هشام المغربي يكتب: صندوق أنيس الأسود
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025 09:29 ص
هشام المغربي
هذا المقال هو الجزء الثاني عن كتاب (آخر 200 يوم مع أنيس منصور) للدكتور مجدي العفيفي صديق أنيس وحافظة أسراره والمؤتمن على مذكراته.
الكتاب ملىء بالأخبار والأسرار، فضلاً عن كونه كتاباً أدبياً, فلسفياً، تاريخياً، اجتماعياً، عاطفياً وغير ذلك، أما ما يقدمه للقارىء العربي فهو جرعة تشويقية ثقافية مكثفة للغاية تأخذك في رحلة عبر الأزمان ثم تقذف بك إلى الحاضر بغتةً وقبل أن تفيق يعود بك إلى التاريخ مجدداً، وهكذا تغوص بين دفتيه فلا تعرف متى سوف يرتد إليك طرفك.
كتب عن عبد الناصر فقال: كنت اختلف معه كثيراً ومن أصعب لحظات الألم التي مررت بها في حياتي الهادئة الخالية من المطبات، كانت حين فصلت من عملي الصحفي لمدة عامين بقرار من الرئيس عبد الناصر نظراً لما كتبته عن مسرحية توفيق الحكيم (السلطان الحائر) التي صدرت بعد تأميم الصحافة في عقد الستينيات وتحكي عن أن الفقيه "العز بن عبد السلام " قاضي قضاة مصر وجد نصاً في الفقه يقول بعدم جواز أن يحكم العبيد الأحرار، ويقصد المماليك، ولذلك يجب أن يباعوا ويتم تحريرهم حتى يستطيعوا الحكم، حينها كتبت أن الشيخ العز بن عبد السلام خرج غاضباً ووقف بحمار على حدود مصر (الشيخ نيابة عن الفقهاء والحمار نيابة عن الشعب المصري) ومنعت من العمل الصحفي بعضاً من الوقت!
عن السادات قال: السادات كان سياسياً وعسكرياً من الدرجة الأولى، لكنه لم يعط الفرصة ليكمل نجاحه بعد نصر أكتوبر 1973 ولم تكتمل فرحته ليتسلم طابا فقد كان يعتزم أن يعتزل الحكم والسياسة ويقضي بقية عمره بعيداً عنهما ويعيش مواطناً مصرياً عادياً، لقد كنت حريصاً جداً في كلامي مع الرئيس السادات حتى لا أتسبب في إيذاء أحد وطوال فترة علاقتي به لم أطعن في أحد عنده كنت أمثل لدى الرئيس في ذلك الوقت إحدى القنوات غير الرسمية، وأذكر جملة للمؤرخ البريطاني دراكتون إذ يقول "كل قوة مفسدة وكل قوة مطلقة مفسدة مطلقة".
كل سلطة تحتاج فكراً، وكل حاكم يحتاج مفكراً مثلاً الإسكندر الأكبر وأرسطو, موسيليني ودانندسيو، هتلر وروزبيج, والرئيس التشيكي فاتسلاف هافيل كان كاتباً مسرحياً وهو مهندس الثورة المخملية التي أسقطت الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا في نوفمبر 1989 وغيرهم، هؤلاء أشخاص يحترمون أنفسهم ويعرفون حدودهم، فاختاروا مفكرين أصحاب رأي ورؤية للاستشارة والاستفادة، ولكن هناك حداً فارقاً في العلاقة يتمثل فيما إذا كان التصريح أو الرأي للرئيس أم للمفكر.
لقد كلفت من قبل الرئيس السادات أن أتولى وزارة الثقافة عام 1976 لكنني اعتذرت عن عدم قبول منصب الوزير، لأنني أدرك جيداً أن عالم السياسة شيء خطير، فكلمة واحدة تستطيع أن تطيح بوزارة بأكملها، أما الكاتب فهو أطول عمراً من السياسي، أنا مفكر سياسي، مشغول بالفكر السياسي ومنشغل أحيانا بالقضايا السياسية، فأقدم الرؤية السياسية عندما ينشغل الناس بقضية من هذا النوع وتحتاج توضيحاً، أرى أني لابد أن أكتب وأوضح وأضيف. علاقتي بالرئيس السادات تشبه علاقتنا بالهاتف، فنحن حين نقربه من أفواهنا لا يعني أننا نحبه، ولكن رغبة منا في أن يصبح صوتنا أوضح، هكذا كان يفعل معي السادات الذي كنت أساهم دائماً في وصول صوته لدى الشعب، ولذلك فلم أكن أرغب في تخطي حدودي ولم أنس يوماً أنه الرئيس رغم اقترابي منه.
