تقنية "الكونفرنس" وثبوت الخلوة بين الزوجين.. المفتي يوضح الحكم
الجمعة، 07 فبراير 2025 01:54 م
السيد الطنطاوي
دكتور نظير عياد
قال الدكتور نظير محمد عياد مفتي الجمهورية، إن محادثة الزوجين من خلال ما يُعرف بـ "الفيديو كونفرانس" عبر الإنترنت، لا تُعدُّ خلوةً شرعيةً، حتى ولو رأى كلٌّ منهما الآخَر واطلع على ما يطلع عليه الأزواج من بعضهما، ومن ثمَّ فلا تجب بسببها العدة.
وإننا ننصح المتزوجين الذين عقدوا الزواج ولم يدخلوا أن يتجنبوا مثل هذه المحادثات التي تشتمل على كشف العورات وكلام لا يباح إلا بين الزوجين؛ سدًّا للذرائع، ودرءًا للشبهات، ومراعاة الأعراف والعادات.
جاء ذلك في توضيحه لسؤال تقول فيه صاحبته: تقدَّمَ لي شابٌّ للزواج مني، ثم سافر إلى دولة أجنبية، وتم بعد ذلك عقدُ زواجي عليه بتوكيل رسمي من أخيه، ولم نتقابل بعد عقد الزواج، وإنما كنا نتحدث معًا عن طريق برنامج الاتصال بالفيديو "الكونفرانس" على الإنترنت، وكنت أتكلم معه بحريتي باعتباره زوجي، وحدث بيننا خلافٌ تم الاتفاق بعده على الطلاق، فهل ما وقع بيننا من حديث ورؤية باعتبارنا زوجين عبر الإنترنت، يعد خلوة شرعية لها أحكامها عند الطلاق كوجوب العدة؟
وجوب مراعاة الأعراف عند الدخول بالمرأة أو الاختلاء بها بعد العقد
من المقرر شرعًا أن عقد الزواج إذا تمَّ صحيحًا بين الرجل والمرأة فإنه يحل لهما الاستمتاع ببعضهما، ولا خلاف في ذلك، قال الإمام ابن حزم في "المحلى بالآثار" (9/ 85-86، ط. دار الفكر): [لا خلافَ بين أحدٍ من المسلمين في أنه من حين يعقد الزواج فإنها زوجة له، فهو حلال لها وهي حلال له] اهـ.
غير أنَّ الأعراف جَرت بأن الدخول بالمرأة أو الاختلاء بها بعد العقد عليها، إنَّما يكون بعد إعلان زفافها إلى الزوج؛ فوجب احترام الأعراف ومراعاتها؛ صونًا وحفظًا للحقوق، قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، وورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ" رواه الإمام أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك".
قال الإمام الزركشي الشافعي في "تشنيف المسامع" (3/ 472-473، ط. مكتبة قرطبة): [قال ابن السمعاني في "القواطع": والعرف في الآية ما يعرفه الناس ويتعارفونه فيما بينهم، وكذا قال ابن عطية: معناه كل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، وقال ابن ظفر في "الينبوع": ما عرفته العقلاءُ أنه حسنٌ وأقرهم الشارع عليه؛ فمنه الرجوع إلى العرفِ والعادةِ في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية؛ كصغر صبية وكبرها، وإطلاق ماء وتقييده، وكثرة تغيره وقلّته... وكفء نكاحٍ، وتهيؤ زفافٍ] اهـ.
المقصود بالخلوة الشرعية وشروط تحققها
وأضاف فضيلة المفتي، أن الخلوة الشرعية التي تنبني عليها الحقوق والواجبات، وتترتَّب عليها الآثار والتَّبِعات، هي التي اشترطَ لها الفقهاء انفراد الزوج بزوجته بعد العقد في مكانٍ يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما، مع عدم وجود مانعٍ من الوطء (حقيقةً، أو طبعًا، أو شرعًا)؛ كما في "الاختيار" للعلامة ابن مَوْدُود المَوْصِلِي (3/ 103، ط. الحلبي)، و"التهذيب" للإمام البَغَوِي (5/ 523، ط. دار الكتب العلمية)، فهذه الخلوة تقوم مقام الدخول الحقيقي في ثبوت كامل المهر، ووجوب العدة؛ لكون هذه الخلوة سببًا مُفضيًا إلى الدخول الحقيقي، فأُقِيمت مقامَه احتياطًا، إقامةً للسبب مقام المسبَّب فيما يُحتاط فيه؛ قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، فالإفضاء هو الخلوة الشرعية، سواءٌ دخلَ الزوجُ بالزوجةِ أو لم يدخل بها؛ كما ذكره الإمام الكاساني عن الإمام الفَرَّاء في "بدائع الصنائع" (2/ 292، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام علاء الدين السَّمَرْقَنْدِي في "تحفة الفقهاء" (2/ 244، ط. دار الكتب العملية): [أما عدَّة الطلاق فثلاثة قروء في حق ذوات الأقراء إذا كانت حُرة... إذا كان بعد الدخول بها أو بعد الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح؛ لأنَّها تُوجِبُ كمال المهر، فتوجب كمال العدة بطريق الأَوْلَى احتياطًا] اهـ.
وقال فضيلته: فإذا فقدت شروط الخلوة الصحيحة أو أحدها: لم تترتَّب عليها أحكامها؛ بأن كان اجتماع الزوجين ليس في مكان واحدٍ حِسًّا يُمكِّنهما مِن الوطء، أو كان هناك مانِعٌ حقيقيٌّ من الوطء، لمرضٍ أو نحوه، أو كان هناك مانِعٌ شرعيٌّ، بأن كان أحدهما صائمًا صيام رمضان، أو كان هناك مانِعٌ طَبَعِيٌّ، بأن كان معهما ثالث.
ومن ذلك: المحادثات التي تجري بين الزوجين -قبل الدخول- عبر وسائل الاتصال الحديثة كـ"الفيديو كونفرانس"، والتي تُمَكِّنَ كلًّا من المتحادِثَين من رؤية الآخَر، مع عدم اطلاع الغير عليهما، وذلك لتيقُّن عدم التمكن من الوطء، فهذا وإن كان يُسمَّى اجتماعًا أو خلوة، إلَّا أنه لا يُعدُّ اجتماعًا حِسِّيًّا؛ لأنه لا يُفضي إلى الدخول الحقيقي، ومن ثمَّ لا تُعدُّ خلوة شرعية يترتَّب عليها آثارها.
الغاية من مراعاة الأعراف عند الدخول بالمرأة أو الاختلاء بها بعد العقد
وقال فضيلة الدكتور نظير عياد، إنه إذا كان الُعرف قد قيَّد الدخول بالمعقود عليها أو الاختلاء بها لحين زفافها لبيت الزوجية، فإنَّه تغيَّا بذلك حفظ الأعراض وصونها، والابتعاد عن المفاسد وأسبابها، فيما اصطلح عليه العلماء بـ"سد الذرائع"، فهو أصل من الأصول المعتمدة عند كثير من الفقهاء، وقد عَبَّر عنه الإمام القرافي المالكي في "شرح تنقيح الفصول" (ص: 448، ط. شركة الطباعة الفنية) بأنَّه: [حَسْم مادة وسائل الفساد دفعًا له، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلةً إلى المفسدة منعنا من ذلك الفعل. وهو مذهب مالكٍ رحمه الله] اهـ.
وهو مقصد شرعيٌّ في هذا الشأن، الذي أحاطه الشرع بالرعاية والصيانة؛ فعن بَهْزٍ قال: حدثني أبي، عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فإذا كان القوم بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا»، قُلْتُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
ولذلك فإننا ننصح المتزوجين الذين عقدوا الزواج ولم يدخلوا، أن يتجنبوا مثل هذه المحادثات، التي تشتمل على كشف العورات وكلام لا يباح إلا بين الزوجين؛ سدًّا للذرائع، ودرءًا للشبهات، ومراعاة للأعراف والعادات.
وأضاف فضيلته: بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ محادثة الزوجين من خلال ما يُعرف بـ"الفيديو كونفرانس" عبر الإنترنت، لا تُعدُّ خلوةً شرعيةً، حتى ولو رأى كلٌّ منهما الآخَر واطلع على ما يطلع عليه الأزواج من بعضهما، ومن ثمَّ فلا تجب بسببها العدة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
الرابط المختصر
آخبار تهمك
تحليل: كيف تشكّل السياسات والتقييمات حركة التداول في الأسواق العالمية قبل نهاية العام؟
16 ديسمبر 2025 04:14 م
علاقة سعر الذهب بالدولار: تاريخ من التنافس والارتباط العكسي وتحولات الأسواق العالمية
16 ديسمبر 2025 03:11 م
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدى اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر
16 ديسمبر 2025 09:36 ص
تحليل: التراجع المدفوع بتداولات الذكاء الاصطناعي يطلق موجة الشراء عند انخفاض السعر
15 ديسمبر 2025 05:06 م
أسعار جرام الذهب في السودان اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025
15 ديسمبر 2025 12:07 م
أسعار جرام الذهب في الأردن اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025
15 ديسمبر 2025 12:03 م
الأكثر قراءة
-
بث مباشر مباراة مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس أمم إفريقيا 2025
-
توقعات الأبراج ليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025: حظك اليوم استثمر طاقتك بحكمة
-
حفل افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير بالأوبرا ينطلق اليوم
-
توقعات حالة الطقس غدًا الأربعاء 17 ديسمبر 2025
-
الدكتورة عائشة المناعي: الفتوى مسؤولية حضارية وأمانة أخلاقية
-
منتخب مصر يستعيد نغمة الانتصارات أمام نيجيريا في ختام تحضيراته لأمم أفريقيا
-
شبانة يكشف كواليس صفقات الأهلي: دياباتي يقترب وبلعمري يخضع للكشف الطبي
-
حمادة صدقي: أداء منتخب مصر أمام نيجيريا مطمئن وإمام عاشور يصنع الفارق
-
بث مباشر مباراة برشلونة ضد جوادالاخار في كأس ملك إسبانيا
-
منتخب مصر يهزم نيجيريا بثنائية قبل منافسات أمم إفريقيا
-
افتتاح الدورة السابعة من مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير بدار الأوبرا
-
تعرف على حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 17 ديسمبر
-
شادي محمد: حسام حسن قدم مباراة فنية كبيرة أمام نيجيريا وكلنا ندعم المنتخب
-
منتخب مصر يستعيد نغمة الانتصارات أمام نيجيريا في ختام تحضيراته لأمم أفريقيا
-
شبانة يكشف كواليس صفقات الأهلي: دياباتي يقترب وبلعمري يخضع للكشف الطبي
أكثر الكلمات انتشاراً