الأربعاء، 23 يوليو 2025

10:17 م

جولة حاسمة من المفاوضات الأميركية-الصينية في ستوكهولم

الأربعاء، 23 يوليو 2025 01:27 م

محمد عماد

الحرب الاقتصادية الأمريكية الصينية

الحرب الاقتصادية الأمريكية الصينية

تتجه أنظار الأسواق العالمية مجددًا إلى العاصمة السويدية ستوكهولم الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن تُعقد الجولة الثالثة من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وسط ترقب واسع لنتائج هذه اللقاءات التي تأتي في ظل هدنة جمركية محدودة تنتهي في الثاني عشر من أغسطس/آب المقبل.

وأكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن وفدًا أميركيًا رفيع المستوى سيلتقي نظراءه الصينيين في العاصمة السويدية، لمناقشة تمديد الهدنة الجمركية الحالية، بالإضافة إلى توسيع نطاق المفاوضات ليشمل ملفات أكثر تعقيدًا تتجاوز مسألة الرسوم، لتدخل في عمق السياسات التجارية والاستراتيجية للطرفين.

 

وكانت واشنطن وبكين قد توصلتا إلى اتفاق مؤقت في مايو الماضي خلال اجتماعهما في جنيف، تم بموجبه تعليق رفع رسوم جمركية متبادلة لمدة 90 يومًا، وهو ما هدّأ التوترات مؤقتًا بين أكبر اقتصادين في العالم، وأعطى مساحة لمزيد من التفاوض.

وبحسب بيسنت، فإن الهدف من لقاء ستوكهولم هو تمديد هذه الهدنة إلى أجل غير مسمى أو على الأقل لفترة أطول، ما يمنح الجانبين فرصة لمناقشة قضايا أكثر استراتيجية، من أبرزها استمرار الصين في شراء النفط من روسيا وإيران، رغم العقوبات الأميركية المفروضة على كلا البلدين.

وقال الوزير الأميركي:

"نحن مهتمون بجودة الاتفاقات التي نتوصل إليها، وليس بسرعة توقيعها"، مشيرًا إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تتردد في إعادة فرض رسوم جمركية مرتفعة إذا لم يتم إحراز تقدم ملموس قبل الأول من أغسطس.

رد صيني: الحوار هو السبيل

من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الصينية أن بكين تسعى إلى تعزيز أجواء التعاون والتفاهم خلال المحادثات، وأوضحت عبر المتحدث الرسمي غوه جياكون أن الصين "تؤمن بالحوار والتشاور كوسيلة لحل النزاعات الاقتصادية والتجارية".

وأضاف جياكون في تصريح نقله مراسل وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب):

"نحن ندعو إلى مفاوضات عادلة تقوم على مبدأ الندية، ونأمل أن تسفر لقاءات ستوكهولم عن نتائج إيجابية تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي".

تحركات ملموسة على الأرض: تخفيف قيود وتبادل تنازلات

المحادثات الأخيرة التي جرت في لندن الشهر الماضي أسفرت عن رفع متبادل لبعض القيود على التصدير، حيث سمحت الولايات المتحدة باستئناف تصدير رقائق إلكترونية متوسطة التطور إلى الصين، بما فيها رقائق H20 التي تنتجها شركة "إنفيديا"، فيما سمحت الصين بتوسيع صادراتها من المغناطيسات الأرضية النادرة، التي تُعد عنصرًا حيويًا في الصناعات التكنولوجية الخضراء، مثل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.

ووفق بيانات حديثة صادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية، ارتفعت صادرات الصين من هذه العناصر النادرة إلى الولايات المتحدة في يونيو الماضي إلى 353 طنًا، بزيادة ضخمة بلغت 660% مقارنة بشهر مايو، وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على تحسّن نسبي في العلاقات التجارية.

 

اللافت في هذه الجولة من المفاوضات هو دخول ملف الطاقة إلى جدول الأعمال، خاصة في ظل تساؤلات أميركية متكررة حول استمرار بكين في شراء النفط من موسكو وطهران، وهو ما يُعد - بحسب واشنطن - تحديًا مباشرًا للعقوبات الغربية المفروضة منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويرى مراقبون أن إقحام ملف الطاقة في المفاوضات التجارية يعكس تحوّل النزاع من خلافات تجارية إلى مواجهة ذات طابع جيوسياسي، تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع اعتبارات الأمن القومي للطرفين.

 

الأسواق العالمية تترقب نتائج لقاء ستوكهولم بحذر، حيث تشير تقارير من بنوك استثمار كبرى إلى أن الفشل في تمديد الهدنة قد يؤدي إلى موجة جديدة من التوترات التجارية، بما يشمل فرض رسوم جمركية على سلع أساسية مثل الرقائق والسيارات ومكونات الطاقة المتجددة.

كما أن شركات التكنولوجيا الأميركية التي تعتمد على توريد المواد الخام والمكونات من الصين قد تواجه اضطرابات في سلاسل التوريد، إذا لم تُترجم التصريحات الودية إلى اتفاقات ملزمة.

 

جولة ستوكهولم المرتقبة ليست مجرد لقاء تفاوضي تقني، بل اختبار حقيقي لنوايا الطرفين في تجنب تصعيد جديد يُهدد تعافي الاقتصاد العالمي المتعثر أصلًا بفعل التضخم والحروب والصدمات الجيوسياسية.

وإذا ما أحرزت الجولة المقبلة تقدمًا حقيقيًا، فقد تمهد الطريق لتوقيع اتفاق تجاري أكثر شمولًا في خريف هذا العام، وربما تؤسس لمرحلة جديدة من "الهدوء التجاري المدروس" بين قوتين اقتصاديتين تقفان على ضفتي صراع معقد، تتشابك فيه الحسابات التجارية والسياسية على حد سواء.

search