البروفيسور غانم كشواني يكتب: الرِّضا كنز لا يفنى
الأحد، 03 أغسطس 2025 05:08 م

البروفيسور غانم كشواني
لطالما عرّفتُ "الرِّضا" في مقالاتي السابقة بأنه: “قبولُ ما هو مكتوب، وشكرُ ما هو موجود، والسعيُ إلى ما هو مفقود، بالتوكُّل على المعبود”. ويبدو أن للرضا أربعة أعمدة رئيسية: عمود القَبول، وعمود الشُّكر، وعمود السَّعي، وعمود التوكُّل.
فحين يقول الإنسان "أنا راضٍ"، فهو يعلن موقفًا داخليًا يتجاوز كونه مجرد شعور عابر. إنه إعلان عن وعي ناضج وفهم عميق لمعنى الحياة وتقلّباتها. الرضا هو أن تتقبّل تحدّيات الحياة، لأنها من سنن الكون، وتشمل الجميع دون استثناء. هو أن تشكر كل نعمة مهما كانت بسيطة، وألا تعتبر الخير أمرًا تلقائيًا أو مضمونًا. هو أن تسعى باستمرار نحو التطوّر ومواجهة الصعوبات، لأن السعي فريضة إنسانية لا تتوقف. وهو أخيرًا أن تُوكِل نتائج سعيك لله سبحانه، بعد أن تبذل كل ما في وسعك، مؤمنًا أن ما اختاره لك بعد جهدك هو الخير، حتى إن لم تفهم حكمته في اللحظة.
البعض يظنّ أن الرضا هو حالة من السكون أو الركود، لكن الحقيقة أنه وعي راقٍ يتجلّى في السكون الداخلي رغم الحراك الخارجي. هو أن تهدأ النفس وإن كانت العاصفة حولها مشتعلة. هو أن يخوض الإنسان معركة الحياة دون أن يفقد سلامه الداخلي، لأنه يثق بأن ما كُتب له، لن يخطئه، وأن ما قدّره الله فيه الخير وإن لم يُدرِكه بعد.
علمونا في الصغر أن "القناعة كنز لا يفنى"، وكأن القناعة فضيلة مطلقة في كل الأحوال. لكن بالتأمل، نُدرك أن القناعة ليست دائمًا مفهومًا إيجابيًا كما صوّروا لنا. القناعة المفرطة قد تُطفئ روح السعي، وتقتل الطموح، وتبرّر الركود. وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: “لو قنع الناس بما عندهم لهلكت السماوات والأرض".
وهنا يتجلّى الفرق بين القناعة السلبية، التي تُثبّت الإنسان في مكانه، والرضا الإيجابي، الذي يُوازن بين التقبّل والسعي، بين التسليم والطموح.
فالرضا الحقيقي ليس تقاعسًا عن الحركة، بل هو شُكر مع وعي، وسعي مع طمأنينة، وتسليم مع مسؤولية. هو أن تعيش راضيًا لأنك بذلت جهدك، ولأنك تؤمن أن ما اختاره الله لك هو عين الخير.
كل عمود من أعمدة الرضا الأربعة يحمل رسالة؛ فالقبول شجاعة، والشكر امتنانٌ يُغذّي القلب، والسعي حركة حياة، والتوكل ثقة راقية لا يعرفها إلا من ذاق طعم التسليم بعد الاجتهاد.
أنا راضٍ، ليس لأني أملك كل شيء، بل لأني أرى المعنى فيما أملك، وأفهم الحكمة فيما لا أملك. أنا راضٍ، لأني أدرك أن النقص جزء من الحكمة، والتحدّي طريق للارتقاء، والانتظار مرحلة تهيئة. أنا راضٍ، لأن الرضا يحرّرني من القلق، من المقارنات، من الشكوى، ومن الغضب غير المجدي.
وفي نهاية المقال، أقول: الإنسان الراضي هو إنسان متقبّل لتحدّيات الحياة، شاكر للنِّعم، الطموح في قلبه، ساعٍ للتحسّن المستمر، موكِّل نتائج سعيه لله سبحانه.
هو إنسان يمشي في الحياة بثبات، ويعلم أن الرضا لا يُعلَن في لحظة، بل يُعاش في كل لحظة.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
موعد صرف معاش "تكافل وكرامة" لشهر سبتمبر 2025.. و«التضامن» توضح آليات التسجيل والاستعلام
03 أغسطس 2025 02:05 م
استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 3 أغسطس 2025 وعيار 21 يفقد 90 جنيهًا دفعة واحدة
03 أغسطس 2025 01:59 م
استقرار سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 3 أغسطس 2025
03 أغسطس 2025 01:55 م
استقرار نسبي في سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 3 أغسطس 2025
03 أغسطس 2025 01:49 م
استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري الأحد 3 أغسطس 2025
03 أغسطس 2025 01:45 م
سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 3 أغسطس 2025
03 أغسطس 2025 01:40 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً