الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

01:10 ص

تحليل: كيف تشكّل السياسات والتقييمات حركة التداول في الأسواق العالمية قبل نهاية العام؟

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:14 م

بقلم: دانييلا سابين هاثورن

دانييلا سابين هاثورن محلل سوق أول في Capital.com

دانييلا سابين هاثورن محلل سوق أول في Capital.com

جاء خفض الاحتياطي الفيدرالي الأخير لسعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، متوافقًا إلى حد كبير مع التوقعات، إلا أن رد فعل السوق كان معقدًا للغاية. ويكمن الاختلاف في انقسام الأصوات والرسائل الصادرة: فقد فضّل عضوان من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، بينما دعا عضو ثالث إلى خفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس، وأيّد الباقون القرار المتفق عليه. ومع وجود عدد أقل من المعارضين لخفض سعر الفائدة مما كان متوقعًا، فسّرت الأسواق النتيجة في البداية على أنها تميل قليلًا نحو التيسير النقدي، مما أدى إلى انخفاض العائدات والدولار، بينما ارتفعت أسعار الأسهم والذهب.

وسرعان ما تعقدت تلك الاستجابة الأولية، بتصريح جيروم باول المتكرر بأن أسعار الفائدة "قريبة جدًا من الحياد"، وهو ما اعتبره الكثيرون إشارة إلى أن دورة خفض أسعار الفائدة قد تقترب من نهايتها، وربما تبقى لها خطوة واحدة فقط في أوائل عام 2026. وهذا يتعارض مع توقعات السوق، التي لا تزال تشير إلى أكثر من خفض واحد في العام المقبل، وسعر فائدة يقارب 3% في نهاية العام. ويبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يركز بشكل متزايد على تحسين أوضاع سوق العمل بدلًا من التضخم، ولكنه لا يزال مترددًا في الالتزام بأي شيء يتجاوز التيسير التدريجي المعتمد على البيانات.

استقرار عام في معدلات البطالة وانخفاض التضخم

تؤكد توقعات الاحتياطي الفيدرالي هذا التوازن الدقيق. وبالنسبة للعام المقبل، يشير ملخص التوقعات الاقتصادية إلى نمو أقوى، واستقرار عام في معدلات البطالة، وانخفاض التضخم، معتمدًا بشكل فعال على تعزيز الإنتاجية المدعوم بالذكاء الاصطناعي للسماح للاقتصاد بالنمو بقوة دون إعادة إشعال ضغوط الأسعار. وتعكس أسواق الأسهم هذا التوتر: إذ يتذبذب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ضمن نطاق محدد، بينما فشل مؤشر ناسداك في اختراق مستويات قياسية جديدة، في حين استفاد مؤشر داو جونز والشركات الصغيرة من التحول نحو القطاعات الدورية وقطاعات القيمة. ولا يزال المستثمرون حذرين بشأن التقييمات المبالغ فيها لشركات الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا العملاقة، ويعملون على توسيع نطاق استثماراتهم قبل عام 2026، مع التركيز الآن على ما إذا كانت الأرباح القادمة - واعتماد الذكاء الاصطناعي في الواقع العملي - ستؤكد الأسعار الحالية. وإذا تأخرت مكاسب الإنتاجية أو كانت أضعف من المتوقع، فمن المرجح أن تخضع توقعات السياسات وتقييمات الأسهم لمراجعة دقيقة.

أسبوع حافل بالبيانات: اختبار تركيز الاحتياطي الفيدرالي على سوق العمل

قبل الجولة القادمة من اجتماعات البنوك المركزية، تواجه الأسواق جدولًا زمنيًا حافلًا بالبيانات، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ففي الولايات المتحدة، هذا هو الشهر الأول الذي يعود فيه نشر البيانات بشكل طبيعي بعد توقف الحكومة عن نشرها. ويتضمن الجدول الزمني مؤشرات مديري المشتريات، ومؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي، وبيانات الوظائف لشهر نوفمبر، بالإضافة إلى تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أكتوبر، والذي لا يزال متأخرًا بعض الشيء.

