).
نفس وزير الثقافة (محمد عبدالحميد رضوان) كان له موقف مختلف مع فيلم "خمسة باب" (1983) بطولة عادل إمام ونادية الجندى وإخراج نادر جلال. فقد قرر الوزير منع الفيلم من العرض بعد أسبوع واحد من عرضه بدور السينما، لأنه مخل بالآداب رغم أنه حصل على موافقة الرقابة، وهو ما دفع منتج الفيلم إلى اللجوء للقضاء وكسب الدعوى بعد ثمانية أعوام.
هناك أفلام أخرى اعترضت عليها الرقابة ومنعتها أو قصت العديد من المشاهد من الفيلم بسبب أنها مشاهد جريئة تخل بالآداب العامة مثل أفلام "أبى فوق الشجرة" (1969) إخراج حسين كمال، وفيلم "حمام الملاطيلى" (1973) للمخرج صلاح أبوسيف وفيلم "درب الهوى" (1983) للمخرج حسام الدين مصطفى، وفيلم "العقرب" (1990) للمخرج عادل عوض، وفيلم "جنون الحياة" (2000) للمخرج سعيد مرزوق، وهو نفس المخرج الذى تسبب فيلمه "المذنبون" (1976) فى إحالة جميع موظفى الرقابة إلى النيابة بأمر من الرئيس السادات لسماحهم بعرض الفيلم بالرغم من المشاهد الجريئة الموجودة بالفيلم الذى تم رفعه من دور السينما بعد ثلاث أشهر فقط من عرضه.
بالمناسبة فيلم المذنبون بالرغم من هذه المشاهد فقد تم اختياره ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية وكان ترتيبه الرابع والستين.
هكذا كانت الحكاية.. الرقابة تقف متحفزة تراقب ما تقوم الكاميرا بتصويره لصالح الحكومة تارة ولصالح قيم ومعتقدات المجتمع تارة أخرى، والسينما تحاول – قدر استطاعتها – أن تحكى ما لا يُقال.
ولكن المنع لا يلغى الفيلم، بل يمنحه فى بعض الأحيان قوة أكبر ليظل فى ذاكرة السينما إلى الأبد.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الخميس 3 يوليو
03 يوليو 2025 07:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الأربعاء 2 يوليو
02 يوليو 2025 07:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الثلاثاء الأول من يوليو 2025
01 يوليو 2025 06:00 ص
"ايزفينت" جامعة القاهرة تنجح في إنتاج أول جهاز تنفس صناعي مصري يحصل على الترخيص التجاري
29 يونيو 2025 12:51 م
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الأحد 29 يونيو
29 يونيو 2025 07:00 ص
أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 28 يونيو 2025: الجنيه الذهب يفقد 400 جنيه
28 يونيو 2025 02:52 ص
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً