هشام المغربي يكتب: اليابان
الإثنين، 29 سبتمبر 2025 12:26 م

هشام المغربي
فكرت قبل أن أسطر هذا المقال في عنوان له ولم أجد أفضل من الاسم مجرداً “اليابان” وكفى، فهذه الدولة متفردة في كل شيء، ويكفي أن تذكر اليابان لتعرف قدر هذه الدولة التي لا تماثلها دولة في العالم، وعندما ذكر الأستاذ أحمد الشقيري تعبيره الشهير كوكب اليابان فّذلك لتفرد هذا الشعب عن بقية شعوب كوكب الأرض.
قبل أن أخوض في بعض تفاصيل التجربة اليابانية، أنوه لبعض النقاط التي تفسر للقارىء سر الاحتفاء بهذه التجربة الفريدة.
أولاً تحتل الجبال في اليابان أربعة أخماس مساحتها وتوجد بها براكين نشطة وخامدة تثور بين الحين والآخر على غير هدى.
ثانياً هي واحدة من الدول التي ليس لديها أي مواد خام أو موارد طبيعية سواء بترولية أو تعدينية على الإطلاق.
ثالثاً هي مركز دائم للزلازل والتي سرعان ما يأتي بعدها كتوابع (التسونامي) الذي يطيح بكل شىء على اليابسة.
(ورغم كل تلك التحديات الجسام أصبحت اليابان ثالث قوة تجارية في العالم.)
رابعاً من الناحية العقائدية، فهم أيضاً مختلفون حيث يمكن للشخص الواحد أن يعتنق أكثر من ديانة في ذات الوقت، والدليل طبيعة التوزيع الديني في اليابان، فنجد أن 70.5% يعتنقون ديانة (الشنتو) وهي الديانة الأصلية لليابانيين, ديانة روحية متعددة الآلهة تدور حول الروح الأسمى التي يسمونها (كامي) ويعتقدون أن الكامي تسكن كافة الأشياء بما فيها مظاهر الطبيعة، ويمارسون طقوس عبادة تلك الديانة (الشنتو) في معابد عامة أو معابد عائلية.
ويعتنق 67.2% منهم البوذية, و1.5% يعتنق المسيحية و 5.6% يعتنقون ديانات مختلفة.
ومن هذه النسب نجد أن الفرد الواحد من الممكن أن يعتنق ديانتين معاً ( بوذي/ شنتو مثلاً ) ولا غرابة لديهم في ذلك ويمارسون هذه العقائد دون أي تعصب يذكر لدين على حساب آخر.
خاضت اليابان حروبا كثيرة جداً على مدى تاريخها سواء القديم أو الحديث مع الصين ومع روسيا وأمريكا ومع كوريا، واحتلت هونج كونج وسنغافورة والفلبين لتحقيق حلم الإمبراطورية الكبرى!
وكان آخر هذه الحروب ما حدث بعد هجوم اليابان على السفن الأمريكية في ميناء بيرل هاربر، كرد فعل للمقاطعة التي فرضتها عليها أمريكا بحرمانها من البترول الأمريكي الذي كانت تعتمد عليه اليابان بنسبة كبيرة، ولهذا كان رد الفعل الأمريكي الذي ربما هو الأعنف في التاريخ بهجوم همجي بالقنابل النووية على هيروشيما ثم على ناجازاكي وُقتل وشُرد وشُوه عشرات الآلاف من سكان المدينتين !
كانت تلك الحادثة المروعة نقطة تحول في تاريخ اليابان.
بدأ الحاكم العسكري بعد الحرب العالمية الثانية الجنرال الأمريكي دوجلاس ماك آرثر طوال فترة الاحتلال من 1945 حتى 1952 خطة إعادة البناء والتغيير في اليابان بعد هزيمتها في الحرب، ,حيث قاد آرثر إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة حتى توقيع معاهدة سان فراسيسكو عام 1952 وعادت اليابان دولة مستقلة منذ هذا التاريخ.
كان التأكيد على أن الإمبراطور هيروهيتو ليس مسؤولاً عن الحرب، فلم يكن هو القائد العسكري الفعلي وظل هيروهيتو رمزاً للدولة.
فمن هنا بدأت بداية جديدة وانكفأت على نفسها تبني وتصلح دون كلل أو ملل ودون النظر لغيرها. اعتمدت على الإنسان الياباني الفذ في لملمة الأشلاء، وبما أنها تفتقد الموارد فكان أهم مورد لها هو هذا العقل الياباني، الذي استثمرت فيه بسخاء فقامت خطتها على عدة محاور كما يلي:
*بناء العقل الياباني والاستثمار فيه وتدريبه لأعلى درجة ممكنة.
