د. مصطفى طاهر رضوان يكتب: المال الحرام لَعْنَةٌ تَسْرِقُ العمر وتحرق على صاحبها القبر!
الإثنين، 01 ديسمبر 2025 04:28 م
مصطفى طاهر رضوان
لقد أصبح من المؤسف حدَّ الوجع، بل من الوقائع التي تُدمي القلب وتفيض لها العيون أسفًا، أن تنتشر في مجتمعنا جريمةٌ كبرى، لطالما عُدَّ ارتكابها عارًا يستحي المرء من كشفه، فإذا بها اليوم تظهر بلا غطاء، وتُمارَس بلا وجل، وتُبرَّر عند بعض النفوس بجرأةٍ؛ إنها جريمة «أكل المال الحرام»؛ تلك الجريمة التي كانت في الأمس القريب تُؤَدِّي بصاحبها إلى التواري والخجل، فإذا بها اليوم تُمارَس جهارًا، بل يفاخر بعضهم بها متوهمًا أنها مهارة أو فطنة!
لقد تغوَّل حب المال على القلوب حتى صار كثيرٌ من الناس لا يعنون إلا بالحصول عليه، كيف جاء، ومن أين جاء، وبأي وسيلة جاء؛ أينحدر من طريقٍ طاهرٍ أحلَّه الله؟ أم يطلع من مسلكٍ مُظلمٍ يأباه الله ورسوله؟ لا فرق عند قومٍ استعبدهم بريق الدنيا، حتى غدت الحلال والحرام سواءً عندهم، وكأنهم لم يسمعوا يومًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ».
بل صار بعضهم يطلق الكلمات التي لو وُضِعت في ميزان الوعي والإيمان لرجحت بها الفتنة والجهل، كقولهم: «الحلال ما دخل جيبك، والحرام ما حُرِمت منه!» كلماتٌ تقتلع جذور الفطرة من القلوب!
وفي بعض المجالس تجد من يُعقِّب على الدعاء النبوي: «اللهم اغنِنا بحلالك عن حرامك» فيقول باستخفاف: «لا تُفرِّق يا هذا، المهم أن يُغنينا والسلام!»
هذه العبارات ليست مجرد طُرفٍ تُقال، بل هي دلالةٌ على قلوبٍ أنهكتها الدنيا، وصدورٍ امتلأت بالهوى، حتى سوَّت بين الحلال الذي شرعه الله، والحرام الذي حذَّر منه وتوعَّد عليه، وما علم هؤلاء أن أول من يشرب كأس الضرر هو ذاك الذي تجرأ على المال الحرام، فهو يُهلك نفسه قبل غيره، وقد حكم الله على أمثاله بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾.
والكسب الحرام أبوابُه كثيرة متشعِّبة:
منها السرقة العلنية والخفية، والاختلاس، والتزوير، والرشوة، والرِّبا، وبيع المحرَّمات، والتربُّح غير المشروع من الوظائف العامة، وإهدار المال العام، وسرقة أدوات العمل، والاحتيال على البسطاء، وسلب الحقوق بالباطل… وهي صورٌ كثيرة لو استعرضناها لرأينا وجوهًا عديدة من الظلم الذي يقتل أخلاق الأمة.
ومع هذا كله، فإن باب التوبة مفتوح، وباب الإصلاح ممدود، وليس من العدل ولا من الحكمة أن يُترك أهل هذه الجرائم دون نُصحٍ وإنذار؛ فإن ترك المنكر دون تغيير بابٌ إلى لعنة عامة تصيب البرَّ والفاجر، وقد قال الله تعالى: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
وجريمة أكل المال الحرام ليست اعتداءً على مالٍ فحسب، بل هي اعتداء على نظام المجتمع، وعلى أمنه، وعلى كرامة الناس وحقوقهم؛ ولذلك كانت عقوبتها شديدة في الشرع؛ لأن اليد التي تجرؤ على المال بغير حق يدٌ خائنة، والشرع لا يجامل الخيانة.
ففي الإسلام، إذا بلغت السرقة مقدار ربع دينارٍ فأكثر، وكانت يد السارق طليقة غير مضطهدة بالجوع والاضطرار، كان الحكم الشرعي القطع، وهو حكمٌ منوطٌ بالحكمة ورحمة المجتمع، لا بالقسوة، يقول تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا… نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾
وهذا الحكم رسالة واضحة: أن المال العام والخاص كلاهما حقٌّ محفوظٌ لا يجوز الاعتداء عليه.
فالمال العام ليس ملكًا لمسؤولٍ أو موظف، بل هو مال الفقراء والأغنياء، ومال المرضى والطلاب والأطفال والمسنين، ومال كل فردٍ يعيش على أرض الوطن، ومن مدَّ يده إليه فإنما يمدها إلى حقِّ أمةٍ بأكملها، لا إلى حق فردٍ واحد.
