الخميس، 27 نوفمبر 2025

02:18 م

باسم عوض الله يكتب: اغتسال الروح أم نظافة الجسد..؟!

الخميس، 27 نوفمبر 2025 12:59 م

باسم عوض الله

باسم عوض الله

رُوي بمناقب أحد أوليَاء اللَّه الصَّالحِين أنه قال لمريده: اذهب فاغتَسل، وإذ بالمريد يذهب ليستحم ويعود لشيخه، حتى يجد شيخه مكررًا له نفس الطلب. فاستشاط المريد فِكرًا وحيرة عن ماهية الطلب والسر الخفيّ ورائه، حتى انطلق سهم البصيرة مخترقًا لقلبه وروحه ليبصره على حقيقة الاغتسال؛ وما هو إلا التَّخلي عن شوائب الدنيا، حتى يذهب للتَّحلي بِحُلي السماء المقدسة، فيُطرق باب التَّجلي بالحضرة الإلهية.

ومن هنا يتجلى لنا ظن الإنسان بأنه يقف محتارًا مُكبَّلًا بين أروقة الحياة، وما هي إلا هواجس الفكر المُثَبِّط لذلك المغوار الجسور، وما هي إلا أوهام الخيال المُعِيق لذلك البطل الهُمام، إنه الإنسان التي تحاربه وساوس النفس الأمارة بالسوء.

فإن الحياة يا أحبتي خُلِقت لنا ولم نُخلَق لها، فهل يجوز أن ننشغل بالمخلوق عن الخالق؟ وهل يجوز أن ننحني لما أهو أدنى مِنَّا؟ بالطبع لا، فالحكمة والبصيرة لا يقتضيان هذا وذاك.

يا أحبتي مَنْ مِنَّا كاملًا أو معصومًا؟ فجميع الخلق ناقص وما الكمال إلا لربِّ العالمين، لكن من حُب الله لنا ورحمته بنا أنه لم يتركنا بلا إرشاد، وما أكثر السُّبُل الإلهية والأدوات الربانية التي حبانا بها كي ننعم بالتوجيه والحفظ والسلوان، وعلى سبيل المثال لا الحصر الإلهامات والرؤى والمشاهدات... إلخ. وأيضًا هناك من العلامات الإلهية الإرشادية التي وضعها لنا الله على ألسنة البشر؛ مثل الحِكَم الرشيدة ومنها "يقيني بالله يقيني"، والتي تعني إيماني وثقتي بالله تحفظني وترعاني.

لذا فالمقصود من بداية مقالتي اليوم بطلب الوليّ الصالح من مُريده؛ أن أُذَكِّر نفسي أولًا ونتذكر سويًّا يا أحبتي بأن الأصل باقٍ والزائف فانٍ، وأن النقاء سِموّ والإيذاء دِنوّ، وأن من اختار طريق الله عز وجل فقد أصاب، ومن اختار طريق الشيطان فقد هوى. وحتى تغتسل أرواحنا بماء السماء المقدس علينا أن نتجرد حتى نتحرر؛ فنتجرد من مغريات الدنيا الملتصقة ونتحرر بأرجاء البراح الرباني.

وهذا يأتي من خلال ثلاث خطوات أولها القرار؛ والذي يحدث عندما يُبَيِّت الفرد النية في الله سبحانه وتعالى بأنه سيتغير للأفضل، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي الإصرار؛ فيكون الإصرار على القرار من خلال مداومة التذكُّر مثلما يقوم الفرد بتشغيل المُنَبِّه كي يستيقظ مبكرًا، وأخيرًا تأتي خطوة التكرار لتثبيت العادة الطيبة. ومن أهم الأمور التي تعاون الفرد على السير بطريق الله سبحانه وتعالى، هي صلابة الشخص وعِناده تجاه التغير الإيجابي، وتقبله للإخفاق مرة ومرتين وعدة مرات، إلى أن يشاء الله أمرًا كان مفعولًا. وذلك يذكرنا بإحدى مناقب العارفين بالله رضوان الله عليهم أجمعين وهي "توضأ بماء الغيب إن كنت ذا علم أو تيمم بالصعيد الصخري".

الرابط المختصر

search