الإثنين، 08 سبتمبر 2025

12:00 م

البروفيسور غانم كشواني يكتب: مهندس زميل وليس مهندس استشاري

الإثنين، 08 سبتمبر 2025 12:39 ص

البروفيسور غانم كشواني

البروفيسور غانم كشواني

البروفيسور غانم كشواني

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورًا متسارعًا في أنظمة الاعتماد المهني للمهندسين، يظل الجدل قائمًا في العالم العربي حول الفارق  بين لقبي "مهندس زميل" و"مهندس استشاري"، وهو جدل لا يقتصر على الجانب اللغوي فحسب، بل يمتد ليطال مسألة المكانة المهنية والاعتراف الدولي.

 ففي الجمعيات والنقابات الهندسية الغربية، سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يتم تطبيق نظام عالمي صارم يُعرف باسم "الهندسة الاحترافية"، وهو إطار دقيق يحدد مسارًا واضحًا لتطور المهندس منذ تخرجه وحتى بلوغه قمة المراتب المهنية.

يبدأ المسار بلقب مهندس خريج (Graduate Engineer) بعد التخرج مباشرة، حيث يدخل المهندس في مرحلة التأسيس وصقل المهارات واكتساب الخبرة العملية.

 ثم، وبعد سنوات من الممارسة والتدريب والالتزام بمعايير دقيقة تشمل اختبارات مهنية وساعات تطوير مهني وخبرة عملية موثقة، ينتقل المهندس إلى مرتبة مهندس محترف (Professional Engineer) عبر اعتمادات مهنية معترف بها عالميًا، مثل PE في الولايات المتحدة، وP.Eng في كندا، وCEng في المملكة المتحدة. 

وفي ذروة المسار المهني، يحصل المهندس على لقب مهندس زميل (Fellow)، وهو أعلى الألقاب المهنية وأكثرها تميزًا، إذ لا يُمنح إلا للمهندسين الذين تركوا بصمة واضحة في تخصصاتهم وأسهموا بإنجازات بحثية أو صناعية رائدة، ليصبح هذا اللقب معيارًا عالميًا للريادة والاحترافية.

أما في معظم الدول العربية، فيتبع كثير من النقابات الهندسية تدرجًا مختلفًا يبدأ بلقب مهندس خريج، ثم مهندس محترف، ثم مهندس استشاري. وهنا يكمن الخلط؛ فمصطلح "استشاري" في جوهره درجة وظيفية غالبًا ما تُستخدم للدلالة على موقع إداري أو خبرة إشرافية، وليست بالضرورة دليلًا على تحقيق معايير علمية ومهنية عالية تضاهي ما يتطلبه الحصول على لقب "مهندس زميل" في النقابات العالمية. ولتوضيح الفكرة، يمكن الاستعانة بالمثال الطبي؛ إذ يمكن للطبيب أن يُرقّى وظيفيًا من "طبيب اختصاصي" إلى "طبيب استشاري"، لكن ذلك لا يعني حصوله تلقائيًا على زمالة طبية عالمية (Fellowship). بل إن كثيرًا من الأطباء الاختصاصيين يمتلكون زمالات طبية مرموقة رغم أنهم لا يحملون لقب "استشاري"، وهو ما ينطبق تمامًا على المجال الهندسي؛ إذ إن لقب "مهندس استشاري" لا يعكس بالضرورة المكانة العلمية والمهنية التي يمنحها لقب "مهندس زميل".

وقد بدأت بعض الجمعيات والنقابات الهندسية العربية مؤخرًا في إدراك أهمية هذا الفارق، فبادرت إلى تعديل المصطلحات واستبدال لقب "مهندس استشاري" بلقب "مهندس زميل"، في محاولة لتقريب النظام العربي من المعايير العالمية.

 إلا أن هذا التغيير ما زال محدودًا، وما زال استخدام المصطلح القديم هو الأكثر شيوعًا حتى الآن.

 من هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى توحيد المصطلحات بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، ليس فقط لضمان الدقة المهنية، وإنما أيضًا لتعزيز مكانة المهندس العربي عالميًا ورفع مستوى الاعتراف بمؤهلاته واعتماداته.

إن اعتماد نظام احترافي موحّد من شأنه أن يفتح آفاقًا واسعة أمام المهندس العربي للمنافسة في الأسواق العالمية، والمشاركة في المشاريع الكبرى، وبناء جسور تعاون مع المراكز الهندسية الرائدة حول العالم.

 كما سيمنحه الثقة ليقف جنبًا إلى جنب مع نظرائه من المهندسين الدوليين ضمن معايير احترافية موحدة، وهو ما يعزز قيمة المهنة ويكرّس تاريخها العريق ودورها في التنمية البشرية والاقتصادية على حد سواء.

search