الأحد، 14 سبتمبر 2025

06:14 ص

مواجهة قضائية بين ترامب والاحتياطي الفيدرالي: ليزا كوك تقاضي الرئيس الأمريكي بعد عزمه إقالتها

الجمعة، 29 أغسطس 2025 10:05 ص

محمد عماد

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

دخلت الولايات المتحدة في اختبار قانوني وسياسي بالغ الحساسية بعد أن تقدمت ليزا كوك، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بدعوى قضائية ضد الرئيس دونالد ترامب، متهمة إياه بمحاولة تجاوز صلاحياته الدستورية إثر إعلانه عزمه إقالتها من منصبها. القضية، التي وُصفت بأنها سابقة في التاريخ النقدي الأمريكي، تهدد بإعادة صياغة العلاقة بين البيت الأبيض وأقوى مؤسسة مالية في البلاد.

 

قدمت كوك، اليوم الخميس 28 أغسطس 2025، دعوى أمام المحاكم الفيدرالية، أكدت فيها أن القانون الأمريكي لا يمنح الرئيس سلطة عزل أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلا إذا توفرت أسباب قانونية واضحة، مثل سوء السلوك أو الإهمال الجسيم، بينما يفتقر قرار ترامب – على حد وصفها – لأي أساس قانوني. واعتبرت أن هذه الخطوة تمثل اعتداءً على مبدأ استقلالية البنك المركزي، الذي ظل ركيزة أساسية في النظام المالي الأمريكي لعقود.

من جهته، كان ترامب قد صرّح قبل أيام أنه فقد الثقة في نزاهة كوك، متهمًا إياها بالضلوع في مخالفات مالية تتعلق بقروض رهن عقاري تعود إلى عام 2021، أي قبل عام من تعيينها في مجلس الاحتياطي الفيدرالي من قبل الرئيس السابق جو بايدن.

لكن كوك نفت الاتهامات بشكل قاطع، مؤكدة أن جميع تعاملاتها المالية قانونية وموثقة، وأنها خضعت لتدقيق شامل في مجلس الشيوخ قبل تعيينها، بما في ذلك الإفصاح عن القروض العقارية التي حصلت عليها.

 

يرى خبراء القانون أن القضية قد تصل سريعًا إلى المحكمة العليا الأمريكية، التي ستكون مطالبة بحسم مسألة غير مسبوقة: هل يتمتع الرئيس بسلطة عزل أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي أم أن استقلالية هذه المؤسسة تضعها في موقع مختلف عن الوكالات الفيدرالية الأخرى؟

وسبق للمحكمة العليا أن أصدرت أحكامًا تسمح للرؤساء بعزل مسؤولين في بعض الهيئات المستقلة، لكنها لم تُختبر قط في حالة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ما يجعل هذه المواجهة مرشحة لتشكيل سابقة دستورية قد تعيد رسم حدود السلطة التنفيذية.

 الأسواق المالية

لم تمر التطورات دون انعكاسات اقتصادية مباشرة، إذ هبط الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية فور إعلان ترامب نيته إقالة كوك، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تسييس السياسة النقدية، وتقويض ثقة المستثمرين العالميين باستقلالية البنك المركزي الأمريكي. كما شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية تذبذبًا ملحوظًا، في وقت تتزايد فيه المخاوف من التأثيرات المحتملة على قرارات أسعار الفائدة وسوق السندات.

 

تُعد ليزا كوك شخصية ذات رمزية خاصة في الأوساط الاقتصادية الأمريكية؛ فهي أول امرأة من أصول أفريقية تنضم إلى مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي منذ تأسيسه. عُرفت بخبرتها الأكاديمية في الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية، وحظيت بدعم قوي من إدارة بايدن عند ترشيحها عام 2022.

إقالتها المحتملة تمنح ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير 2025، فرصة لتعيين عضو رابع في مجلس الإدارة المؤلف من سبعة مقاعد، وهو ما قد يعزز نفوذه المباشر على توجهات السياسة النقدية للفيدرالي، في وقت يسعى فيه لخفض أسعار الفائدة لدعم نمو الاقتصاد قبل الانتخابات النصفية المقبلة.

 

 القروض العقارية

تعود جذور الاتهامات ضد كوك إلى قروض عقارية حصلت عليها عام 2021 في ولايتي ميشيغان وجورجيا، وجرى تسجيل اثنين منها كمساكن شخصية، ما أتاح لها أسعار فائدة تفضيلية مقارنة بالقروض الاستثمارية. وانتقد بعض المراقبين هذه الترتيبات، معتبرين أنها قد تشكل تضارب مصالح.

لكن خبراء قانونيين أوضحوا أن هذه القروض كانت مدرجة في الإفصاحات الرسمية منذ عام 2022، وخضعت لتدقيق مجلس الشيوخ دون اعتراض، مما يضعف الحجة القانونية لاستخدامها كذريعة للإقالة.

 

ليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها ترامب في صدام مع مؤسسات مستقلة؛ فقد سبق أن أقال جوين ويلكوكس من المجلس الوطني لعلاقات العمل هذا العام، ووجه اتهامات مشابهة لشخصيات بارزة بينها السيناتور الديمقراطي آدم شيف والمدعية العامة لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس.

أما علاقته مع الاحتياطي الفيدرالي، فقد شابها التوتر منذ ولايته الأولى (2017-2021)، حين انتقد مرارًا رئيس المجلس جيروم باول لرفضه خفض أسعار الفائدة، مهددًا بعزله قبل أن يتراجع لاحقًا.

 

المعركة القضائية الحالية تتجاوز كونها نزاعًا شخصيًا بين ترامب وكوك، لتشكل اختبارًا جوهريًا لاستقلالية السياسة النقدية الأمريكية. فإذا حُسمت القضية لصالح الرئيس، فقد يفتح ذلك الباب أمام تدخل مباشر للبيت الأبيض في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، الأمر الذي قد يقوض مصداقية المؤسسة عالميًا ويؤثر على استقرار الاقتصاد الدولي بأسره.

وفي المقابل، إذا نجحت كوك في تثبيت موقعها قضائيًا، فسوف يُنظر إلى ذلك على أنه انتصار لاستقلالية البنك المركزي وترسيخ لمبدأ الفصل بين السياسة النقدية والسلطة التنفيذية، ما قد يعزز ثقة الأسواق في متانة النظام المؤسسي الأمريكي.

search