الجمعة، 11 يوليو 2025

02:17 م

اكتشاف أثري بارز في أسوان: مقابر صخرية من العصرين اليوناني والروماني تكشف أسرار مجتمع النخبة والطبقة الوسطى

السبت، 05 يوليو 2025 01:59 م

محمد عماد

كشف اثري جديد

كشف اثري جديد

في كشف أثري جديد يسلط الضوء على عمق وغنى التراث الجنائزي المصري خلال العصرين البطلمي والروماني، أعلنت بعثة أثرية مصرية - إيطالية مشتركة، تضم المجلس الأعلى للآثار وجامعة ميلانو، عن اكتشاف عدد من المقابر الصخرية المنحوتة في سفوح جبال البر الغربي لمحافظة أسوان، وتحديدًا في المنطقة المحيطة بضريح الآغاخان، وهو الموقع المعروف بأهميته التاريخية والأثرية على مدار عقود.

ويأتي هذا الكشف ضمن أعمال الحفائر المستمرة للبعثة منذ عام 2019، بقيادة الدكتورة باتريتسيا بياشنتيني، أستاذة علم المصريات بجامعة ميلانو، بالتعاون مع الأستاذ فهمي الأمين، مدير عام آثار أسوان، وبدعم فني وعلمي من المجلس الأعلى للآثار.

المقبرة رقم 38: تصميم مميز ومحتوى استثنائي

أسفرت أعمال الحفائر لهذا الموسم عن اكتشاف المقبرة رقم 38، التي تُعد واحدة من أبرز المكتشفات من حيث تصميمها المعماري الفريد وحالتها الإنشائية الجيدة. تقع المقبرة على عمق يزيد عن مترين، وتُفضي إليها سلالم حجرية مكونة من تسع درجات، محاطة بمصاطب من الطوب اللبن استخدمت لوضع القرابين، في تقليد جنائزي شائع في تلك الحقبة.

داخل المقبرة، عثر الفريق على تابوت ضخم من الحجر الجيري يبلغ ارتفاعه قرابة مترين، وُضع بعناية فوق منصة صخرية منحوتة في الجبل. التابوت يحمل غطاء على هيئة آدمية، يتميز بملامح وجه منحوتة بعناية، مزدانة بباروكة ونقوش زخرفية دقيقة. وعلى جانبي التابوت، وُجد عامودان من النصوص الهيروغليفية المحفوظة بشكل رائع، تضم أدعية موجهة للآلهة المحلية في أسوان، وتُسجل اسم صاحب المقبرة "كا-مِسيو"، وهو أحد كبار المسؤولين في تلك الفترة، إلى جانب أسماء أفراد من عائلته.

مومياوات لأطفال وتحاليل علمية مرتقبة

ضمن المحتويات الأخرى للمقبرة، عُثر على مجموعة من المومياوات، بعضها يعود لأطفال، مما يفتح الباب أمام دراسة اجتماعية عميقة لفهم البناء العائلي والجنائزي في تلك العصور. وقد أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذه المومياوات ستخضع لفحوصات متقدمة بالأشعة المقطعية والتحاليل البيولوجية خلال موسم الخريف القادم، بما يسهم في رسم صورة دقيقة لهويات المدفونين، وحالاتهم الصحية، وربما أيضًا أسباب وفاتهم.

مقابر النخبة والطبقة الوسطى

الكشف الجديد يُبرز بشكل لافت التباين الاجتماعي في استخدام الجبانة. فبحسب تصريحات محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية، فإن المنطقة الأعلى من الهضبة كانت مخصصة لمقابر ضخمة تحت الأرض تعود للعصر البطلمي، وشُيدت خصيصًا لعائلات النخبة الثرية. وقد أُعيد استخدام بعضها خلال العصر الروماني، مما يشير إلى استمرارية استخدام الجبانة لأجيال متعددة.

أما في السفوح الأدنى، فقد ظهرت مقابر للطبقة المتوسطة، ما يعكس تعدد الطبقات الاجتماعية التي استخدمت هذا الموقع الجنائزي الممتد، وتنوع الطقوس والممارسات الدينية التي رافقت عمليات الدفن.

نقوش ومصاطب: دلائل معمارية وروحية

تميزت المقابر المكتشفة هذا العام بنقوش هيروغليفية غنية بمضامين دينية وطقسية، إلى جانب المصاطب الجنائزية التي تعكس تفاعل الإنسان القديم مع البيئة الجبلية والتضاريس الوعرة لأسوان. كما عثرت البعثة في مواسم سابقة على نماذج فريدة من المقابر المنحوتة في صخور جبال سيدي عثمان القريبة، والتي تؤكد أن المنطقة كانت مركزًا مهمًا للحياة والموت على حد سواء.

تصريحات رسمية: كشف يعيد تشكيل خريطة أسوان الأثرية

من جانبه، وصف وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى، هذا الكشف بـ"الإضافة النوعية التي تُثري الفهم العلمي لتاريخ جنوب مصر خلال العصور المتأخرة"، مشيرًا إلى أهمية التعاون الدولي في دعم البحث الأثري وتوثيق التراث.

وأضاف أن ما تم اكتشافه في محيط ضريح الآغاخان لا يُعد فقط كشفًا أثريًا، بل حجر زاوية جديدًا في مشروع أوسع لإعادة رسم خريطة أسوان الأثرية، وربطها بالسياحة الثقافية.

أهمية استراتيجية للمنطقة

يُعد هذا الكشف دليلاً جديدًا على الأهمية الأثرية المتزايدة لمنطقة ضريح الآغاخان، والتي تُشكّل جزءًا من المشهد الجنائزي والحضاري لأسوان. كما يُشير إلى الحاجة لمزيد من الدراسات المتخصصة في تقاليد الدفن والرمزية الدينية خلال العصرين البطلمي والروماني، وهي فترة لا تزال كثير من تفاصيلها مجهولة نسبيًا رغم وفرة المواقع.

للمزيد من تقارير وملفات و أخبار العالم علي المصري الآن

search