الجمعة، 04 يوليو 2025

11:13 م

أحمد محارم يكتب: السينما في الإسكندرية.. أزمة هوية أم مهرجان؟

الجمعة، 04 يوليو 2025 05:37 م

أحمد محارم

أحمد محارم

في مدينة وُلد فيها الضوء قبل أن تُخلق الشاشات، وفي شوارع مرّ منها يوسف شاهين، وتردد فيها صدى حلم فاتن حمامة وعمر الشريف، انعقدت ندوة “مستقبل السينما في الإسكندرية” داخل قصر ثقافة الأنفوشي، بدعوة من الأستاذ عماد خطاب. لكنها لم تكن ندوة بالمعنى التقليدي، بل كانت محاولة لاستدعاء ذاكرة مدينة تتعرض يومًا بعد يوم لفقدان هويتها الثقافية.

عزلة ثقافية خانقة
الإسكندرية التي علّمت مصر الحلم، تُصارع اليوم النسيان. تلك المدينة التي كانت يومًا قلب المشهد الثقافي المصري، باتت تعاني عزلة ثقافية خانقة، إنها لا تحتضر لأن جمهورها غاب، بل لأن المؤسسات خذلتها، والدعم انكمش، والرؤية غابت.

مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لم يعد بمنأى عن هذه التحديات. أكثر من أربعين عامًا مرّت عليه، ما بين مجد وصراع، وهتاف وخفوت، حتى بات السؤال مطروحًا بإلحاح: هل ما زال لهذا المهرجان مكان في وجدان المدينة؟ أم أنه تحوّل إلى ذكرى سنوية بلا روح ولا تأثير؟

الملفات المسكوت عنها
الندوة التي جمعت ثلاثة من رموز المهرجان، هم الدكتور سمير فرج مدير التصوير ومدير المهرجان الحالي، وأمير أباظة الناقد السينمائي ورئيس جمعية الكتاب والنقاد ورئيس المهرجان، والناقد السينمائي سامي حلمي المدير الأسبق للمهرجان، كانت فرصة لفتح الملفات الصامتة والمسكوت عنها، فلم تكن هناك مجاملات، بل صراحة مُحمّلة بوجع المرحلة، واعتراف بأن استمرار المهرجان لم يعد ممكنًا بالطرق القديمة. التحديات باتت تفوق قدرة فرد أو مجموعة، والنجاح أصبح مرهونًا بتكاتف المؤسسات، والمجتمع المدني، والمثقفين، والدولة، والجمهور.

الحضور الذي ملأ القاعة لم يكن عاديًا. وجوه سكندرية مشغولة بمصير السينما في مدينتها، تؤمن أن السينما ليست ترفًا، بل ضرورة حضارية، جاءوا لا للفرجة، بل للحديث، للمساءلة، وللتذكير بأن مهرجان الإسكندرية ليس رفاهية ثقافية، بل مرآة لهوية المدينة.

مشروع ثقافي جريء
في حديث المنصة، برزت الدورة المقبلة من المهرجان، المنتظرة في أكتوبر، كعلامة فاصلة. تردد الحديث عن مشاركات دولية واعدة، مثل مشاركة محتملة للمخرج المصري الأمريكي بيتر تكلا بفيلمه “٤٠ يوم” الذي يتناول قضية الهجرة غير الشرعية، كما أُشير إلى تجارب ناجحة سابقة مثل تكريم الفنانة العالمية نورا أرماني. لكن رغم هذه الومضات، ظل السؤال الجوهري حاضرًا: هل يكفي مهرجان واحد ليعيد لمدينة عظيمة مثل الإسكندرية مجدها السينمائي؟ أم أن الأمر أعمق من دورة ناجحة أو أسماء لامعة؟

الإجابة لم تكن مطروحة بصوت عالٍ، لكنها كانت واضحة في ملامح الحاضرين. المدينة لا تحتاج إلى مهرجان ناجح فقط، بل إلى مشروع ثقافي جريء وشجاع، متكامل، يبدأ من القاعدة لا القمة، السينما في الإسكندرية تمر بأزمة هوية، لا موسم. والمطلوب ليس مهرجانًا جديدًا، بل رؤية تُعيد تأهيل البنية الثقافية، تدعم المواهب، تُدرّب الشباب، وتربط المدينة مجددًا بخارطة الإنتاج السينمائي العربي والعالمي.

الندوة كانت لحظة مواجهة حقيقية مع الذات، نداءً صادقًا في زمن شحيح بالصدق. وإذا كانت الإسكندرية يومًا ما بطلة على شاشة الوعي، فهي اليوم تُهدَّد بأن تتحوّل إلى مجرد صورة بالأبيض والأسود، صورة نحبها ونتحسّر عليها، ثم ننساها ببطء.

الإجابة على هذا المصير ليست حكرًا على الدولة ولا على مسؤولي الثقافة، بل في صدق إرادة الجميع. هل نريد فعلًا أن تبقى الإسكندرية حاضرة في قلب المشهد السينمائي؟ أم نكتفي بالبكاء على أطلال الصور؟

مدينة مثل الإسكندرية لا تحتمل المجاملات. هي لا تطلب معروفًا، بل تستحق استحقاقًا، إن لم نستفق الآن، فإننا لن نخسر مهرجانًا، بل نخسر مدينة بأكملها.

search