السبت، 02 أغسطس 2025

04:57 ص

اليابان تراهن على خلايا البيروفسكايت لتوليد طاقة تعادل 20 مفاعلاً نوويًا

الأربعاء، 23 يوليو 2025 01:33 م

محمد عماد

الطاقة الشمسية

الطاقة الشمسية

تخطط اليابان لإطلاق ثورة صامتة من خلال تبنّي جيل جديد من الخلايا الشمسية المتقدمة المعروفة باسم "بيروفسكايت"، في خطوة يُتوقع أن تُعيد رسم خارطة الطاقة في البلاد، بل وربما على مستوى العالم في وقتٍ تتسابق فيه الدول الصناعية الكبرى نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استقلالًا.

ففي بلد لا يملك مخزونًا كبيرًا من النفط أو الغاز، ولا يملك المساحات الشاسعة التي تتطلبها مزارع الطاقة الشمسية التقليدية، يبدو أن اليابان وجدت ضالتها في خلايا بيروفسكايت فائقة الكفاءة والمرونة، والتي يمكن تركيبها بسهولة على الجدران والنوافذ والمركبات وحتى الطائرات المسيّرة، دون الحاجة إلى أراضٍ مخصصة أو تكاليف باهظة.

من فوكوشيما إلى بيروفسكايت

لم تكن اليابان لتصل إلى هذا المفترق لولا الصدمة العميقة التي تلقتها في مارس 2011، حين تسبب زلزال عنيف وتسونامي مدمر في واحدة من أسوأ الكوارث النووية العالمية بمحطة فوكوشيما دايتشي. ومع انهيار البنية التحتية الكهربائية وتسرب المواد الإشعاعية، أُجبرت عشرات الآلاف من العائلات على ترك منازلهم إلى الأبد، في لحظة شكلت نقطة تحوّل في سياسة الطاقة اليابانية.

منذ ذلك الحين، سلكت الحكومة اليابانية مسارًا مختلفًا قائمًا على تسريع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، التي باتت اليوم تمثل نحو 10% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتَجة في البلاد، وفقًا لموقع Eco Portal المعني بالبيئة والطاقة.

 

رغم التقدم الذي تحقق، اصطدمت اليابان بعائق كبير: نقص الأراضي المتاحة لنشر الألواح الشمسية السيليكونية التقليدية. الحل جاء من خلال الابتكار، وتحديدًا عبر الاستثمار في خلايا "بيروفسكايت"، التي تُعد من أكثر تقنيات الطاقة الشمسية الواعدة في العالم حاليًا.

تتميز هذه الخلايا بقدرتها النظرية على الوصول إلى كفاءة تبلغ 43% – وهي أعلى بكثير من كفاءة خلايا السيليكون التقليدية التي تتراوح بين 18 و29%. كما أن وزنها الخفيف ومرونتها يفتحان المجال أمام استخدامها في تطبيقات لا حصر لها، من نوافذ ناطحات السحاب إلى أسطح المركبات الكهربائية.

ولعلّ أبرز ما يمنح اليابان ميزة تنافسية في هذا المجال هو أنها ثاني أكبر منتج عالمي لليود، وهو العنصر الأساسي في تصنيع خلايا البيروفسكايت. ويمنحها ذلك ميزة استراتيجية في تأمين سلاسل الإمداد دون الاعتماد على الخارج.

 خطة يابانية لتوليد 20 غيغاواط

وفقًا لخطة الطاقة الحكومية اليابانية، تطمح البلاد إلى إنتاج نحو 20 غيغاواط من الكهرباء من خلال خلايا البيروفسكايت بحلول عام 2040 – وهي كمية تعادل ما تنتجه 20 مفاعلًا نوويًا.

رغم هذا الطموح، يعترف الخبراء بأن الطريق ليس مفروشًا بالورود. فلا تزال هناك عقبات تقنية وهندسية تتعلق بعمر الخلايا واستقرارها في الظروف الجوية القاسية. شركات يابانية مثل "سيكيسوي كيميكال" تعمل على تطوير هذه التقنية تجاريًا، لكن التقديرات تُشير إلى أن الإنتاج الضخم لن يبدأ قبل نهاية العقد الجاري، أي بعد عام 2030.

عودة اليابان إلى الريادة العالمية

تاريخيًا، كانت اليابان واحدة من الدول الرائدة في تطوير تقنيات الطاقة الشمسية. ففي عام 2004، كانت تهيمن على أكثر من 50% من السوق العالمي في هذا القطاع. إلا أن هذه الحصة تراجعت تدريجيًا مع صعود الصين، التي تُسيطر اليوم على أكثر من 80% من صناعة الألواح الشمسية العالمية.

التحول إلى خلايا البيروفسكايت قد يمنح اليابان فرصة للعودة إلى الساحة كلاعب محوري في سوق الطاقة المتجددة العالمي، مستفيدة من تفوقها التكنولوجي ومخزونها المحلي من المواد الخام، إضافة إلى الدعم الحكومي القوي.

 

في ظل تزايد التحديات المناخية والضغوط الدولية لخفض الانبعاثات الكربونية، يبدو أن اليابان اختارت طريقًا مختلفًا، قائمًا على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة بدلًا من المراهنة فقط على التوسع الأفقي في البنية التحتية.

فإذا ما نجحت طوكيو في التغلب على التحديات الفنية والاقتصادية المحيطة بخلايا البيروفسكايت، فإنها قد لا تكتفي فقط بتغطية جزء كبير من احتياجاتها الداخلية من الطاقة، بل ستتحول إلى مصدّر رائد للتقنيات النظيفة عالميًا.

search