الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025

10:57 م

الترجمة ليست ظل النص بل ولادته الثانية

أمل الروبي: “ليلى والحب المستحيل”.. رواية تتحدى الزمن وتكتب هوية الإنسان بلغتين

السبت، 30 أغسطس 2025 04:28 م

حوار: أحمد فاضل

أمل الروبي ورواية ليلي والحب المستحيل

أمل الروبي ورواية ليلي والحب المستحيل

“ليلى والحب المستحيل” ليست مجرد رواية، بل قنديل يبدّد عتمة الفقد، واعتراف طويل، خطّته المبدعة أمل الروبي بالدمع والحبر معًا، التقطت فيه أنفاس أب راحل، وأطلقت صرخة قلبٍ يتشبّث بالحب حتى في أوج المستحيل.

في ليلى، يتعانق الشرق والغرب على صفحة واحدة، يذوب المنفى في الحنين، ويغدو العشق صلاةً تُقال بلغتين لكن بروح واحدة. تعتبر الروبي أن “ليلى والحب المستحيل” الأقرب لقلبها بل ومرآة لروحها، وأنها بعثت حياتها بلغتين، وزيّنتها بأربعين لوحة بريشتها، لتغدو رواية تنبض بالكلمة واللون والدمع معًا.

الحب المستحيل يولد من جديد ويُخلَّد في الأدب إلى الأبد

تشير في حديثنا معها إلى أن هذه الرواية، لم تولد لتظل أسيرة رفوف أو سجينة لغة واحدة، بل لتكون جسراً نابضًا بين قلوب البشر جميعًا، أيًّا كانت أوطانهم، ولتُثبت أن الأدب العظيم لا يُترجم فحسب، بل يُعاد خلقه في كل لغة، ليظل حيًّا في الذاكرة والوجدان مهما تغيّرت الأوطان والوجوه، ويشرق في كل قلبٍ يلامسه كما يشرق الفجر بعد ليل طويل، وهناك، في تلك المسافة المرهفة بين الفقد والخلود، كتبت أمل الروبي اسمها، شاهدةً على أن الحب المستحيل يمكن أن يولد من جديد، ويُخلَّد في الأدب إلى الأبد.

ترى الروبي أن من يقرأ ليلى والحب المستحيل، يدرك أنها ليست مجرد عمل أدبي، بل شهادة وجودية ومرآة صافية، تعكس ألم الفقد، وقوة الحب، وتناقضات الهوية بين الشرق والغرب. وتعتبر روايتها نصًّا كُتب ليعبر القارات واللغات، ويبرهن أن الأدب حين يولد من الصدق، يظل قادرًا على اختراق الوجدان، ليبقى نارًا متقدة لا تنطفئ، وصوتًا إنسانيًا خالدًا.


وإليكم نص الحوار:

  • حدثينا عن ليلى والحب المستحيل وكيف وُلدت هذه الرواية؟
    ليلى والحب المستحيل هي باكورة أعمالي الروائية، كتبتها بعد رحيل والدي ببضعة أشهر كرسالة إلى روحه، وهي حصيلة أكثر من عشر سنوات من التجارب بين ثلاث دول مختلفة، ومعظم أحداثها مستوحاة من الواقع، لهذا تركت أثراً عميقاً في نفوس القراء، خاصة في مصر والعالم العربي.
  • ومتى أدركتِ أن الرواية مشروع أدبي عابر للحدود؟
    أدركت ذلك حين رحل والدي بعد أن أخفى عني مرضه، فوجدتني أكتب رسالة وداع واعتذار مؤجلة، وقتها شعرت أن النص ليس شخصياً فقط، بل أكبر من حدود لغتي، وأنه قادر على العبور إلى قلوب قراء من ثقافات أخرى.
  • وعندما عدتِ للنص العربي لتترجميه بنفسكِ، هل أعدتِ كتابته؟
    ترجمت ما يقارب 90% من النص كما هو حفاظًا على نكهته، لكنني أضفت بعض اللمسات التي تناسب القارئ الغربي، دون المساس بالخط العام للرواية أو أحداثها.
  • كم استغرقت رحلة الترجمة؟
    استغرقت نحو ثلاث سنوات (2022 ـ 2025). راجعت النصوص مرارًا، أعدت التنسيق ليلائم الذائقة الغربية، دمجت الجزأين في كتاب واحد يقارب 600 صفحة، وأدرجت أكثر من 40 لوحة بريشتي، إضافة إلى قصائد ترجمتها لتظل محافظة على طابعها الشعري.
  • هل أعدتِ النظر في بعض الفصول أثناء الترجمة؟
    لم أحتج لذلك، فقد منحتني ليلى العربية وقت كتابتها أقصى درجات الاهتمام، كتبتها خلال عام ونصف (أثناء فترة كورونا)، وأعدت مراجعتها أكثر من عشر مرات حتى استقرت.
  • هل استعنتِ بمراجعين أو محررين؟
    جربت الاستعانة بمراجع في بعض الصفحات، لكنني لم أجد الدقة المطلوبة، فآثرت أن أراجعها بنفسي بمساعدة برامج التدقيق اللغوي، أما اليوم، فيراجعها ابني نبيل سامر حُزَيْن، وهو كاتب ناشئ في الخامسة عشرة، تربى في أمريكا، وأعتز برؤيته النقدية.
  • هل خانتك اللغة أحيانًا أثناء الترجمة؟
    أبدًا، العربية لا ينافسها شيء في الانسياب والإبداع، لكنني حرصت على أن أنقل روح النص لا حروفه، بترجمة حسية وأدبية لا جامدة.
  • كيف تعاملتِ مع المفردات المغموسة في الثقافة العربية؟
    اخترت الإغراق في المحلية بدل التبسيط المفتعل، لأن القارئ الغربي ينجذب عادة لاكتشاف ثقافة الآخر أكثر من البحث عن المألوف.
  • هل كنتِ تخشين سوء الفهم؟
    نعم، في بعض المواضع، لذلك أضفت رموزًا وتفاصيل توضيحية غير مباشرة، وهذا لا أراه عيباً في الترجمة، بل وسيلة لزيادة الوضوح والانسياب.
  • كيف تلقى القراء الرواية؟
    النسخة العربية تركت أثرًا وجدانيًا عميقًا، بكى معها القراء وضحكوا وتأملوا وتماهوا مع أبطالها. أما النسخة الإنجليزية فما زالت وليدة، لم يمض على صدورها سوى شهر، وأنا أترقب بحماس أصداءها لدى القارئ الغربي.

