محمد مطش يكتب: القوة الناعمة.. جسر تواصل ورسالة سامية
الخميس، 21 أغسطس 2025 11:48 ص

محمد مطش
في عالم يتسم بالتغير السريع والتنافس الدولي، أصبحت أدوات التأثير التقليدية، مثل القوة العسكرية والاقتصادية، غير كافية بمفردها لتحقيق الأهداف الوطنية أو الدولية. لذا أصبح من الضروري ابراز أهمية مفهوم " القوة الناعمة"، التي تعتمد على القدرة على التأثير والإقناع وليس الإكراه، لبناء صورة إيجابية، وتوثيق العلاقات، وتعزيز مكانة الدولة على الساحة العالمية.
ويمكن تعريف القوة الناعمة، بأنها القدرة على جذب الآخرين وإقناعهم بقيم وأفكار وثقافة الدولة، بحيث يختارون بشكل طوعي تبنيها ودعمها، وأطلق هذا المصطلح في الأصل من قبل الباحث الأمريكي جوزيف ناي، الذي أكد أن القوة لا تكمن في فرض الأوامر أو استخدام القوة العسكرية، بل في القدرة على تشكيل الرأي العام، وتوجيه التصورات، وبناء صورة حضارية تُعبر عن هوية الدولة وقيمها.
أما على المستوى العملي، فتشمل أدوات القوة الناعمة مجالات متعددة، منها الثقافة، والإعلام، والتعليم، والفنون، والرياضة، والتواصل الحضاري، إضافة إلى الدور الدبلوماسي الناعم. فهي تعتمد على إحداث تأثير نفسي ومعنوي، يرجع إلى تفضيل المجتمع الدولي أو الشعوب لسياسات الدولة أو لنموذجها الحضاري.
والمدارس الفكرية الحديثة، تؤكد أن القوة الناعمة لا تقتصر على الحكومات فحسب، بل تتعداها إلى الأفراد، والمؤسسات، والمجتمع المدني. فالمثقفون، والفنانون، والإعلاميون، والجامعيون، ورواد الأعمال، ومؤسسات المجتمع المدني، هم من ينوبون عن الدولة في بناء الصورة الذهنية عنها، وتقديم نموذج حضاري يعكس القيم والثقافة الوطنية. وفي السياق ذاته، تظهر الشخصيات المؤثرة، سواء على مستوى الفني أوالأكاديمي أو الثقافي، كعناصر فاعلة تعبر عن الهوية الوطنية، وتساهم في تعزيز الصورة الإيجابية للدولة. فمثل هؤلاء هم بالفعل القوة الناعمة الحقيقية، لأنها تمتلك القدرة على الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع، وتحقيق تأثير عميق ومستدام.
ويقع على عاتق ممثلي القوة الناعمة مسؤولية كبيرة في تشكيل الصورة الذهنية للدولة، ويجب عليهم أن يكونوا على قدر من الحكمة والوعي والادراك في أدائهم، لأن عليهم الكثير من الأدوار لابد من تقديمها بصورة إيجابية ومقنعة، مثل تقديم صورة حقيقية ومتوازنة عن المجتمع والدولة، بشكل يبرز إنجازاتها، وتوضيح جهودها في التنمية، وتسلط الضوء على ثقافتها وقيمها الإنسانية، ايضاً تعزيز الحوار والتفاهم الثقافي والديني من خلال تنظيم فعاليات تروّج للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الشعوب، كذلك نشر المعرفة والثقافة عبر برامج تعليمية وإعلامية، تبرز تاريخ مصر وتراثها الحضاري، وتوضيح جهودها في التنمية والبناء، كما يجب أيضا الابتعاد عن المبالغة أو التهويل لأنها قد تؤدي إلى فقدان المصداقية، وتوليد ردود فعل سلبية.
