محمد حامد يكتب: اقتباس الأفلام الأجنبية فى السينما المصرية.. استسهال أم إبداع؟!
الإثنين، 21 يوليو 2025 11:24 ص

محمد حامد
عند مشاهدة بعض أفلام السينما المصرية، نشعر أنها تبدو مألوفة على نحو ما، وكأننا رأيناها من قبل. السر فى ذلك أن بعض هذه الأعمال يكون مقتبساً عن أفلام أجنبية. فى بعض الأحيان يُشير صُناع هذه الأفلام إلى الفيلم الأصلى أو القصة الأصلية المأخوذ عنها الفيلم المصرى، ولكن فى معظم الأحيان لا نجد هذه الإشارة فى تترات الأفلام. وبالرغم من أن الاقتباس ممارسة معترف بها في كثير من السينمات العالمية، فإن الغريب في الحالة المصرية أن أغلب هذه الاقتباسات تتم دون تصريح، ودون اعتراف واضح فى تترات العمل السينمائى.
الغريب أن بعض صُناع هذه الأفلام لا يكتفون باقتباس القصة العامة فقط، وإنما يقومون بنقل مشاهد كاملة بالحرف، من حيث الحوار، وزوايا التصوير، والديكور، بل وحتى حركات الممثلين.
ويُطلق على هذه الظاهرة مصطلح شائع وهو "التمصير"، أى تحويل الفيلم الأجنبى إلى نسخة مصرية تحمل طابعاً محلياً.
وقد بدأت السينما المصرية فى عملية الاقتباس مُبكراً، خاصة مع وجود الكثير من صُناع الأفلام المصرية فى بدايتها من الأجانب، أو المصريين الذين درسوا فن السينما بالخارج واختلطوا بالسينما العالمية وتابعوا إنتاجها.
فيلم "أمير الانتقام" (1950) من بطولة أنور وجدى وإخراج بركات، يُعد أحد أقدم الأمثلة على التمصير، وهو مأخوذ من رواية "الكونت دي مونت كريستو" لألكسندر دوماس، التي اقتُبست عنها عدة أفلام عالمية، أشهرها فيلم أمريكى بنفس الاسم صدر عام 1934. فى النسخة المصرية نتابع شاباً يُسجن ظلماً وينجح فى الهروب من السجن بعد سنوات ليعود لينتقم من كل من تسببوا فى سجنه، بنفس الروح والنهاية للفيلم الأجنبى، لكن فى سياق محلى.
بعد أكثر من عقد، جاء فيلم "أمير الدهاء" (1964) بطولة فريد شوقى ولنفس المخرج، وهو أيضاً مقتبس من نفس الرواية ومن نفس الفيلم الأمريكى، دون تغيير فى البنية الدرامية أو الأبطال، ولكن هذه المرة بالألوان الطبيعية.
فيلم آخر، والذى يُعتبر من أشهر أفلام الفنان عادل إمام، وهو فيلم "واحدة بواحدة" (1984) للمخرج نادر جلال، نجد أنه مأخوذ من الفيلم الأمريكى "Lover Come Back" (عُد يا حبيبى) (1961) بطولة روك هدسون، حيث يدور الصراع بين رجل وسيدة يعملان فى مجال الدعاية، ويخدعها البطل باسم مُنتَج وهمى (الفنكوش)، فتقع في حبه دون أن تدرى أنه هو نفسه الشخص الذى تنافسه وينافسها. الفكرة والسيناريو تم تمصيرهما بكفاءة، رغم نقل بعض المشاهد من الفيلم الأجنبى كما هى: مثل مشهد انفجار معمل الدكتور عبدالجواد أيوب، ومشهد استيقاظ البطل والبطلة من النوم ليجدا نفسهما متزوجين دون أن يدريان بسبب أكل الفنكوش.
فيلم "الإمبراطور" (1990) بطولة أحمد زكى وإخراج طارق العريان، كُتب على بوستر الفيلم أنه تأليف فايز غالى رغم أن الفيلم مأخوذ بوضوح من فيلم "Scarface" (الوجه ذو الندبة) (1983) بطولة آل باتشينو، حيث يحكى الفيلم رحلة شاب فقير يصعد فى عالم تجارة المخدرات حتى يصبح "إمبراطوراً"، قبل أن يسقط بشكل دموى. شخصية زينهم فى النسخة المصرية تكاد تكون صورة ممصّرة من (تونى مونتانا – آل باتشينو)، مع اختلاف اللهجة والبيئة فقط. بالمناسبة الفيلم الأجنبى سبق إنتاجه عام (1932) بنفس الاسم والقصة.
