مدبولي من بيروت: المدن الجديدة قاطرة التنمية الشاملة ووفرت 5 ملايين فرصة عمل

أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن المدن الجديدة التي أنشأتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، لعبت دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي وتوفير ما يقرب من 5 ملايين فرصة عمل، مشددًا على أن هذه المشروعات جاءت استجابة حتمية للتحديات السكانية والاقتصادية التي واجهتها مصر، وليست رفاهية إنشائية كما يروج البعض.

جاء ذلك خلال رد رئيس الوزراء على أسئلة ومداخلات مسئولي الهيئات الاقتصادية وغرفة التجارة والصناعة بلبنان، خلال لقاء العمل الاقتصادي الذي عُقد في العاصمة اللبنانية بيروت تحت عنوان: "آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر ولبنان" بمشاركة واسعة من ممثلي القطاع الخاص اللبناني.

مدبولي: تعمير الصحراء ضرورة وجودية لمصر بعد تجاوز عدد السكان 110 ملايين نسمة

وفي معرض إجابته عن تساؤل حول العاصمة الإدارية الجديدة وجدواها الاقتصادية، أوضح رئيس الوزراء أن مصر دولة شديدة الخصوصية من حيث الجغرافيا، إذ ظل العمران لقرون طويلة محصورًا في نطاق لا يتجاوز 6 إلى 7% من إجمالي المساحة، بسبب تركز السكان حول نهر النيل، شريان الحياة للدولة المصرية.

وأشار إلى أن الزيادة السكانية المتسارعة، التي أوصلت عدد السكان إلى نحو 110 ملايين نسمة، فرضت على الدولة خيارًا وحيدًا لا بديل عنه، يتمثل في التوسع العمراني خارج الوادي الضيق، وبناء مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة، قادرة على استيعاب الزيادة السكانية وتوفير فرص عمل حقيقية للأجيال الجديدة.

خطة رئاسية لمضاعفة الرقعة المعمورة وربطها بشبكات حديثة

ولفت الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مسئولية الحكم، تم وضع خطة طموحة تستهدف مضاعفة الرقعة المعمورة من 7% إلى ما لا يقل عن 14% كمرحلة أولى، مؤكدًا أن تحقيق هذا الهدف لم يكن ممكنًا دون إطلاق حزمة متكاملة من المشروعات القومية.

وأوضح أن هذه الحزمة شملت إنشاء شبكة حديثة من الطرق والمحاور ووسائل النقل الجماعي، وربط المناطق الجديدة بالقديمة، إلى جانب تطوير منظومة الموانئ والمطارات، بما يتناسب مع الموقع الاستراتيجي الفريد لمصر التي تقع في قلب ثلاث قارات، وتطل على البحرين الأحمر والمتوسط، وتحتضن قناة السويس، فضلًا عن تنفيذ مشروعات ضخمة للاستصلاح الزراعي وبناء مدن جديدة تستوعب ملايين المواطنين.

العاصمة الإدارية ضمن مشروع أشمل يضم 30 مدينة جديدة

وأكد رئيس الوزراء أن العاصمة الإدارية الجديدة ليست مشروعًا منفردًا، بل تأتي ضمن رؤية أشمل شملت إنشاء نحو 30 مدينة جديدة في توقيت متزامن، من بينها مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن العاصمة الإدارية حظيت بزخم إعلامي وتنفيذي أكبر بحكم كونها واجهة الدولة الجديدة.

وأوضح أن هذا التوجه التنموي تعرض لانتقادات بدعوى إنفاق أموال طائلة، إلا أن الواقع أثبت أن هذه المشروعات كانت ضرورة اقتصادية واجتماعية، خاصة في ظل الظروف التي كانت تمر بها مصر قبل عام 2014.

من بطالة 13.5% إلى 6.2% رغم الزيادة السكانية

واستعرض الدكتور مصطفى مدبولي المشهد الاقتصادي في مصر عام 2013، موضحًا أن نسبة البطالة آنذاك بلغت نحو 13.5%، في وقت كان عدد السكان أقل من 90 مليون نسمة، مع نقص حاد في مصادر الطاقة وتحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة.

وأضاف أن مصر شهدت خلال 12 عامًا زيادة سكانية بنحو 24 مليون نسمة، بمعدل يقارب مليوني نسمة سنويًا، وهو ما كان كفيلًا بتفاقم الأزمات لولا تبني الدولة لمشروعات تنموية كبرى، كان أحد أهدافها العاجلة خلق فرص عمل واسعة للشباب.

وأشار إلى أن المدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية، نجحت في توفير نحو 5 ملايين فرصة عمل، وأسهمت في خفض معدل البطالة إلى نحو 6.2%، رغم الزيادة السكانية، مؤكدًا أن قطاع الإنشاءات كان من أكثر القطاعات تأثيرًا في تحقيق هذا الهدف، على غرار ما حدث في التجربة الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية.

القاهرة تحتاج إلى امتداد حضاري جديد

وبالحديث عن العاصمة الإدارية، أوضح رئيس الوزراء أن القاهرة الكبرى تضم اليوم نحو 23 مليون نسمة، وهو ما جعل التوسع خارج النطاق التقليدي أمرًا لا مفر منه، مذكرًا بأن القاهرة نفسها مرت بمراحل توسع تاريخية، من القاهرة الإسلامية إلى الخديوية في القرن التاسع عشر، ثم مدن الجيل الجديد مثل السادس من أكتوبر والشيخ زايد.

