الخميس، 09 أكتوبر 2025

11:34 م

باسم عوض الله يكتب: إن كنت حقًّا صديقي تواصل معي!

الخميس، 09 أكتوبر 2025 02:48 م

باسم عوض الله

باسم عوض الله

الصداقة كلمة دارجة ووصف متعارف عليه بمعايير عِدَّة، وربما نتداوله ببساطة، لكنه ليس بسيطا نهائيًّا! فالبداية تأتي من مدلوله اللفظي، حيث أول ما يتصدر الوصف هو الصدق، لكن الصدق هنا هل يا ترى عن صدق الحديث المتبادل بين طرفين؟ أم عن صدق الوعود؟ أم عن صدق العهود؟ أم عن صدق المشاعر؟ أم عن... إلخ من أبعاد العلاقة؟ كلها بلا استثناء صحيحة، لكن هل نتوقف هنا؟ بالطبع لا، لأني أرى أن أهم ما يصدق به كلا الطرفين هو صدق الوصال. 

إن الصداقة من وجهة نظري وعن تجربة شخصية على مر السنين تكمن في الوصال، لأنها مهما تعرضت لعوامل الحياة المتغيرة مثل تقلبات الفصول الأربعة، يبقى الوصال هو النهر الجاري الذي يغذي تلك الصداقة فيبقيها حيَّة ترزق، ثم يأخذ عند جانبي ضفافه أيَّ شوائب عكرت صفوها ويلقي بها بعيدًا. 

وجدير بنا أن نوضح مفهوم وواقع الصداقة الحقيقية، بحيث لا تحدث وتصبح موثَّقة وموثوقًا بها بعدد سنين التعارف، سواء منذ الطفولة أو الجامعة أو بحتمية القرابة أو الدراسة أو الجيرة أو أي وضع من الأوضاع؛ لأن الصداقة علاقة بين طرفين أو أكثر، تبدأ بإحساس من الألفة وتوافق العوامل المشتركة بينهما أو بينهم، لتصل إلى يقين بأن حياة كلاهما أو كلهم لا يمكن أن تخلو من وجود شخص ما بمشاهد الأيام المتجددة والمتغيرة، فإن ابتسمت الروح تبتسم بوجودهم، وإن حزنت الروح تطيب باحتضانهم ومواساتهم وإن كانت ابتسامة صامتة. 

فالصداقة صورة لا تكتمل إلا بأعضائها الحقيقيين ومدى تفاعلهم وتعايشهم بحياة بعضهم البعض، فاسمحوا لي يا أعزائي هناك الكثير ممن يحاولون التعايش مع واقع تلك الأيام، فيقنعون أنفسهم بأن أصدقاء العمر سيظلون أصدقاء العمر وإن طالت الفترات المنعدمة التواصل، لأن نصيبهم بالقلوب راسخ. في الحقيقة ذلك المبدأ يحزنني كثيرًا ولا أقتنع به تمامًا؛ لأن وإن كان نصيبهم بالقلب راسخ، وما فائدة الرصيد إن لم يتم التعامل به؟ وما فائدة الأساسات المتينة إن لم يتم البناء عليها؟ وما فائدة الصحة بمياه راكدة؟... إلخ من كافة الأسئلة صاحبة نفس الإجابة، وهي أن الوصال حياة.

فانعدام التواصل لفترات طويلة دون أسباب قهرية مثل المرض السُّقام أو الوفاة لا يقبله منطق ولا تستطيع أن تحمله الأعذار، فكيف لنا أن نقتنع أن الصداقة وكأنها عقد إيجار، ربما لا يرى من خلالها المؤجر والمستأجر بعضهما البعض أبدًا أو ربما مرات معدودة خلال سنوات، فقيمة الإيجار ترسل إلكترونيًّا الآنّ. وهذا لا يعني أن الصداقة تقتصر على تبادل الأحاديث والمواقف، فأحيانًا تكون وطيدة وإن جلس الصديقان سويًّا دون أن يتفوه أحدهما بكلمة واحدة، لأن وجودهما بجانب بعضهما البعض يساوي كل الكلام. 

بخلاف هذا، فخلال سنوات الحياة فوجئت من أحوال المجتمع المتبدلة أن هناك شبه علاقة اجتماعية تسمى بأصحاب المقهى، نعم كذلك تسمى لأنها تقتصر على اللقاء من أجل أن نقوم بتسلية بعضنا البعض فقط، ولا ينتظر أي طرف من الآخر أكثر من ذلك. لكن الملفت في تلك التجمعات أن بمعظم الأحيان سنجد أن هناك محورًا إستراتيجيًّا يطوفون حوله بصحبة المقهى، هو شخص يشبه بطاقة "الچوكر" بلعبة الورق "الكوتشينة" أو "كرتونشيني" كما تنطق حسب أصل الكلمة الإيطالية "Cartoncini"، تجده يُكمِل أي مجموعة وأي لون وأي وضع. فَمَعَ من يبغون الضحك تجده ضاحكًا خفيف الظل، ومع المهمومين تجده محتضنًا لهم مطبِّبًا لجراحهم، ومع المتميزين تجده مشجعًا ومع المُخفقين تجده منقذًا. لكن للأسف فالمحيطين به نادرًا ما تجد منهم مَن يُكِنُّ له المعنى الحقيقي للصداقة وليست مجرد منفعة مجردة أو ملء فراغ أو لقاء عابر، فإن غاب الچوكر تجد اللعبة مكملة دونه وكأنه لم يكن.

لذلك من منَّا يرى في شخص ما أنه بالفعل يستحق أن يلقب بصديق تواصل معه فورًا ولا تهمله، وإيَّانا أن يصبح منَّا أحدًا چوكرًا..! 

يا من رأيتك صديقي 

يا من اعتبرتك شقيقي

إن كان صدقك حقيقي

فلتكن فعلًا رفيقي

اسأل عني 

بحالك شاركني 

عنك طمئني

وإياك للمجهول أن تتركني

يا عزيزي السلام أحوال 

وليس كل حال مثل الحال

فالأصالة أفعال 

وليست مجرد أقوال 

وإنْ الغياب طال

تبقى الصداقة وصال..!

الرابط المختصر

search