أما عن مبارك فقال (ابتعدت عنه في الخمسة عشر عاماً الأخيرة فليس لديه شيء يستحق القول وليس لديّ ماأقوله له أو عنه).
ثم أخرج رسالة بخط يده ضمن مئات الأوراق والصفحات والمذكرات التي لم تنشر بعد وبطلها هو د. أسامة الباز الذي يصفه بالرجل الذي يعرف كثيراً جداً.
جاء في الورقة "ذهبت إلى الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس في مستشفاه وكنت ثقيل القلب، مهموماً، مغموماًـ أنا الذي أتولى تعذيب نفسي، وعندي فائض لتعذيب الآخرين واقتربت منه وقلت: أليس في إمكانك أن تكتب مذكراتك؟ أنت الرجل الذي يعرف الكثير جداً ًوأنا مثلك مع الرئيس السادات لقد رأينا وسمعنا وقلنا وقيل لنا وذهبنا برسائل مهمة وعدنا برسائل أكثر خطورة، ولابد من تسجيل كل ذلك وأنت في كل مرة تقول إن شاء الله ويبدو أن الله لم يشأ!
وهرب... لماذا؟ كيف؟ متى؟ ولم يكتب شيئاً! في المستشفى كل أنواع الأمراض اختفت إلا مرضاً واحداً هو اللامبالاة والقرف الذي يلازم د. أسامة الباز وملايين آخرين!
كان مبارك يحب أن يتحدث إلى أعضاء البرلمان أو الصحافيين فيقول لهذا أنت عندك كرش ..أو يقول له جيوبك تورمت!
مبارك هو الذي حكى لنا عن مؤامرة اغتياله في إثيوبيا قال:
طلبت ابني علاء أن يرافقني ولكنه رفض وقال سوف أبقى هنا وأرجو أن تبلغني بوصولك وعودتك .. وقال ولما طلبت علاء بالتليفون قال لي: حمداًلله على السلامة يا بابا وقال له مبارك: أنا عائد فقد حدثت محاولة لاغتيالي... كلم ماما في ألمانيا وقول لها قبل أن تراها وتسمعها من وكالات الأنباء العالمية!
وهذه المكالمة أذاعها راديو إسرائيل كاملة! وهو طلب من علاء ولم يطلب من جمال لأن علاء ابن مبارك وجمال ابن سوزان، ومن أجل أن يرث والده كانت سوزان على استعداد أن تهدم الدنيا من أجل أن يكون رئيساً !
سوزان معجبة بالسيدة باربرا بوش كان زوجها رئيساً وابنها رئيساً لأمريكا..
وقد حاولنا أن نستخرج تصريحاً من مبارك يقول فيه: إنه سوف يورث ابنه وكان يقول: الكفن ليس له جيوب!
إذا كان هذا رأيك ياريس فلماذا المليارات التي تملأ الجيوب.. ياليتك ورثت هذه المليارات، وإنما كانت من قوت الشعب ياريس ! وقد قال لي الرئيس مبارك: أنا عندي مليارات وعندما تتورط الحكومة أفرج عن شوية فلوس! ولا أعرف إن كان حدث ذلك كثيراً ... كانت صدمة كبيرة ياريس.
أما عن هيكل فكتب يقول: هيكل صنع شخصية عبد الناصر، فهو عاشق له، و هذا العشق جعله واحداً من أبطال مسرحيته... فشخصية عبد الناصر هي مسرحية من تأليف هيكل واختراعه وإبداعه وأحاديثه في الجزيرة لا دليل عليها "هو اللي بيقول" لديه مادة تاريخية يوجهها ويفسرها بطريقته....
