الإثنين، 04 أغسطس 2025

01:03 ص

محمد حامد يكتب: صلاح منصور.. نجم الظل الذي أضاء الشاشة الفضية

الإثنين، 19 مايو 2025 10:56 ص

محمد حامد

محمد حامد

المتابع لتاريخ السينما المصرية، يعلم جيداً أن هناك فنانين حفروا حضورهم فى وجدان الجمهور بصدق الأداء، وعمق تقمص الشخصية التى يؤدونها باقتدار. من بين هؤلاء، وفى الصفوف الأولى يبرز اسم صلاح منصور، ذلك الممثل الذى تقمص الأدوار حتى انصهر فيها وانصهرت فيه، تاركاً خلفه إرثاً سينمائياً عظيماً لا يزال حياً بيننا، رغم رحيله المبكر منذ عقود. أطلق عليه النقاد وبحق لقب "الممثل الحقيقى" الذى يحمل على عاتقه همّ الشخصية قبل همّ الشهرة أو مساحة الدور أو الأجر.
اختار صلاح منصور الطريق الأصعب، وهو أن يترك بصمته فى كل دور يؤديه من أول فيلم شارك فيه بدور صغير جداً وهو فيلم "غرام وانتقام" (1944)، وحتى آخر أفلامه "ابن مين فى المجتمع" (1979)، والذى توفى قبل أن يستكمل دوره فيه، وعُرض بعد وفاته وكُتب على تتر الفيلم (الفنان الراحل صلاح منصور). وخلال هذه الرحلة التى امتدت 35 عاماً قدّم خلالها صلاح منصور أعمالاً أقل ما تُوصف به أنها خالدة.
شهد عام (1961) نقطة الانطلاق الحقيقية بالنسبة لصلاح منصور. فبعد عشرات الأفلام التى قدم فيها أدواراً صغيرة لا تتناسب مع موهبته، قدم منصور فيلم "مع الذكريات" للمخرج سعد عرفه (والد المخرجين شريف عرفه وعمرو عرفه). الفيلم كان بطولة أحمد مظهر ونادية لطفى ومريم فخر الدين، وقدم فيه منصور شخصية (مدبولى) عامل الاستديو الأحدب المخلص لصديقه الذى يعطف عليه (شريف ـأ حمد مظهر) فقام بوضع رصاص حقيقى فى مسدسه ليخلصه من (إلهام) التى كان يحبها ولكنها كانت تخونه. الدور كان معقداً جداً، ولكن صلاح منصور أداه ببساطة وسلاسة، محافظاً على جو الغموض الذى أراده المخرج للفيلم. 
فى نفس العام، قدم صلاح منصور فيلماً آخر مهما وهو فيلم "لن أعترف"، بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وأحمد رمزى وإخراج كمال الشيخ، حيث قدم شخصية (دياب قرنى) الذى يُحرّك أحداث الفيلم ويبتز البطلة، حتى يدارى على جريمة قتل، إلى أن يصبح هو ضحية لجريمة قتل وبنفس يد القاتل الحقيقى، ولكن يتم إتهام البطلة فى الجريمة لتستمر الأحداث، وينكشف القاتل الحقيقى آخر الفيلم. 
نجح الفيلمان نجاحاً كبيراً فى لفت نظر المخرجين إلى موهبة صلاح منصور، فبدأوا الاستعانة به فى أفلام هامة وأدواراً أهم. فشارك صلاح منصور فى العديد من الأفلام فى السنوات القليلة التالية مثل "شفيقة القبطية" و"اللص والكلاب" (1962) و"أدهم الشرقاوى" (1964) و"الاعتراف" و"المستحيل" (1965) و"ثورة اليمن" (1966) و"قنديل أم هاشم" و"البوسطجى" (1968) و"أنف وثلاثة عيون" (1972) و"أبو ربيع" (1973) و"العصفور" (1974)، كما شارك فى فيلم "الرسالة" (1976) للمخرج مصطفى العقاد. 
قدم صلاح منصور دور العمدة فى عدة أفلام منها "هارب من الأيام" (1965) مع فريد شوقى وسميرة أحمد. ثم قدم نفس الشخصية فى أشهر أفلامه على الإطلاق "الزوجة الثانية" (1967) مع سعاد حسنى وشكرى سرحان للمخرج صلاح أبوسيف. وقدم دور العمدة مرة أخرى فى فيلم "زوجة لخمسة رجال" (1970) مع ماجدة ورشدى أباظة. وبالرغم من أنه نفسه الدور (دور العمدة) الذى قدمه صلاح منصور فى عدة مسلسلات أيضاً، إلا أن منصور قدم دوره فى كل فيلم من الثلاثة أو فى المسلسلات بطريقة وطعم مختلف، وهذا هو سر عبقرية هذا "الممثل الحقيقى". 
كان صلاح منصور بارعاً فى أداء أدوار السلطة، من العمدة إلى الأب القاسى إلى رجل الأعمال القوى، إلى المجذوب صاحب الهيبة الشعبية، لكنه فى كل مرة كان يُقدّمها بروح جديدة، بدون تكرار وبدون أن يتحول إلى نمط.
صلاح منصور المولود يوم 17 مارس 1923 فى شبين القناطر بمحافظة القليوبية، بدأ حياته مهتماً بالصحافة، بل أنه عمل لفترة محرراً فى روزاليوسف، لكنه سرعان ما انجذب إلى المسرح، فالتحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وتتلمذ فيه على يد أستاذه زكى طليمات.
بعيدًا عن الأضواء، كان صلاح منصور مثقفاً قارئاً نهماً، يؤمن أن الممثل لا بد أن يكون صاحب عقل ووعي، قبل أن يكون صاحب موهبة. وهذا ما جعله ليس مجرد ممثل، بل كان "مدرسة" في الأداء الصادق، يعتمد على الصمت بقدر ما يعتمد على الكلام، وعلى التعبير الداخلي أكثر من الاستعراض الخارجى. أدواره كانت بمثابة دروس مفتوحة في كيف يكون التمثيل فنًا حيًا، لا مجرد حرفة.
حصل صلاح منصور على العديد من الجوائز، منها جائزة أحسن ممثل إذاعى مصرى من إذاعة صوت العرب عام (1954)، كما حصل على جائزة السينما عن دوره فى فيلم "لن أعترف" عام (1963). حصل أيضاً على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام (1964)، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية من أكاديمية الفنون عام (1978).
فى 15 يناير 1979، مات صلاح منصور عن عمر 55 عاماً بعد صراع مع المرض. غاب جسده، لكن ظلت ملامحه ونبراته محفورة فى ذاكرة الفن كممثل وكمخرج مسرحى أيضاً فهو مؤسس المسرح المدرسى مع أستاذه زكى طليمات، كما كان مستشار إدارة التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم حتى وفاته.

search