أما الفيلم المنقول بالمسطرة فعلاً فى كل مشاهده تقريباً فهو فيلم "طأطأ وريكا وكاظم بك" (1995) بطولة نجاح الموجى وچالا فهمى وكمال الشناوى، والمأخوذ من فيلم "Dirty Rotten Scoundrels" (الأوغاد الفاسدون) (1988) بطولة الرائعان ستيف مارتن ومايكل كين، الذي يدور حول نصابين يتنافسان على الاحتيال على ضحاياهم الأغنياء، لتأتى فتاة جميلة وتنجح فى النصب عليهما. الفكرة والمواقف وحتى بعض المشاهد جاءت بنفس التفاصيل، مع تمصير الأسماء والسياق فقط.
فيلم "شمس الزناتي" (1991) لعادل إمام مستلهم من فيلم "The Magnificent Seven" (العظماء السبعة) (1960)، المقتبس هو نفسه من الفيلم اليابانى "Seven Samurai" (السموراى السبعة) (1954)، حيث يتم استئجار مجموعة من الرجال لحماية قرية من عصابة الهليبة بقيادة المرشال برعى. النسخة المصرية حافظت على البنية تماماً مع استبدال البيئة والتفاصيل بالشكل والبيئة المصرية.
ومن الواضح أن الفنان عادل إمام كان من أكثر الفنانين الذين قاموا ببطولة أفلام مأخوذة من أفلام أجنبية. فنجد فيلمه "عريس من جهة أمنية" (2004) للمخرج على إدريس، مأخوذ من فيلم "Father of the Bride" (أبو العروسة) (1991) بطولة النجم الكوميدى ستيف مارتن، رغم كتابة اسم الكاتب يوسف معاطى كمؤلف للفيلم. وتدور قصة الفيلم حول أب يُحب ابنته بجنون ومتمسك بها ويرفض زواجها حتى لا تفارقه، ثم يدخل في صراع مع خطيبها قبل أن يستسلم في النهاية. التمصير جاء فى شخصية الأب رجل الأعمال، لكن البناء الدرامى والتطورات العاطفية جاءت طبق الأصل تقريباً من الفيلم الأجنبى.
فى فيلم "التوربينى" (2007) من بطولة شريف منير وأحمد رزق، نجد اقتباساً شبه مباشر من فيلم "Rain Man" (رجل المطر) (1988) لتوم كروز ودستن هوفمان، وللأمانة فقد ذَكَر صُناع الفيلم ذلك صراحة فى تتر الفيلم. وتدور القصة حول شقيقين أحدهما مصاب بالتوحد، فيحاول بطل الفيلم الاستيلاء على ميراث أخيه، ولكن تتطور علاقتهما أثناء رحلة سفر، ويتحول إلى الاهتمام بأخيه خاصة بعدما اكتشف مهارات أخيه المصاب بالتوحد وكيف ساعده على الخروج من عدة مآزق. أداء أحمد رزق فى "التوربينى" جاء قريباً جداً من أداء داستن هوفمان، بينما تم نقل المشاهد بنفس الترتيب. الفيلم المصرى كان من إخراج أحمد مدحت الذى أخرج للسينما فيلمين فقط هما "العالمى" ليوسف الشريف و"التوربينى" قبل أن يتفرغ لإخراج المسلسلات.
أفلام أخرى تم اقتباسها من أفلام أجنبية مثل فيلم "طير إنت" (2009) من بطولة أحمد مكى والمأخوذ من فيلم "Bedazzled" (المسحور) (2000)، حيث يمنح الجنى (العفريت) البطل فرصاً عديدة لتغيير شخصيته حتى يلفت نظر الفتاة التى أحبها.
وفى نفس العام، (2009)، قَدَّم أحمد حلمى فيلمه الرائع "1000 مبروك" المقتبس من الفيلم الأمريكى "Groundhog Day" (يوم جرذ الأرض) (1993)، والذى تتكرر فيه أحداث يوم البطل، حيث يموت فى كل مرة ثم يستيقظ ليجد نفسه فى بداية نفس اليوم.