هيكل كاتب من الطراز الأول، ومؤرخ من الطراز الثاني ومحاور من الطراز الثالث والمتجني دائماً على السادات.
لست راضياً على أحكامه... شهيته مفتوحة دائماً لديه حرية وشجاعة والناس لا حرية لديهم ولا شجاعة.
لقد شاهد أنيس منصور ثورة يناير قبل رحيله وقال عنها:
( لأول مرة تقوم ثورة بهذا الشكل، وتسقط النظام بنفخة واحدة، فالثورة حيوان مفترس لايرتوي إلا بالدم, وكذلك شجرة الحرية بالدم تولد وبالدم تعيش، إلا ثورة الشباب المصري، فهي لا دم قبلها ولابعدها، والذين قاموا بها لاتعرف لهم اسماء، ورفضوا أن تكون لهم أسماء أو يطلق عليهم لقب أبطال، لذلك فإن المؤرخين في العالم ضربوا لها "تعظيم سلام "، ولم تتوقع كل أجهزة المخابرات أن يقع مثل هذا الحادث، أن يتفق مليون شاب على إسقاط النظام، ثم إسقاط الحكومة والنظام كله... دون أن يدري أحد، ففي لحظة سقط فيها كل شىء وفوجيء الناس بشيء عجيب : ثورة شابة أسقطت نظاماً عجوزاً في نفخة واحدة.. نفخوا فيه فسقط دون أن يكون له صوت.. ولكن كان للثورة دوياً في البلاد العربية، إنها ثورة فريدة في كل شىء ولأول مرة نرى ثورة تستمر بلا دماء.. هذا شيء جديد وغير مسبوق).
لأول مرة في تاريخ البشرية يدخل رئيس جمهورية وزوجته وولداه ورئيس الوزراء والوزراء السجن! ففي التاريخ يمكن أن يقتل رئيس أو يشنق وزير، لكن أن يكون كل الحكام لصوصاً وأن يقطع رقابهم سيف العدالة، فالعدل أقوى من الحكومة، والعدل على رقاب العباد، والدولة التي تفعل ذلك دولة عظيمة الاحترام. وأكمل.... فكرة المخلص أو المنقذ موجودة في كل العصور وفي كل المجتمعات ولن تحل مشكلات الدنيا بأسرها إلا يوم القيامة والآن الشعب والمواطن المصري قد عادت إليه حريته، ويتحمل أوزار الحرية، والناس تختار من تستحقه، وسنرى عجائب المخلوقات في المرحلة القادمة.
ثم كتب لقد سمعت أحدهم "يقصد أحد رجال مبارك وربما مبارك ذاته فلم يحدد من تحديداً؟" وهو يساق إلى ماوراء القضبان والدموع في عينيه والشماته في عيون زملائه من المساجين ( أكبر غلطة في حياتي.. أنا كنت حاعمل إيه بالفلوس دي.. أعمل بيها إيه.. نصفها.. ربعها.. عشرها كان يكفي.. أنا اللي أستاهل ).
لم يستطع مبارك أن يقاوم الصدمة الفظيعة يبكي ويتمنى أن ينسى أنه كان رئيساً، ولكن لم ينس لحظة أنه أب ولذلك قال: افعلوا بي أي شيء ولكن اتركوا أولادي يعيشوا.
أما عن النساء فعند سؤاله من تستدعي من النساء الراحلات في التاريخ القريب أو البعيد "إذا قدر لك أن تستحضرهم" فقال: زوجة سقراط الفيلسوف الذي يراه الناس كبيراً ولا تراه زوجته كذلك، يراه الناس يغسل العقول من الجهل والغباء أما هي فتجيء "بطشت" الغسيل وتلقي به على رأسه وكان سقراط يضحك ويقول زوجتي تبرق وترعد ثم تمطر! أريد أن أعرف منها الحقيقة فكل زوجة مثل زوجة سقراط فزوجات الفلاسفة مثل زوجات رؤساء الاتحاد السوفيتي السابق لا يرون إلا في الجنازات.