الأدب الصادق قادر على عبور كل حدود

  • ماذا تعلمتِ من هذه التجربة؟
    تعلمت أن الترجمة ليست علمًا فقط، بل فن ومسؤولية ومتعة، كما كان يؤكد لي والدي رحمه الله، فقد منحتني هذه التجربة يقينًا راسخًا بأن الأدب الصادق قادر على عبور كل حدود، وأن الكلمة حين تُكتب بصدق، تُعاد ولادتها في كل لغة وكأنها لم تُكتب من قبل.

وأدركت ذلك بعمق يوم رحل والدي الدكتور عوض فهمي الروبي، الذي كان في شبابه داعيةً إسلاميًا مفوَّهًا، ثم صار في كهولته مستشارًا قانونيًا ومترجمًا دوليًا وعضوًا في رابطة المترجمين الدوليين، هذا إلى جانب موهبته الفطرية في الرسم التي أورثني شغفها منذ طفولتي. كان والدي مدرسة كاملة بذاته: قوة في الحجة، وعمق في الفكر، ورهافة في الفن.

اختار أن يواجه أوجاعه بصمتٍ نادر النبل، ليصون قلبي من ثقل المرض ووطأة القلق، فأخفى عني تفاصيل صراعه مع المرض وعمليته الكبرى، لا عجزًا ولا ضعفًا، بل حبًا ورغبةً في أن يترك لي صورة الأب المطمئن الواثق، حتى وهو في أشد لحظاته ألمًا، ظلّ حتى آخر أيامه يردّد أنه بخير، وأن كل شيء على ما يرام، كأنه أراد أن يعلّمني درسًا في الصبر والثبات.

وحين رحل، وجدتني أكتب إليه رسالة وداع واعتذار مؤجلة، وأسكب في ليلى ما لم أستطع أن أبوح به لروحه الطاهرة في حياته، بل وأسقي حبرها بدمع تلك اللحظات، ومن هنا أدركت أن الكتابة ليست مجرد فعل أدبي، بل هي عزاء ممتد، ووسيلة إنقاذ للروح، وأن الترجمة حين تُنجز بالصدق تصبح ولادة ثانية للنص، تمنحه حياة جديدة بلغة أخرى دون أن تُفقده جوهره.

  • هل تنوين تكرار تجربة الترجمة لأعمال أخرى؟
    لم أقرر بعد، سأترك لـ”ليلى” بالإنجليزية أن تجيبني من خلال صداها لدى القراء.

أنقل صورة الحب العذري الروحاني في ثقافتنا العربية

  • ما الرسالة التي أردتِ أن توصليها للقارئ الغربي؟
    أردت أن أقدّم له الشرق الأوسط بوجهه الحقيقي: جماله وعيوبه وتناقضاته، بعيدًا عن التنميط والتشويه، وأيضًا أن أنقل صورة الحب العذري الروحاني في ثقافتنا العربية، وصورة الإسلام الوسطي المعتدل في مقابل ما يصدره المتشددون أو الكارهون.
  • ماذا تقولين لمن يظن أن الترجمة فعل ثانوي؟
    الترجمة تحتاج قلبًا شجاعًا وضميرًا لغويًا لا يرضى بأنصاف المعاني. ليست مجرد معادلة حسابية، بل إعادة خلق للنص، وفعل جمالي وروحي في آن واحد.
  • أخيرًا، ماذا تمثل لك هذه الرواية؟
    “ليلى والحب المستحيل” هي نبض قلبي ومرآة روحي، كتبتها على مدى جزأين، وبعثت حياتها بلغتين، وزيّنتها بأربعين لوحة بريشتي، لتغدو رواية تنبض بالكلمة واللون والدمع معًا.
search