كذلك، الفيلم المصرى "EUC" (2011) للمخرج أكرم فريد ومن بطولة كريم قاسم وعمرو عابد ومحمد سلام ومنة عرفة، مستلهم من فيلم "Accepted" (المقبولين) (2006)، حيث يفشل عدد من الشباب في دخول الجامعة فيقومون بإنشاء جامعة وهمية، تتحول لاحقاً إلى كيان حقيقى. البناء متطابق تماماً، والمواقف متكررة حتى فى تفاصيلها.
فيلم "أمن دولت" (2011) لحمادة هلال مقتبس من فيلم "The Pacifier" (السكاته أو التتينة) (2005) للنجم فان ديزل، حيث يتولى ضابط حماية أطفال سيدة أثناء غيابها فى مهمة رسمية، ويضطر للتعامل مع عالم مختلف عليه، قبل أن يكتشف قيمة ما يفعله. النسخة المصرية استخدمت نفس التطورات الكوميدية والعاطفية، مع تمصير الظروف والمكان فقط.
فيلم "جيم أوفر" (2012) بطولة يسرا ومى عز الدين مأخوذ من "Monster-in-Law" (حماتى المتوحشة) (2005)، حول أم تتدخل بشكل مبالغ فيه فى علاقة ابنها بخطيبته لأنها غير راضية عن زواجه منها.
فيلم "جوازة ميري" (2014) لياسمين عبد العزيز مقتبس من "This Means War" (هذا معناه الحرب) (2012)، حيث تتورط فتاة في حب شابين لا تعلم أنهما يتجسسان عليها ويتنافسان للفوز بها. السيناريو المصرى كرر نفس التفاصيل تقريباً مع تغيير بسيط فى الإطار الاجتماعى.
فيلم "الحرب العالمية الثالثة" للثلاثى شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمى (2014) مستلهم من فيلم "Night at the Museum" (ليلة فى المتحف) (2006) بطولة بن ستيلر والذى أُنتج منه أربعة أجزاء. حيث تدب الحياة فى تماثيل متحف خلال الليل. في النسخة المصرية استُبدلت الشخصيات التاريخية العالمية بشخصيات من تاريخ وثقافة مصر والعالم العربى، بينما ظلت الفكرة والمواقف كما هى.
هذه الأفلام مجرد أمثلة من الأفلام المصرية التي اقتبست أعمالاً أجنبية. بعضها اقتُبس مع إضافة إبداع صُناع هذه الأفلام، وبعضها الآخر نُقل حرفياً كما هو. وما بين تمصير مقبول يُضيف طعما مصريا حقيقا للقصة، وتمصير سطحى يكتفى بتغيير اللهجة والأسماء، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام اجتهادات فنية إبداعية، أم استسهال مُقَنَّع؟ خاصة مع غياب الاعتراف بمصدر الاقتباس فى بعض هذه الأفلام. وهنا يجب أن نمنح المشاهد حق المعرفة، وأن نعتبر "الاقتباس" شراكة ثقافية وفنية مشروعة.
وبينما يواصل المشاهد اكتشاف أن بعض الأفلام التى أحبها هى فى الحقيقة مقتبسة من أفلام أجنبية، تظل صناعة السينما مطالَبة بتحديد موقفها بوضوح: هل الاقتباس هو بوابة إبداع وشراكة ثقافية حقيقية، أم باب خلفى للكسل الفنى؟.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
10.2 مليار درهم تجارة الإمارات من خدمات الاتصالات خلال 2024 بنمو 4.3%
21 يوليو 2025 02:30 م
كيان إيجيبت تطرح سكودا “KAROQ 2025” الجديدة في السوق المصري
20 يوليو 2025 02:24 م
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الأحد 20 يوليو
20 يوليو 2025 07:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الخميس 17 يوليو
17 يوليو 2025 07:00 ص
أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الأربعاء 16 يوليو
16 يوليو 2025 07:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الاثنين 14 يوليو
14 يوليو 2025 07:00 ص
الأكثر قراءة
-
محمد حامد يكتب: اقتباس الأفلام الأجنبية فى السينما المصرية.. استسهال أم إبداع؟!
-
الاتحاد السكندري يواجه المقاولون العرب وديًا ضمن استعدادات الموسم الجديد
-
منتخب السلة يواجه إيران ببطولة بيروت الدولية الودية
-
دفاع الطفل ياسين: لا تسامح مع من يعتدي على براءة الأطفال
-
أهالي قرية اتريس يحتشدون لدعم مرشحي «مستقبل وطن» بانتخابات «الشيوخ»
أكثر الكلمات انتشاراً