على الجانب الاخر، يجب على ممثلي القوة الناعمة تجنب كثير من الأمور منها الاعتماد على الدعايات، أو الصور النمطية السلبية، لأنها تضر بالمصداقية وتقلل من تأثير الصورة الإيجابية، أيضا التصادم مع الثقافات أو القيم الأخرى، والذي قد يؤدي إلى نفور أو رفض من قبل الشعوب المستهدفة، وكذلك الانحياز أو التحيز في عرض الحقائق، لأنه يقلل من مصداقية الرسائل ويخلق نوعاً من الشك.
القوة الناعمة تعتبر الشباب هم الركيزة الأساسية لأي مجتمع، ومن أهم أدوات التأثير، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والفنون، والتعليم. فبتوجيه رسائل إيجابية تروج للثقافة المصرية، وتسلط الضوء على إنجازاتها، وتُشجع على القيم الإيجابية، يمكن أن تخلق حالة من التفاعل والارتباط بين الشباب وبلدهم، وتعزيز انتمائهم وولائهم. كما أن القوة الناعمة تلعب دورًا هامًا في بناء المجتمع من خلال نشر قيم السلام، والتسامح، والتنمية المستدامة. فالفنون والثقافة والتعليم والإعلام تُعد أدوات فعالة، في توجيه المجتمع نحو التطور، وتقوية الروح الوطنية، وإشاعة روح العمل الجماعي.
وتتمثل إحدى أهم مهام القوة الناعمة في تصدير صورة إيجابية عن مصر على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال إبراز إنجازاتها التنموية، ومشاريعها الثقافية والفكرية، ودورها في السلام والاستقرار. فمصر اليوم تسعى لأن تكون مركزًا إقليميًا للثقافة والاقتصاد، وتعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وفتح سوق العمل أمام الشباب، من خلال تقديم نماذج ناجحة لخططها التنموية. وإرسال رسائل إيجابية عن مصر يعكس استقرارها السياسي، وتطور بنيتها التحتية، وتنوع ثقافتها، ونجاحاتها في مجالات متعددة، مما يعزز من صورتها كدولة ذات رسالة حضارية، قادرة على استقطاب المستثمرين، وتشجيع السياحة، وتطوير قدرات أبنائها.
ختامًا، يمكن القول إن القوة الناعمة ليست مجرد أداة ترويجية، بل هي استراتيجية متكاملة تساهم في بناء صورة حضارية للدولة، وتطوير المجتمع، وتعزيز مكانة الوطن على الصعيد الدولي. فهي تخلق حالة من التوازن بين الدولة والعالم، وتعمل على ترسيخ القيم الإنسانية، وتدعيم روابط التعاون والثقة بين الشعوب.
إن استثمار مصر في أدوات القوة الناعمة، من خلال نشر ثقافتها، وتعزيز حضورها في الإعلام والفنون، وتطوير قدرات شبابها، هو السبيل الأكيد لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة. فالقوة الناعمة تُمكن المجتمع من أن يكون فاعلاً ومؤثرًا، وتُسهم في وضع مصر على خريطة العالم كدولة ذات رسالة حضارية، قادرة على التفاعل الإيجابي مع التحديات، وتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
سعر الدولار الأمريكي اليوم الخميس 21 أغسطس 2025
21 أغسطس 2025 09:00 ص
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الخميس 21 أغسطس
21 أغسطس 2025 07:00 ص
سعر الذهب اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025
20 أغسطس 2025 11:20 ص
استقرار سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025
20 أغسطس 2025 09:51 ص
استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025
20 أغسطس 2025 09:46 ص
استقرار سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025
20 أغسطس 2025 09:42 ص
الأكثر قراءة
-
محمد مطش يكتب: القوة الناعمة.. جسر تواصل ورسالة سامية
-
أحمد شيبة عن سرقة شقته بالإسكندرية: "إحنا عيلة واحدة ومفيش جديد"
-
أثناء قيادته سيارة معاقين.. القبض على البرلماني السابق رجب حميدة لتنفيذ أحكام بالسجن ضده
-
تعرف على حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس 21 أغسطس
-
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الخميس 21 أغسطس
أكثر الكلمات انتشاراً