*التعليم المستمر فلا نهاية للتعلم ولا يحد منه سن أو منصب.
*نظام تعليمي صارم ومحدد بلا أدنى محاباة لمنصب أوعقيدة أينما وجدت .
* الإيمان بالعمل الجماعي كمفتاح للنجاح، وأرست مبدأ المشاورات الجماعية فلا يتخذ القرار شخص واحد مهما كان منصبه وسميت هذه السياسة ب (الرينجي ).
*الاهتمام بالتصنيع والتكنولوجيا ( روبوتات - سيارات - إليكترونيات).
*أرست مبدأ هام جداً وهو التحسين المستمر المسمى ( كايزن ) وطبقت الكايزن في كافة المجالات، المدارس المصانع الإدارات الحكومية الشركات التجارية وغيرها. هذا المبدأ أو هذه الفلسفة تقوم على التحسين المستمر من الإدارة العليا إلى أصغر عامل بشكل يومي ولو صغير، لأنه سيؤدي في النهاية لنتائج كبيرة وهو ما حدث ولازال يحدث.
* أرست مبدأ المسؤولية الجماعية عن الأخطاء عند حدوثها فتعتبر مسؤولية الفريق كله وليس فرداً واحداً.
*حتى وقت قريب كان الكثير من الشركات اليابانية توظف الفرد مدى الحياة مادام قادراً على العمل فلا عمر للتقاعد مما يعزز العطاء والولاء والانضباط .
خلال زلزال 2011 وما تبعه من تسونامي أظهرت اليابان خصال متفردة في الشخصية اليابانية، فلم تحدث حالة نهب أو فوضى واحدة في المحال العامة والمتاجر واصطف الناس للحصول على الإمدادات بمنتهى الهدوء والإيثار.
احتلت اليابان مكانة اقتصادية مذهلة لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي بعد أمريكا والصين.
بلغ الناتج المحلي الياباني إلى 4.4 تريليون دولار، مع الحفاظ على متوسط دخل الفرد في حدود 35000 دولار.
بلغت الصادرات لما يقرب من 750 مليار دولار.
وهناك تحديات جديدة تواجه اليابان أهمها ارتفاع نسبة كبار السن وقلة العمالة الشابة لانخفاض عدد السكان سنوياً.
الاعتماد على الطاقة المستوردة بعد حادثة المفاعل فوكوشيما، وتبلغ إجمالي واردتها لرقم أكبر من الصادرات بما يقرب من 100 مليار دولار .
ربما بعض الأرقام ليست أفضل ما يمكن، على سبيل المثال يبلغ الدين العام 250% من الناتج المحلي، وهو من أعلى الأرقام العالمية إلا أن هذا الشعب قادر على قلب الموازين في أي وقت فقدراته وعطاءه مذهل بكل المقاييس.
رغم التقدم الاقتصادي الياباني الكبير، إلا أن الشعب الياباني أكثر شعوب الأرض تواضعاً وصدق الحديث الشريف القائل من تواضع لله رفعه، ربما لم يؤمن الشعب الياباني بالأديان السماوية بأعداد كبيرة ولكنهم دون إدراك منهم قد طبقوا كافة القيم والمفاهيم والتعاليم التي أرستها أديان السماء، فهم أفضل من دول كثيرة تؤمن بديانات السماء وتحفظها عن ظهر قلب دون أن تطبق منها شيئاً في الحياة، وأصبحوا في ذيل قائمة دول العالم يرتعون في الجهل والتخلف عن ركب الحضارة، وتعاني شعوبهم مرارة الفقر والعوز جريرة تخلف وجهل ونهم القائمين على شؤونهم.
الرابط المختصر
آخبار تهمك
أسعار العملات الأجنبية والعربية اليوم الاثنين 29-9-2025
29 سبتمبر 2025 10:33 ص
سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الاثنين 29 سبتمبر 2025
29 سبتمبر 2025 10:32 ص
استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الاثنين 29 سبتمبر 2025
29 سبتمبر 2025 10:28 ص
استقرار سعر الدرهم الإماراتي أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الاثنين 29 سبتمبر 2025
29 سبتمبر 2025 10:25 ص
استقرار الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الاثنين 29 سبتمبر 2025
29 سبتمبر 2025 10:22 ص
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً