الدكتورة أميمة منير جادو تكتب: مطاردة القبح في الوعي واللاوعي
الخميس، 18 ديسمبر 2025 09:35 ص
الدكتورة أميمة منير جادو
مطاردة القبح في الوعي واللاوعي .. (إغماضة نص "طُوقة" لنايف النوايسة) "قراءة تحليلية أدبية نفسية".
إغماضة "طُوقة"
أولًا: تحديد الجنس الأدبي :
ينتمي النص بوضوح إلى السرد الومضي/ القصة الومضة ذات البعد النفسي الرمزي، وهو أقرب إلى: السرد الكابوسي (Nightmare Narrative)
مع تداخل واضح مع الكتابة الحُلمية والواقعية النفسية، لا هو قصّة تقليدية، ولا مجرد خاطرة، بل ومضة سردية مكثفة تعتمد على:
مشهد واحد متكرر, شخصية مركزية واحدة، رمز محوري (طُوقة)، نهاية دائرية مفتوحة .
ثانيًا: البنية السردية
1. البداية (الاستطلاع/الاستكشاف):
«شققتُ باب غرفتي الخشبي قليلًا لأراقب شروق الشمس..»
بداية هادئة، طبيعية، توحي بالأمان والفضول والضوء.
لكنها طمأنينة خادعة؛ فالشمس لا تكتمل، لأن الرعب يسبقها.
2. الانكسار (الاقتحام):
«كانتْ كعادتها تسبق الشمس لتلتصق بالزاوية الجنوبية لبيتها.. بنظراتها المتوحشة مُصوّبة نحوي»..
هنا يبدأ التحول:
"الشروق يُخْتَطَف، الضوء يُستبدل بنظرة متوحشة، المكان يتحول من أفق مفتوح إلى زاوية (ضيق، كمين).
3. التصاعد (المطاردة) :
يتكرر المشهد بصيغ مختلفة:
"امرأة، كلبة، كلاب "
"باب، نافذة، زجاج مكسور"
"مراقبة، تهديد، إصابة"
4. الذروة (الجرح) :
«فضربت زجاج النافذة لأطردها فانكسر، وجُرِحت..»
الجرح هنا نفسي قبل أن يكون جسديًا.
كسر الحاجز بين الداخل والخارج.
5. النهاية (الدوام) :
«طُوقة ما زالتُ تُطاردني بين حين واخر..»
لا حلّ.. لا تطهير.. لا خلاص.
التهديد مستمر ومتسلل من الذاكرة.
ثالثًا: التحليل الدلالي للرموز:
1. طُوقة :
الاسم مفتاح النص:
الطوق = إحاطة / حصار / خنق
لا يدل على فرد، ربما حيوان ككلب شرس، ويرمز إلى حالة نفسية قاهرة تتحول من امرأة إلى كلبة إلى قطيع .
وكلها رمز للتشيؤ، والانحدار، والاضطهاد الجمعي
2. السِّنّ المُلَبَّس بالنحاس :
«لمع سنها المُلَّبس بالنحاس»
دلالة شديدة القسوة:
النحاس: زائف، رخيص، بارد
السن: أداة افتراس أي عنف بلا روح، بلا إنسانية، بلا قيمة
3. المخاط / الرذاذ :
«أنفُها مخاطًا يسيل بلا رادع»
صورة مقززة متعمدة:
"انعدام الطهارة، انحطاط بيولوجي وأخلاقي، كسر أي تعاطف محتمل مع الكائن المعتدي".
4. الكلاب :
«نحن معك يا طُوقة»
ليست كلابًا طبيعية، بل:
قطيع، وصوت جماعي
سلطة مطاردة: دلالة على التحريض الجمعي، والتواطؤ الاجتماعي ضد الفرد من المنحطين .
رابعًا: التحليل النفسي
النص يُقرأ بوصفه:
-تفريغًا لكابوس قلق مزمن
-تمثيلًا لصراع بين:
الأنا (الذات الساردة)، والآخر العدائي المتحوّل .
فالمؤشرات النفسية واضحة:
"الخوف، التكرار، المطاردة، الاستيقاظ دون زوال التهديد"
«صحوتُ من غفوتي.. تفقدتُ يدي»
الاستيقاظ لا يُنهي الرعب، بل يؤكده.
النص يقترب من: "اضطرابات القلق، صدمات الذاكرة، الخوف من الفضح أو الانتهاك".
خامسًا: الجماليات الأسلوبية:
1. التكثيف
جمل قصيرة، متلاحقة، بلا إسهاب.
2. التكرار التحويلي:
"السن النحاسي، الأنف، الفم، المطاردة "
التكرار ليس حشوًا، بل تصعيدًا دلاليًا.
3. المفارقة :
شروق الشمس ↔ الكلاب
الندوة ↔ الكابوس
الواقع ↔ اللاوعي
4. السرد البصري :
النص يُرى قبل أن يُقرأ: "زوايا، أفواه، أنوف، زجاج، دم ".
سادسًا: التناص (غير المباشر):
لا يوجد تناص اقتباسي صريح، لكن هناك تناص دلالي ضمني مع:
أدب الكوابيس (كافكا – دون استدعاء اسمي)
السرد الرمزي النفسي .
ثيمة المطاردة في الأدب الوجودي.
التناص هنا أسلوبي لا مرجعي.
سابعًا: الدلالة العامة :
النص يقول بوضوح:
-القبح قد ينام، لكنه لا يختفي.
-الذاكرة ليست مأوى آمنًا.
-المجتمع قد يتحول إلى قطيع .
-الهروب وهم.
-الطوق يضيق كلما ظننا أننا استفقنا
خلاصة نقدية :
«طُوقة» نص:
"قاسٍ، صادم، واعٍ بأدواته، لا يطلب التعاطف، بل يفرض المواجهة ".
وهو نموذج ناضج لـ السرد الومضي النفسي الرمزي الذي يراهن على:
" الصورة، الرمز، الإيحاء لا على الحكاية التقليدية ".
----
قراءة مقارنة بين الإغماضة الخامسة والسادسة :
(من السقوط إلى المطاردة)
«مقارنة دلالية-نفسية بين “الهوّة” و“طُوقة” في إغماضات قصيرة»
لنايف النوايسة
أولًا: منطلق المقارنة :
النصّان ينتميان إلى مشروع واحد، لكنهما يمثلان مرحلتين مختلفتين من الوعي القَلِق:
«الهوّة»: لحظة وقوف على الحافة.
«طُوقة»: لحظة حصار وملاحقة بعد السقوط النفسي.
بعبارة مباشرة:
الهوّة = تهديد ساكن.
طُوقة = تهديد متحرك.
ثانيًا: البنية السردية
1. المكان
الهوّة: مكان مفتوح، رأسي، عميق، صامت.
الوقوف عند الحافة يتيح التفكير والاختيار.
طُوقة: مكان مغلق، أفقي، زاوي، خانق.
لا حافة ولا خيار، بل اقتحام متكرر.
دلالة:
الانتقال من الفضاء الوجودي إلى الفضاء النفسي الخانق.
2. الزمن
الهوّة: زمن متوقف، لحظة تأمل قبل السقوط.
طُوقة: زمن دائري، مطاردة تتكرر حتى بعد الاستيقاظ.
دلالة:
(الهوّة: لحظة)، (طُوقة : حالة مزمنة).
ثالثًا: الذات الساردة :
في «الهوّة» : ذات متأملة. واعية بالخطر. لم تُمسّ جسديًا.الخوف داخلي وصامت.
في «طُوقة» : ذات مذعورة. مُنتهَكة.تُجرَح.الخوف خارجي وعدواني.
في «الهوّة» : الخطر محتمل
في «طُوقة»: الخطر متحقق
رابعًا: طبيعة التهديد :
1. التهديد في «الهوّة» :
"غير مُسمّى.مجرد فراغ.صامت.وجودي".
الهوّة = سؤال
2. التهديد في «طُوقة» :
" مُسمّى (طُوقة). متجسد.ناطق.جماعي (الكلاب).
طُوقة = إجابة مرعبة
خامسًا: الرموز المركزية :
" الهوّة : الفراغ، الحافة، الانتظار، الصمت".
رموز فلسفية مجردة.
" طُوقة :السن النحاسي، المخاط ، الكلاب، الزجاج المكسور".
رموز حسية صادمة.
سادسًا: الجسد في النصين :
الهوّة: الجسد غائب أو معلّق.
طُوقة: الجسد حاضر، يُجرَح، ينزف.
الانتقال من الوعي إلى الجسد يعني:
تحوّل الخوف من فكرة إلى تجربة.
سابعًا: النهاية :
الهوّة : "نهاية مفتوحة تأملية. الوقوف ما زال ممكنًا".
طُوقة : “نهاية دائرية قَلِقة. المطاردة مستمرة”.
ثامنًا: التناص الدلالي :
الهوّة تتجاور مع:
"النصوص الوجودية، سؤال المعنى، العزلة الفردية".
طُوقة تتجاور مع:
"أدب الكوابيس، القمع الجمعي، تشيؤ الإنسان".
خلاصة مقارنة حاسمة :
في «الهوّة» يكون الخطر صامتًا؛ لا كائن محدد ولا صوت، بل فراغ مفتوح يواجه الذات ويضعها أمام سؤال الوجود.
أمّا في «طُوقة» فالخطر صاخب ومُسمّى، له وجه وأنياب وصوت جماعي، ويخرج من الخفاء إلى المطاردة العلنية.
في «الهوّة» تقف الذات على الحافة؛ ما زال هناك توازن هش، وما زال التفكير ممكنًا.
في «طُوقة» لم تعد هناك حافة، بل طوق مُحكم، والذات صارت داخل الدائرة، محاصَرة، مهدَّدة من كل الجهات.
الخوف في «الهوّة» ذهني، وجودي، احتمالي؛ فكرة السقوط هي مركز التوتر.
في «طُوقة» الخوف تجريبي مباشر؛ مطاردة، اقتحام، كسر، جرح. هنا ينتقل القلق من مستوى الوعي إلى مستوى الجسد.
الزمن في «الهوّة» لحظة متوقفة، مشدودة، تشبه الوقوف قبل القفز.
في «طُوقة» الزمن دائري، يعيد نفسه، يلاحق الذات حتى بعد الاستيقاظ، ويكسر وهم الخلاص.
الجسد في «الهوّة» غائب أو معلّق، لم يُمسّ بعد.
في «طُوقة» الجسد حاضر بقوة، يُصاب ويُجرح، ويصبح مسرحًا للرعب، لا مجرد وعاء له.
رمزية «الهوّة» تميل إلى التجريد: الفراغ، الحافة، الصمت، الانتظار.
رمزية «طُوقة» حسّية فجة: السن النحاسي، المخاط، الكلاب، الزجاج المكسور.
الانتقال هنا من الرمز الفلسفي إلى الرمز الصدمي المتجسّد.
نهاية «الهوّة» مفتوحة تأملية؛ السقوط لم يحدث بعد.
نهاية «طُوقة» دائرية قَلِقة؛ المطاردة مستمرة ولا تُغلق.
الخلاصة:
«الهوّة» تمثل الوعي قبل الانكسار، و«طُوقة» تمثل العيش داخل الانكسار.
الأولى سؤال، والثانية إجابة قاسية.
الأولى وقوف، والثانية حصار.
---
الخلاصة النهائية :
النصّان لا يكرران بعضهما، بل:
«الهوّة» تمثل الوعي قبل الانكسار.
«طُوقة» تمثل ما بعد الانكسار.
هما معًا يشكّلان: مسارًا سرديًا نفسيًا متدرجًا من التأمل إلى الرعب، ومن السؤال إلى المطاردة.
-------
ملحق: نص الاغماضة السادسة
- طُوْقَة -
شققتُ باب غرفتي لخشبي قليلًا لأراقب شروق الشمس..
كانتْ كعادتها تسبق الشمس لتلتصق بالزاوية الجنوبية لبيتها.. بنظراتها المتوحشة مُصوّبة نحوي.. بيني وبيها سور هابط.. فتحتْ فمها الواسع ولسعتني بكلمات لا أفهمها.. لمع سنها المُلَّبس بالنحاس، وارتشف أنفُها مخاطًا يسيل بلا رادع لى فمها.. أغلقت البابَ بهدوء وعدتُ اإلى فراشي انتظر..
نباح الكلاب يملأ الحارة.. يقتربُ النباح من غرفتي.. الكلاب تحاول فتْح الباب.. خفتُ.. هرعتُ إلى النافذة كي أهرب .. كلبةٌ ضخمة تضرب بيدها على زجاج النافذة.. فتحت فمها لتقول شيئًا.. لمع سن من النحاس في فمها.. أنفها الكبير يرشُّ رذاذُا مثل المخاط.. نادتها الكلاب: نحن معك يا طُوقة..
ضربت زجاج النافذة لأطردها فانكسر، وجُرحت..
صحوتُ من غفوتي.. تفقدتُ يدي وبحثتُ عن طوقة.. غابتْ..
اقترب موعد الندوة .. حملتُ أوراقي وغادرتُ بسيارتي إلى مركز الندوات..
طُوقة ما زالتُ تُطاردني بين حين واخر.. وتفتح على جدار النسيان وتطل علي مع كلابها من زاويتها القبيحة.
-----
- د أميمة جادو
القاهرة فجر الخميس 18 ديسمبر 2025
الرابط المختصر
آخبار تهمك
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدى والبيض اليوم الخميس 18 ديسمبر
18 ديسمبر 2025 05:00 ص
تحليل: بيانات الوظائف الأمريكية تؤكد تباطؤ الاقتصاد
17 ديسمبر 2025 09:34 م
سعر جرام الذهب في العراق اليوم الأربعاء 17-12-2058
17 ديسمبر 2025 03:08 م
سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه اليوم الأربعاء 17-12-2025 في البنوك المصرية
17 ديسمبر 2025 12:57 م
سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه اليوم الأربعاء 17-12-2025
17 ديسمبر 2025 12:52 م
سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 17-12-2025
17 ديسمبر 2025 12:45 م
الأكثر قراءة
-
توقعات الأبراج ليوم الخميس 18 ديسمبر 2025: ضرورة التركيز على المشاريع
-
الدكتورة أميمة منير جادو تكتب: مطاردة القبح في الوعي واللاوعي
-
مينا غالي يكتب: منتخب مصر والثامنة؟! ابقى قابلني في المغرب
-
توقعات الأبراج ليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025: حظك اليوم يكشف فرصًا جديدة للنمو الشخصي والعاطفي والمهني
-
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 19 ديسمبر 2025م ـ 28 جمادى الآخرة 1447هـ
أكثر الكلمات انتشاراً