وستتم مراقبة بيانات سوق العمل عن كثب، نظرًا لتحوّل الاحتياطي الفيدرالي الواضح الى التركيز على جانب التوظيف. وقد يسهم ضعف سوق العمل وانخفاض التضخم في تشجيع الأسواق على تقديم توقعات الخفض القادم لسعر الفائدة، والذي يتوقع حاليًا بعد تثبيته في يناير ومارس، مع اعتبار أبريل الاجتماع "المباشر" التالي، كما سيدعم الآمال في انتعاش أسواق الأسهم، ويضيف مزيدًا من الضغط على الدولار الأمريكي، ويعزّز التوقعات الإيجابية للذهب، الذي يتداول بالفعل قرب مستويات مرتفعة قياسية.

أما فيما يخص التضخم، فستكون العلاقة بين مؤشر أسعار المستهلكين ونفقات الاستهلاك الشخصي مهمة أيضًا. وقد أظهرت أحدث البيانات أن نفقات الاستهلاك الشخصي بلغت 2.8% ومؤشر أسعار المستهلكين 3% في آخر القراءات المتاحة. ومن المرجح أن يفسَّر انخفاض مؤشر أسعار المستهلكين إلى ما دون 3% مع استقرار نفقات الاستهلاك الشخصي على أنه تأكيد على عودة عملية خفض التضخم إلى مسارها الصحيح، وهو ما يعدّ عاملًا داعمًا إضافيًا للأصول عالية المخاطر.

بنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان: لمحة عن عالم السياسات المتباينة في عام 2026

مع اقتراب نهاية الأسبوع، يعود التركيز إلى البنوك المركزية، حيث تنعقد اجتماعات لبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان.

ويواجه بنك إنجلترا مهمة دقيقة في الموازنة بين عدة عوامل، إذ يقرر ما إذا كان اتجاه انخفاض التضخم في المملكة المتحدة قويًا بما يكفي لتبرير خفض سعر الفائدة. ولا تزال الأسواق ترى احتمالًا بنسبة 85% لتخفيف السياسة النقدية، لكن الوضع لا يزال صعبًا: فالتضخم يتراجع ولكنه لا يزال أعلى من الهدف المحدد، وسوق العمل يشهد تباطؤًا، وبيانات النمو سلبية. ويتمثل الهدف الأمثل لصناع السياسات في انخفاض التضخم بما يعزز الثقة في اتجاه انخفاض التضخم، وخفض سعر الفائدة بما يدعم الاقتصاد المتعثر، والحد من المخاوف المستمرة بشأن الركود التضخمي. ومن المرجح أن يدعم هذا المزيج مؤشر فوتسي، بينما سيتأرجح الجنيه الإسترليني بين الضغط الهبوطي الناتج عن انخفاض العائدات والدفعة المحتملة من توقعات اقتصادية أكثر استقرارًا.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يبقي البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثابتة. فبعد أن خفّض تكاليف الاقتراض إلى 2% مع الحفاظ على التضخم قرب المستوى المستهدف، لا يملك البنك المركزي الأوروبي حافزًا يذكر لتغيير سياسته الآن. ومع عدم توقع أي تحركات كبيرة، سينصبّ التركيز على تصريحات كريستين لاغارد بشأن المسار طويل الأجل لأسعار الفائدة. وعمليًا، تعتمد تداولات الأسواق الأوروبية على شهية المخاطرة العالمية والتوقعات المتعلقة بالاحتياطي الفيدرالي أكثر من اعتمادها على الإجراءات الفورية من جانب البنك المركزي الأوروبي.

في المقابل، يستعد بنك اليابان لرفع سعر الفائدة بعد سنوات من سياسة نقدية توسعية للغاية. ولا يزال التضخم مستقرًا قرب 3%، ومن المتوقع ارتفاع الإنفاق الحكومي، ويواجه صناع السياسات مقاومة سياسية ضئيلة، وهي ظروف تجعل المزيد من التشديد النقدي مرجحًا. وفي حين لا يتوقع أحد دورة رفع حادة، إلا أن رفعًا آخر بمقدار 75 نقطة أساس مع مرور الوقت أمر وارد وله تداعيات كبيرة على السوق. كما يبدو أن الين يتجه نحو الارتفاع مع فقدان زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني زخمه، وقد يؤدي ارتفاع الين إلى الضغط على مؤشر نيكاي، خاصة إذا عادت المخاوف بشأن تقييمات الأسهم العالمية إلى الظهور. وتشير سياسات التيسير النقدي لبنك إنجلترا، وإحجام البنك المركزي الأوروبي عن إجراء تغييرات، وسياسات التشديد لبنك اليابان، مجتمعة، إلى تحول نحو تباين كبير في السياسات النقدية في عام 2026، مما يمهد الطريق لمزيد من التقلبات في أسعار الفائدة العالمية وأسواق العملات الأجنبية.