وأريد أن استدعي كليوباترا... عصبية جداً ومصرية جداً ومن أجل العرش فعلت المستحيلات، وطنية في المقام الأول وقوية إلى أبعد حد، ونشاطها قد جعلها تتعثر في أبطال وملوك وأساطيل لماذا ظلمها التاريخ؟
نفرتيتي... أريد أن أسألها وزوجها إخناتون هل توت عنخ آمون ابنكما؟
شجرة الدر التي حكمت مصر 88 يوماً واشترطت على زوجها أن يطلق زوجته الأولى، لكنه لم يفعل فما كان منها إلا أن قتلته بالقبقاب في الحمام، وألقت به في الشارع وجاءت من أشربتها من نفس الكأس حين قررت ضرتها( أم علي ) أن تنتقم منها بنفس الطريقة بالقبقاب وجردتها من كل ثيابها ورمتها في الشارع.
أم كلثوم.. تاريخ ومتعة وحكاية كبيرة وقصة لن تتكرر
سعاد حسني... أطلب من أحد محضري الأرواح أن يستحضر روحها لأسألها كيف ماتت؟ ومن هم الذئاب الذين كانوا حول جمالها؟
شادية ... صديقتي الجميلة التي أول ما أراها وتراني لابد أن نضحك، على ماذا نضحك؟ لانعرف، علاقة رائعة لامشكلات فيها ولاوجع دماغ.
أما مارلين مونرو فقد قال عنها زوجها آرثر ميللر لصديقه أنيس منصور يوماً عندما قابله لو تزوجتها يا أنيس لانتحرت أنت!
وقال عنها أنيس كانت عصبية جداً لا تسمع الكلام، فاتنة جداً، هايفة جداً، ثرثارة جداً.
شهرزاد... سمعتها على مدى ألف ليلة وليلة لذلك سأقتلها في الليلة الثانية بعد الألف حتى لايستمتع بها أحد "تاني" وأنهي الليالي دي بقى وأخلص الناس من دوشتها مع شهريار وأعمل اللي كل الرجالة تتمنى تعمله مع زوجاتهم، لأن الجميع يشكون من المرأة المحبون والمتزوجون على حد سواء!
سأكتفي بهذا القدر من الكتاب الآن وربما كتبت مقالة أو مقالات أخرى عنه فالحديث عن أنيس منصور ربما يحتاج لعشرات المقالات والكتب فهو كما كان دائرة معارف في حياته فهو عدة دوائر للمعارف بعد مماته. كتب 200 كتاب وكل كتاب منهم ربما احتاج لعشرات المقالات غير أحاديثه المتلفزة والإذاعية والمنشورة (ورقياً) كاتب بحجم أنيس منصور لم يمت فهو باق معنا بفكره وتحليله للسياسة والسياسيين وللعالم شرقاً وغرباً وللنفس البشرية بغرابتها وطرافتها أنيس منصور لم نعرفه بعد.
الرابط المختصر
آخبار تهمك
سعر الذهب اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 بعد موجة ارتفاع قوية.. عيار 21 يسجل 5425 جنيها
11 نوفمبر 2025 11:35 ص
أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر
11 نوفمبر 2025 03:30 ص
إغلاق الحكومة الأمريكية يترك أثره أخيراً على الأسواق العالمية
10 نوفمبر 2025 06:37 م
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي والبيض اليوم الأحد 9 نوفمبر
09 نوفمبر 2025 07:00 ص
مطار مرسى علم يستقبل 29 رحلة طيران دولية اليوم
09 نوفمبر 2025 06:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم السبت 8 نوفمبر
08 نوفمبر 2025 05:00 ص
الأكثر قراءة
-
مصطفى كامل وسعد الصغير في جنازة إسماعيل الليثي
-
الهلال الأحمر المصري ترسل القافلة 70 من «زاد العزة» تشمل 8200 طن مساعدات إنسانية
-
وزير الزراعة: الدولة تبذل جهودًا كبيرة ومتواصلة لتشجيع الاستثمار
-
وزير التعليم العالي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي بجامعة ساكسوني مصر
-
أهالي إمبابة يشيعون إسماعيل الليثي
أكثر الكلمات انتشاراً