الخميس، 07 أغسطس 2025

11:44 ص

محمد مطش يكتب: البطالة.. واقع مر يحتاج الى إرادة حقيقية

الخميس، 07 أغسطس 2025 09:23 ص

محمد مطش

محمد مطش

تُعد البطالة من الظواهر الأكثر إلحاحًا وتعقيدًا التي تواجه المجتمع الحديث، ويجب أن لا تختصر في مجرد عدم وجود فرص عمل، بل هي قضية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية، تؤثر على استقرار المجتمعات، وتعيق التنمية المستدامة، وتؤثر على حياة الأفراد والأسر بشكل مباشر. وفي ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، تزداد معدلات البطالة، خاصة بين فئة الشباب، مما يتطلب نهجًا استراتيجيًا شاملًا لمواجهتها والقضاء عليها.
فالتطرق لقضية هامة مثل البطالة يتطلب بداية فهما دقيقا لمفهومها. فهي الحالة التي يكون فيها الشخص قادرًا على العمل ويرغب في العمل، ولكنه يواجه عوائق تمنعه من العثور على وظيفة مناسبة، سواء كانت تلك العوائق ناتجة عن نقص في الفرص، أو من قيود سوق العمل، أو من عوامل اقتصادية أخرى. وتُقاس معدلات البطالة عادةً بنسبة العاطلين عن العمل من إجمالي القوى العاملة، وتُعبر عنها النسب المئوية، وهي مؤشر مهم على وضع الاقتصاد واستقراره.
وتتعدد اشكال البطالة وصورها، فهناك البطالة الاحتكاكية نتيجة للتغيرات في سوق العمل، وتنتج عندما يكون الباحث عن عمل في انتظار وظيفة مناسبة، أو عندما ينتقل من وظيفة إلى أخرى، والبطالة الهيكلية الناتجة عن تغيرات هيكلية في الاقتصاد، مثل تطور التكنولوجيا أو تغير السياسات الاقتصادية، مما يؤدي إلى عدم توافق مهارات العمال مع متطلبات السوق، والبطالة الموسمية وتظهر بشكل موسمي، وتكون مرتبطة بطبيعة بعض القطاعات التي تعتمد على مواسم معينة، مثل الزراعة والسياحة، والبطالة التضخمية التي ترتبط بارتفاع معدلات التضخم، حيث تتراجع القدرة الشرائية للأجور، ويصبح من الصعب على العمال الحفاظ على مستويات معيشتهم، خاصة إذا كانت الأجور لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار.

ولا يقتصر تأثير البطالة على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية، خاصة بين فئة الشباب التي تمثل مستقبل الأمة وعمادها. فارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يُعد من أخطر التحديات التي تواجه الدول، لما يترتب عليه من آثار سلبية متعددة مثل الأثر النفسي والاجتماعي، حيث يعاني الشباب العاطلون عن العمل من ضغوط نفسية هائلة، مثل الإحباط، وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بعدم الأمل، مما قد يدفع البعض إلى الانحراف أو التطرف بحثًا عن مخرج. وتؤدي هذه الحالة إلى تدهور الحالة الصحية والنفسية، وزيادة معدلات الانتحار والتفكك الأسري، ثانياً ارتفاع معدلات الجريمة حيث يُعد ارتفاع البطالة أحد العوامل المؤدية لزيادة معدلات الجريمة، حيث يلجأ البعض إلى الأنشطة غير القانونية، مثل السرقة والاحتيال، كوسيلة للبقاء أو لتحسين مستوى المعيشة، ثالثاً تدهور مستوى المعيشة، حيث يؤدي عدم وجود دخل ثابت إلى تدهور مستوى المعيشة، وزيادة الفقر، وتراجع جودة الحياة، خاصة في الأسر ذات الدخل المحدود، رابعاً تأثير على التنمية الاقتصادية، حيث يُعوق ارتفاع البطالة النمو الاقتصادي، ويقل الاستهلاك وتضمر الطلبات على السلع والخدمات، مما ينعكس سلبًا على الشركات والأعمال، ويؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، واخيراً التأثير على استقرار المجتمع، حيث تتزايد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، مما يهدد استقرار المجتمع ويزيد من حدة التوترات والصراعات بين مختلف فئاته.
وتتعدد التحديات التي يوجهها الشباب الباحث عن فرصة عمل، مثل نقص المهارات والتدريب، فهناك فجوة بين المهارات التي يمتلكها الشباب ومتطلبات سوق العمل، نتيجة لنقص التدريب والتأهيل المهن، أيضا نقص الفرص وضعف السياسات الداعمة، كذلك الاعتماد على الوظائف الحكومية فقط، وايضاً
الظروف الاقتصادية العالمية مثل الركود الاقتصادي، والأزمات المالية، التي تؤثر على الاقتصاد الوطني وتحد من فرص العمل.
لذا عندما يعاني سوق العمل من نقص في الفرص، يتعين على الشباب أن يتحلوا بروح المبادرة والإبداع. فبالإضافة إلى تطوير مهاراتهم، عليهم التفكير في الخيارات البديلة، مثل:ريادة الأعمال والتي تعتمد على تأسيس مشاريع صغيرة أو متوسطة، والتي يمكن أن تكون مصدر دخل مستدام، وتوفر فرص عمل أخرى، أيضا التعلم المستمر مثل اكتساب مهارات جديدة عبر الدورات التدريبية، والتعليم الإلكتروني، خاصة في مجالات التكنولوجيا، والبرمجة، والتسويق الرقمي، كذلك العمل الحر مثل استغلال المنصات الرقمية للعمل عن بعد، والتسويق لمنتجاتهم وخدماتهم عبر الإنترنت، كما ان العمل التطوعي الذى يعتمد على المشاركة في الأنشطة المجتمعية، التي تساعد على تنمية المهارات، وتوسيع الشبكات الاجتماعية، وفتح أبواب العمل المستقبلية قد تساعد الشباب على إيجاد الفرص المهنية المناسبة لهم.
ولمواجهة ظاهرة البطالة، يجب وضع استراتيجيات متكاملة تشمل جميع الأطراف، وتنسيقًا فعالًا بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، لان القضاء على ظاهرة البطالة يتطلب تضافر كافة جهود جميع قطاعات ومؤسسات وهيئات الدولة بما في ذلك الشباب أنفسهم. فالحكومات ملزمة بوضع السياسات الفعالة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وتطوير برامج التعليم والتدريب، بينما يقع على عاتق القطاع الخاص مسؤولية خلق فرص العمل، وتقديم المبادرات التي تعزز من قدرات الشباب، وتوفير بيئة عمل محفزة. وبدورهم، يجب على الشباب أن يكونوا فاعلين، ويبحثوا عن طرق جديدة لتحقيق الذات، ويطوروا مهاراتهم باستمرار، ويكونوا مرنين في توجهاتهم المهنية. فالشباب هم الثروة الحقيقية للأوطان، ونجاحهم هو نجاح للمجتمع ككل.
وختاماً، فإن تضافر الجهود من أجل القضاء على البطالة هو استثمار مستقبلي، ينعكس إيجابًا على استقرار الوطن، ويضمن حياة كريمة لجموع الشباب، ويعزز من قدرات الأمة على مواكبة تحديات العصر، وتحقيق التنمية المستدامة.

search