الطاقة: فنزويلا وأوكرانيا وطبقة من علاوة المخاطر

في قطاع السلع، أضافت الأحداث الأخيرة إلى علاوة المخاطر الجيوسياسية دون تغيير جوهري في صورة العرض.

فقد أثار احتجاز الولايات المتحدة لناقلة نفط فنزويلية مخاوف المشترين وأدى إلى تقارير عن انخفاض حاد في الصادرات الفنزويلية. ورغم أن هذا يعدّ مؤشراً إيجابياً لأسعار النفط - وله دلالة هامشية - إلا أن فنزويلا ليست منتجاً رئيسياً في نفس فئة السعودية أو الولايات المتحدة. صحيح أن إنتاجها يساهم في تخفيف حدة نقص المعروض، إلا أن تأثيره يبقى محدوداً نسبياً. وقد انعكس ذلك على تحركات الأسعار خلال الأيام الأخيرة، حيث لا يزال الخام الأمريكي وخام برنت تحت ضغط عام.

أما بالنسبة للغاز الطبيعي، فإن التركيز المتجدد على التوترات الأوكرانية الروسية يسلط الضوء على مخاطر مألوفة:

احتمال حدوث اضطرابات في الصادرات وخطوط الشحن، لا سيما في البحر الأسود،
ارتفاع المخاطر المتوقعة على الإمدادات،
احتمال زيادة علاوات المخاطر الجيوسياسية في قطاع الطاقة.
مع ذلك، فإن هذا الصراع ليس جديداً، وقد تم بالفعل تسعير جزء كبير من المخاطر. والنتيجة النهائية هي طبقة إضافية من التقلبات بدلاً من تغيير واضح في الاتجاه - وهو أمر يستدعي المتابعة وليس عاملاً مستقلاً.

الذهب والفضة: صعود نموذجي ومضاربة سريعة

أخيراً، لا تزال المعادن النفيسة تجذب الأنظار. إذ يتم تداول الذهب ضمن ما يبدو أنها سوق صاعدة نموذجية. وتشمل المحركات الاقتصادية الكلية تخفيضات متوقعة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وسياسة مالية متساهلة في العديد من البلدان، ومخاوف من أن تكون السياسة النقدية "متساهلة للغاية"، واستمرار المخاوف من التضخم المستعصي. كما أن عمليات الشراء التي تجريها البنوك المركزية والمخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تعزز هذا الاتجاه. فقد أظهر الذهب نمطًا من التماسك ثم الارتفاع ثم التماسك ثم الارتفاع، وهو الآن على بعد أقل من 1% من أعلى مستوياته القياسية. ومن المرجح أن يعتبر أي تحرك مستدام فوق هذه المستويات إشارة صعود أخرى.

ويعد الذهب، بهذا المعنى، مؤشرًا على قلق السوق بشأن أخطاء السياسة النقدية وعدم معالجة التضخم بشكل كافٍ. وتشترك الفضة في بعض خصائص الملاذ الآمن، ولكنها تتميز أيضًا بعامل صناعي، مدعومًا بهيكل من النقص المتوقع في العرض، نظرًا لاستخدامها المكثف في أشباه الموصلات والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية. وعلى الرغم من وجود خلفية أساسية إيجابية على المدى الطويل، إلا أن الرسم البياني على المدى القريب يبدو شديد المضاربة، مع مكاسب هائلة، وتراجع طفيف، وعلامات على وجود مراكز زائدة.

وقد انخفضت نسبة الذهب إلى الفضة إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، لتصل إلى مستويات لم نشهدها منذ الارتفاع الكبير الذي شهدته الفضة مقارنة بالذهب خلال فترة الجائحة. ويشير ذلك إلى أن الفضة قد تتداول عند مستويات متطرفة مقارنةً بالذهب، مما يجعلها عرضة للتصحيح حتى لو بقيت توقعات الصعود طويلة الأجل قائمة.

  • كبيرة محللي السوق في Capital.com

الرابط المختصر

search