السبت، 13 سبتمبر 2025

11:14 م

السيد الطنطاوي يكتب: الإنسان بين كاميرا الموبايل والكاميرا الإلهية!!

السبت، 13 سبتمبر 2025 03:53 م

السيد الطنطاوي

السيد الطنطاوي

مع كثرة الاختراعات والابتكارات، التي أنتجها العلماء في العالم لخدمة البشرية، ومع التفكير المدقق في كل اختراع أو ابتكار، نجد أن هذه الاختراعات والابتكارات التي قام بها البشر، والذين هم من خلق الله سبحانه وتعالى، تصب كلها في الإيمان بالله عز وجل وبقدرته اللامتناهية، وأن التفكر فيها يزيد من الإيمان ولا ينقصه، ولكن من المهم أن يقوم الإنسان بإعمال العقل والتفكير بتأنٍ وهدوء المفكر والعالم. 

عندما نفتح صفحات المصحف، تقع أعيننا على كثير من الآيات التي تدعونا إلى التدبر والتفكر في خلق الله وفي آياته الكونية وآياته القرآنية، وقديما قال العلماء إن هناك كتابين هما كتاب الله المسطور وهو القرآن الكريم، وكتاب الله المنظور وهو الكون، بما فيه من خلق متنوع و"اختراعات وابتكارات" ملهمة، والاثنان أنت مطالب بأن تنظر فيهما وتتدبر آياتهما، وسوف تصل إلى نتيجة واحدة وهي الإيمان بالله والتسليم له!!

في هذه السطور، أدعوك إلى النظر في اختراع واحد، وهو كاميرا "الموبايل" أو كاميرا مراقبة “الشوارع”. والسؤال الذي سيتبادر إلى ذهنك: ما الرابط بين وجود كاميرا الموبايل أو كاميرات مراقبة الشوارع وبين الإيمان بالله عز وجل؟. 

وللإجابة عن هذا السؤال، لننظر إلى ما تقوم به كاميرا الموبايل أو كاميرا مراقبة الشارع، من ضبط المخالفين والخارجين على القانون، والمسيئين الذين يتجاوزون في حق الآخرين، ولننظر إلى قضايا الضبط والإحضار، التي كانت الصور أو الفيديوهات المصورة من هذه الكاميرات، سببا في محاكمة البعض، وردع البعض الآخر، و"تجريس" البلطجية على رؤوس الأشهاد، وكل ذلك من خلال بث الفيديوهات والصور على وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، ثم اعتذار البعض عما بدر منهم من إساءات في حق الناس أو القانون. هؤلاء لم يكن ليقوموا بهذا الاعتذار، إلا بعد أن شوهدوا من قبل جماهير السوشيال ميديا، ومن قراء ومشاهدي وسائل الإعلام والصحافة الناقلة عنها!!. 

في مقابل الكاميرات "البشرية" التي تستخدم في الرقابة والضبط، لاشك أن هناك كاميرات "إلهية" من الله سبحانه وتعالى مسلطة على جميع خلقه، مهمتها إقامة الحجة لهم أو عليهم يوم القيامة، إلى جانب “الكتاب المنشور” أو المطبوع لكل شخص، و"شهادة" أعضاء الجسم على ما فعله صاحبها خلال أيام وسنوات حياته!!. وإذا كان الإنسان يتجنب الأفعال السيئة أمام  كاميرا الموبايل أو كاميرا الشارع، حتى لا تكون دليلا أو حجة على فعله السيئ أمام الناس، وأمام السلطات والقضاء، فالأولى به أن يتجنب هذه الأفعال قبل ذلك أمام خالقه، وقد أعلمه الخالق سبحانه وتعالى أن أعماله مرصودة، سواء كانت هذه الأعمال في الخير أو في الشر. فالملكان عن يمينه وشماله يكتبون عنه كل شيء "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" ق 18، "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ" الانفطار 10-12.

ثم نجد أن الأعمال المسجلة للعباد ستكون في كتاب منشور، سيتلقاه الإنسان بيمينه إذا كان محسنا، أو بشماله إذا كان مسيئا: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا * من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" سورة الإسراء 13 ـ 15.

 من أشد الأمور وقعا على الإنسان وإيلاما له، أنه مع كل هذه الأدلة الدامغة، سيشهد عليه اللسان واليدان والأرجل "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" سورة النور 24.

بقليل من التأمل، نجد أن من سجلت له كاميرا الشارع أو صاحب موبايل صورة أو فيديو بسبب إساءة بدرت منه، أو فعل غير مقبول منه اجتماعيا، يقول لسان حاله: يا ليتني لم أقم بذلك الفعل، ويعتذر للناس ويطلب منهم أن يسامحوه، ويبرر فعلته بأي مبرر ولو كان ساذجا!!.

لا يأتي الندم من البعض إلا بعد التصوير، وانتشار الصور من "المشيرين" إلى رواد السوشيال ميديا، الذين بدورهم لا يقصرون في "التشيير" والنشر أيضا، فيكون صاحب الفعل السيئ في ورطة، وفي حرج كبير أمام أهله وأولاده وجيرانه، وأمام أصدقائه وزملائه في العمل!!

كثيرون يخجلون ويظهر عليهم الحرج من تصوير كاميرا الشارع أو كاميرا الموبايل لأفعالهم السيئة، وإظهارهم أمام الآخرين بشكل غير لائق "اجتماعيا"، فكيف إذا رآهم الناس يوم القيامة، من خلال صورة غير لائقة أو فيديو  مخجل. هؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة: "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول".

 

search