أما المال الخاص، فهو أمانة بين الناس، مبني على المشاحة لا المسامحة، ومن ظلم فيه أحدًا أخذه منه الله يوم القيامة، حيث لا مجال للظلم، ولا مهرب من القصاص.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة».
وهو وعيدٌ يهتزُّ له قلب المؤمن، ويهتدي به من خاف الله، ويصلح به من حرص على طيب كسبه.
وتأمل تلك الحادثة التي تُوقظ الألباب: توفّي رجلٌ يوم حنين، فذكره الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ليصلِّي عليه، فقال: «صلُّوا على صاحبكم».
فتغيَّرت وجوه الصحابة؛ فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه! ثم بيَّن السبب: «إن صاحبكم قد غلَّ»؛ أي: أخذ ما لا يجوز له أن يأخذه.
فلما فتحوا متاعه وجدوا خرزات من خرز يهود لا تساوي درهمين!
إن كانت «خرزات» لا تبلغ ثمن رغيف تمنع الصلاة عليه، فكيف بمن يسرق الملايين؟! وكيف بمن يبني القصور والأبراج من مالٍ مسروقٍ أو منهوبٍ أو مُختَلَس؟! ألا يخشى هؤلاء أن تُفضَح خيانتهم في الدنيا، أو أن يُفضحوا على رءوس الخلائق في يوم القيامة؟!
وقد قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
فهل يليق بمؤمنٍ بالله أن يمد يده إلى المال العام أو مال الأفراد؟
لماذا يماطل القادر في سداد الديون؟
لماذا تُكتب الشيكات بلا رصيد؟
لماذا يُزوِّر البعض الأوراق ليستولي على عقارٍ أو سيارة؟
لماذا كثُر الغش التجاري حتى صار الأصل الحذر والثقةُ هي الاستثناء؟
لماذا كثرت القضايا في المحاكم والمنازعات في السجون، من الرجال والنساء، بسبب خيانة الأمانة؟
لماذا قَلَّ الخوف من عقوبة الله العاجلة في الدنيا، قبل عقوبته في الآخرة؟
وقد قال تعالى: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾.
ولِمَ اعتاد الناس أكل الحرام كأنه صنعةٌ من صنائع الحياة؟ ولماذا صار بعضهم يفتخر بالسرقة والنهب والاحتيال ويسميه «فهلوة» و«شطارة»؟!
وما درى هؤلاء أن المال الحرام وإن بدا في أوله ثراءً فهو وبالٌ في آخره، وأنه لا يُنبت إلا الشقاء، ولا يجلب لصاحبه إلا الخيبة والندم، وأن أول الخاسرين هو صاحبه نفسه، الذي ظلم نفسه قبل أن يظلم غيره.
- عضو هيئة تدريس جامعة الأزهر
الرابط المختصر
آخبار تهمك
أسعار الذهب في السودان اليوم الاثنين 1-12-2025 في السوق المحلية
01 ديسمبر 2025 01:44 م
أسعار الذهب في الإمارات اليوم الاثنين 1-12-2025 في محلات الصاغة
01 ديسمبر 2025 01:35 م
أسعار الذهب في الأردن اليوم الاثنين 1-12-2025 في اسواق المملكة
01 ديسمبر 2025 01:24 م
أسعار الذهب في السعودية اليوم الاثنين 1-12-2025 في السوق المحلية
01 ديسمبر 2025 01:20 م
أسعار الذهب في العراق اليوم الاثنين 1-12-2025
01 ديسمبر 2025 01:16 م
سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 1-12-2025 في البنوك المصرية
01 ديسمبر 2025 01:11 م
الأكثر قراءة
-
هوجو بروس يعلن قائمة جنوب إفريقيا لبطولة كأس أمم إفريقيا 2026
-
تقارير إسبانية تكشف عن مفاوضات برشلونة مع موهبة الأهلي حمزة عبد الكريم
-
تطورات إصابة الشناوي وموقفه من الانضمام لمعسكر منتخب مصر
-
شوط أول سلبي بين تونس وسوريا في كأس العرب 2025
-
اتحاد الكاراتيه يوجه رسالة تقدير للرئيس السيسي بعد إنجاز صدارة العالم
-
هوجو بروس يعلن قائمة جنوب إفريقيا لبطولة كأس أمم إفريقيا 2026
-
تقارير إسبانية تكشف عن مفاوضات برشلونة مع موهبة الأهلي حمزة عبد الكريم
-
د. مصطفى طاهر رضوان يكتب: المال الحرام لَعْنَةٌ تَسْرِقُ العمر وتحرق على صاحبها القبر!
-
سقوط سقف جراج على سيارة أرملة إسماعيل الليثي شيماء سعيد
-
تطورات إصابة الشناوي وموقفه من الانضمام لمعسكر منتخب مصر
أكثر الكلمات انتشاراً