الأربعاء، 27 أغسطس 2025

06:03 م

البروفيسور غانم كشواني يكتب.. زها حديد والنظام الهندسي العربي

الأربعاء، 27 أغسطس 2025 12:27 م

البروفيسور غانم كشواني

البروفيسور غانم كشواني

البروفيسور غانم كشواني

في العالم العربي، ما زالت معظم النقابات والجمعيات الهندسية تعمل بأنظمة تقليدية صارمة تعتمد بشكل شبه كامل على الشهادة الأكاديمية كشرط أساسي للحصول على العضوية الكاملة ولقب "مهندس" أو "معماري". 

هذا النهج، رغم أنه يضمن وجود حد أدنى من التأهيل الأكاديمي، إلا أنه في الوقت ذاته يُقصي العديد من الكفاءات المبدعة التي لم تسلك المسار التقليدي في التعليم الجامعي، لكنه لا يقلل من قدراتها أو إنجازاتها في الواقع العملي.

في المقابل، تتبنى النقابات المهنية في الدول المتقدمة أنظمة أكثر مرونة وانفتاحًا. 

في المملكة المتحدة مثلًا، لا يتم تقييم العضوية الهندسية والمعمارية بناءً على الشهادات فقط، بل يتم تقييم الكفاءة المهنية والخبرة العملية من خلال مقابلات مهنية شاملة، ودراسة ملفات الإنجازات، وقد يُطلب من المتقدم استكمال بعض الدورات إذا كان بحاجة لذلك. النتيجة أن النظام هناك يركز على الإبداع والمخرجات أكثر من التركيز على المدخلات الورقية.

قصة زها حديد خير مثال على هذا التباين، بدأت زها مشوارها بدراسة الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم انتقلت إلى لندن لدراسة دبلوم العمارة في مدرسة AA School of Architecture المرموقة. 

لم تحمل زها شهادة بكالوريوس هندسة أو عمارة بالمعنى التقليدي، لكن النظام البريطاني منحها الفرصة لإثبات نفسها.

 حصلت على العضوية الكاملة في المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين (RIBA)، وأصبحت واحدة من أبرز المعماريين في العالم.

وفي عام 2004، حققت زها إنجازًا تاريخيًا بحصولها على جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية، لتكون أول امرأة في العالم تنال هذا التكريم الذي يُعرف بـ"نوبل العمارة".

 تلت ذلك جوائز عالمية عديدة وأوسمة رفيعة، بينها حصولها عام 2012 على لقب Dame من الملكة إليزابيث الثانية تقديرًا لإسهاماتها الفريدة في مجال العمارة.

لكن لو بقيت زها حديد في العالم العربي، لكانت مرفوضة من معظم النقابات الهندسية والمعمارية، لأنها لا تحمل بكالوريوس هندسة أو عمارة بالصيغة المطلوبة، بغض النظر عن عبقريتها أو إنجازاتها. 

هذا المثال يوضح الحاجة الماسة إلى تجديد أنظمة العضوية في النقابات العربية، بما يسمح بقبول الكفاءات المميزة، وتقييمهم على أساس الخبرة والإنجازات العملية بدلًا من الاقتصار على الشهادات الأكاديمية فقط.

إن تطوير هذه الأنظمة ليس ترفًا، بل هو ضرورة إذا أردنا للنقابات الهندسية والمعمارية في العالم العربي أن تكون منصات حقيقية لدعم الابتكار وصناعة المستقبل. 

فالابتكار لا يعرف مسارًا واحدًا، والعبقرية لا تُقاس فقط بدرجة أكاديمية.

search