الإثنين، 28 يوليو 2025

10:52 ص

باسم عوض الله يكتب: أخطر عوامل هدم المجتمعات: الإدارة الرَّخْوَة (٢)

السبت، 26 يوليو 2025 11:00 م

باسم عوض الله

باسم عوض الله

يظن الكثيرين أن الإدراة مجرد منصب يستطيع أن يُعطي الحاصل عليه كافة مقاليد ومميزات وسمات البراعة والمهارة والحنكة والعظمة، وكأنه معبر بين طرفين وما عليه سوى أن يعبره، وبكل تأكيد فذاك مفهوم هزلي وعبثي يدل على محدودية الأفق، بل وينمّ عن ضعف البصيرة وقِصَر البَصَر؛ حيث أن سلوكيات ومهارات البشر يكمن أساسها على عدة عوامل، يأتي في مقدمتها الفطرة الربانية والمنحة القدسية من الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي الجينات الوراثية والبيئة المحيطة والمكتسبات منذ الصغر والمؤثرات المجتمعية، وبعد ذلك كله تأتي الدراسة الأكاديمية والخبرة المهنية والممارسة الحياتية لِيُثقِلون ويغذون تلك السلوكيات والمهارات.

في البداية أود أن أوضح أن رئاسة البشر من أشد شهوات ومغريات الدنيا للإنسان وأكثرها فتنة، والتي قد ذكرت مدى خطورتها بكافة الكتب السماوية، فهي منحدر شديد الانزلاق والانحدار تصل بمن يلهث ورائها إلى الهاوية المدمرة. وقد حدثنا عنها حضرة سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم سَتَحْرِصُونَ على الإِمَارَة، وستكون نَدَامَةً يوم القيامة، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ»).

لكن دعونا أولًا ننظر إلى الإدارة بنظرة شمولية لا تقتصر فقط على المؤسسات والمنظمات وجهات العمل بوجه عام، فالإدارة تبدأ من إدارة الفرد لنفسه ولأفعاله بوجه خاص، فعندما يَضحى الفرد مستويًا قائمًا يعي جيدًا لما له من حقوق وما عليه من واجبات، يغدو حينها طريقًا مُمَهَّدًا لنفسه ولغيره خاليًا من العقبات والعثرات، أما إن حاد عن الصواب وانحرف عنه، بات حينها متراخيًا مترهِّلًا هشًّا سهلًا ليصبح منبعًا للعراقيل وبؤرة أذى لنفسه ولغيره.

بمقالة اليوم أود أن أسلط الضوء معكم أعزائي على أحد أخطر أنواع الإدارة وأصعبها وهي الإدارة الرَّخْوَة، والتي تتضح لنا ببساطة من مدلول هذا الوصف؛ فهي الإدارة الضعيفة المخلخلة والمتراخية السهلة التوجيه من أصحاب المصالح والذي يتصدرهم أحيانًا المدير نفسه. فالضَّعف هنا صوره شتَّى فمن الممكن أن يكون جُبنًا في اتخاذ القرارات الحازمة للقضاء على ظلمٍ بَيِّنٍ وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن الممكن أن يكمن في وجه مبتسم خلوق مُخدِّرٍ لمن أمامه ليذبحه بغتة بسيف الخبث والحياء، فيضيع الحق وينتشر الباطل، كما أتى بالقول المأثور (ما أخذ بِسَيف الحياء فهو حرام). وأيضًا من الممكن أن يأتي الضعف من خلال تصدير صورة قلة الحيلة من المسئول الغير مسئول، وما هو إلا هروبًا بَيِّنًا من تحمل المسئولية ليقابله مآرب أخرى، تبرز في تولية ذلك المسئول لبعض الآفات البشرية لمهام ومناصب تتحكم بمصالح ومستقبل البشر، فينخرون في حياة وأرزاق البشر ويدمرون المؤسسات.

أيضًا يتضح أمامنا عدة أنواع لكراسي السلطة ومنهم نوعان أساسيان؛ فهناك كراسي أكبر مكانة من الجالس عليها، فَيَرْنُو الجالس أن تنتقل تلك المكانة تلقائيًّا له وهنا تقع الطَّامة الكبرى. وفي الطرف الآخر هناك كراسي أصغر مكانة ممن يجلسون عليها، فينير جالسها كل زاوية بها وكل مكان يخطو به أو تصل إليه أصداء صوته. لأن الأشخاص هم من يعطون القيمة لمناصبهم وليس العكس، فمن ينتظر القيمة من منصبه كمن أحضر قطعة قماش بَالِيَة ثم قام بإخفائها تحت رداء فاخر، سيظل حينها مهما حصل الرديء رديئًا والقيِّم قيِّمًا. فالجوهر النَّقيّ التَّقيّ يبقى كما هو وإن قُذِف بالوَحل، أما الجوهر الخبيث فَيندثر وإن توارى بكل نَفِيس. لذلك يجدر بحديثنا أن يتطرق أيضًا إلى الفرق بين الإدراة والقيادة، فكل قائد مدير لكن ليس كل مدير قائد؛ لأن القيادة قدوة ومصداقية ونظام وإبداع وإنسانية ورفع لرايات الحق والعدل والرحمة، وليست مجرد منصب..!

search