وأكد أن إنشاء العاصمة الإدارية جاء كامتداد طبيعي للقاهرة الكبرى، ونجح في نقل مؤسسات الدولة إلى بيئة أكثر حداثة، متوقعًا أن تصبح هذه المنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة من أكثر المناطق حيوية في مصر.

مدبولي: برنامج مصر مع صندوق النقد من صنع الدولة وليس إملاءً خارجيًا

وفي رده على تساؤلات حول تجربة مصر مع صندوق النقد الدولي، أكد رئيس الوزراء أن الانطباع السائد عن الصندوق بفرض شروطه على الدول لا ينطبق على التجربة المصرية، موضحًا أن البرنامج الاقتصادي المصري مع الصندوق هو برنامج وطني خالص، صاغته الدولة المصرية وفق رؤيتها وأولوياتها، ثم دخلت في مفاوضات حول آليات التنفيذ والتوقيتات.

وأشار إلى أن مصر وضعت ثوابتها منذ البداية، سواء في إصلاحات قطاع الطاقة، أو منظومة الدعم، أو السياسة المالية والنقدية، موضحًا أن الخلافات مع الصندوق تمحورت حول سرعة التنفيذ وبعض الأرقام، وليس جوهر البرنامج.

الحماية الاجتماعية جزء أصيل من الإصلاح الاقتصادي

وشدد رئيس الوزراء على أن الحكومة المصرية كانت واعية منذ البداية بالتكلفة الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية، ولذلك حرصت على إدراج برامج الحماية الاجتماعية ضمن البرنامج الاقتصادي، لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، مؤكدًا أن هذا التوجه جاء بمبادرة وطنية وليس استجابة لاشتراطات خارجية.

وأوضح أن صندوق النقد ينظر دائمًا إلى مدى استقرار الدولة، وكلما لمس قدرة الحكومة على التنفيذ، أبدى مرونة أكبر في التفاوض، لافتًا إلى أن المتغيرات الإقليمية، مثل الحرب في غزة وتراجع إيرادات قناة السويس، فرضت إعادة التفاوض لتعديل بعض المستهدفات بما يضمن مرونة البرنامج وقدرته على التكيف مع المستجدات.

الإصلاح الاقتصادي قرارات غير شعبوية لكن نتائجها تصب في مصلحة المواطن

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الإصلاح الاقتصادي بطبيعته عملية غير شعبوية، وقد تتطلب اتخاذ قرارات صعبة لا تحظى بقبول فوري، إلا أن تغليب المصلحة العامة للدولة يظل هو الأساس، مشددًا على ضرورة الإيمان بالبرنامج الوطني وتنفيذه مهما كانت التكلفة السياسية، لأن المواطن سيكون المستفيد النهائي من استقرار الاقتصاد وتحسن الأوضاع على المدى المتوسط.

دعم كامل لتعزيز الشراكة الاقتصادية المصرية اللبنانية

وفيما يتعلق بتعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان، جدد رئيس الوزراء تأكيده على دعم مصر الكامل للدولة اللبنانية، معتبرًا أن استقرار لبنان ونموه جزء لا يتجزأ من استقرار ونمو مصر.

وأوضح أن دور الحكومات يتمثل في تيسير الإجراءات وإزالة المعوقات أمام القطاع الخاص، مشيرًا إلى توجيهاته الفورية بحل المشكلات الإدارية التي تواجه الشركات اللبنانية، خاصة في ملف تسجيل الأدوية، بالتنسيق مع هيئة الدواء المصرية.

مصر بوابة للاستثمار نحو أفريقيا وأوروبا

وأكد رئيس الوزراء أن الاستثمارات المصرية واللبنانية المشتركة تمثل بوابة للنفاذ إلى أسواق أوسع، في ضوء اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط مصر بأفريقيا والاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن البنية التحتية الحديثة التي أنشأتها الدولة أصبحت عنصر جذب رئيسي للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأشار إلى أن الدولة اعتمدت على الشركات الوطنية، وتبنت آليات تنفيذ سريعة وغير تقليدية لتجاوز البيروقراطية، ما أسهم في إنجاز مشروعات البنية التحتية خلال فترة زمنية قياسية، مؤكدًا أن الإرادة السياسية والتخطيط الواضح والمتابعة المستمرة كانت سر النجاح.

رجال الأعمال اللبنانيون يشيدون بالتجربة المصرية

من جانبه، أكد محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية، أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، معلنًا عن الإعداد لمؤتمر اقتصادي بالقاهرة بعد شهر رمضان لدعم الشبكات الاستثمارية المصرية اللبنانية.

وأشاد رؤوف أبو زكي، مسئول مجلة الاقتصاد والأعمال، بالتحسن الملحوظ في مؤشرات الاقتصاد المصري، سواء في معدلات النمو أو استقرار العملة أو تدفق الاستثمارات الخليجية، مؤكدًا أن العلاقات الشعبية والاقتصادية بين مصر ولبنان تمثل رصيدًا استراتيجيًا يمكن البناء عليه، خاصة في قطاع السياحة.