الخميس، 16 أكتوبر 2025

11:26 م

مصر ملاذ اللاجئين العرب وسندهم فى الشدائد

الخميس، 16 أكتوبر 2025 06:50 م

باسم ياسر

لاجئين سودانيين على المقهى فى القاهرة

لاجئين سودانيين على المقهى فى القاهرة

على رصيف محطة مصر في القاهرة، تجلس لاجئة سودانية في الأربعين من عمرها تحتضن طفلها الصغير، وهي تستعد لرحلة العودة الطوعية إلى أسوان ومنها إلى الحدود السودانية.

 تقول بصوتٍ مفعم بالامتنان: "لم نشعر يومًا أننا غرباء هنا.. المصريون يشاركوننا المأكل والمشرب، والأطفال يلعبون مع أطفالي في المدرسة نفسها."

قصتها ليست استثناءً، بل هي واحدة من آلاف الحكايات التي ترسم ملامح تجربة إنسانية فريدة يعيشها أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء في مصر، بحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر في سبتمبر الماضي، الذي وثّق وجود 1,056,651 لاجئًا وطالب لجوء من 58 جنسية، أغلبهم من السودان وسوريا وجنوب السودان وإريتريا واليمن.

 "لا مخيمات".. سياسة مصرية تنحاز للكرامة

 

منذ سنوات، اختارت مصر نهجًا مختلفًا عن كثير من دول العالم في التعامل مع اللاجئين.

 فبينما يعيش مئات الآلاف في أوروبا داخل مخيمات حدودية ضيقة ومحاطة بالأسوار، يعيش اللاجئون في مصر وسط المدن والقرى، يدرسون في المدارس نفسها، ويتلقون العلاج في المستشفيات الحكومية مثلهم مثل المواطنين.

وكما قال الدكتور محمد سالمان طايع، عضو اللجنة الاستشارية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى حوار تليفزيونى:

 "مصر لا تفرّق بين لاجئ أو مهاجر، سواء كان يحمل أوراقًا رسمية أو دخل بطريقة غير نظامية. الخدمات الصحية والتعليمية تُقدّم للجميع دون تمييز، ولا توجد لدينا مخيمات احتجاز."

هذه السياسة، التي تُعرف دولياً بـ"نهج اللا مخيمات"، منحت اللاجئين شعورًا بالكرامة والانتماء، لكنها في الوقت نفسه حمّلت الدولة أعباء مالية ضخمة. 

فقد أعلن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مؤخرًا أن ما تتحمّله مصر سنويًا لخدمة اللاجئين والمهاجرين يتجاوز 10 مليارات دولار، تشمل التعليم والصحة والطاقة والدعم الغذائي.

 لاجئون يندمجون في المجتمع المصري

 

السير فى حى السادس من أكتوبر بالقاهرة الكبرى، بوضح مدى اندماج اللاجئين والمهاجرين فى المجتمع المصرى، حيث افتتح المئات من الشباب السوريين مطاعم للمأكولات الشامية، بعمل بها آلاف الشباب من مختلف الجنسيات.

وكما يقول أحد الشباب: “حين جئت إلى مصر قبل سبع سنوات لم أكن أملك شيئًا، اليوم أعمل مع عشرة شباب مصريين وسوريين، ونعيش كأسرة واحدة.”

تقدّر منظمات دولية عدد المقيمين من اللاجئين والمهاجرين في مصر - سواء المسجلين رسمياً أو غير الرسميين - بأكثر من 9 ملايين شخص من نحو 133 جنسية، أي ما يعادل 8.7% من سكان البلاد.

 أوروبا.. المخيمات الباردة والقيود الصارمة

 

وعلى النقيض تمامًا، يعيش كثير من اللاجئين في أوروبا في ظروف إنسانية صعبة داخل مخيمات مغلقة. ففي جزر اليونان مثلاً، ما تزال مخيمات "ساموس" و"ليسبوس" تضم الآلاف في مساحات محدودة، وسط شكاوى من الاكتظاظ وسوء الخدمات الصحية، بحسب تقارير منظمة العفو الدولية (Amnesty International).

وفي السويد وألمانيا، رغم تطور الخدمات، إلا أن إجراءات الاندماج معقدة للغاية، تتطلب تعلم اللغة، والحصول على تصاريح عمل، والخضوع لبرامج تأهيل طويلة.

 ووفقاً لتقارير أوروبية، فإن ثلث اللاجئين في السويد غير قادرين على إعالة أنفسهم من دون دعم الدولة، فيما يعيش كثيرون سنواتٍ في انتظار قرار نهائي بشأن وضعهم القانوني.

أما في بعض الدول، فقد تم تشديد قوانين الجنسية والإقامة، بل وسحب جواز السفر من مزدوجي الجنسية المدانين بجرائم، إلى جانب تحديد سقف سنوي لأعداد المقبولين.

 مصر.. النموذج الإنساني رغم الضغوط

 

يقول هشام الجاهل عضو البرلمان المصرى:

 "عدد اللاجئين والمهاجرين في مصر ضخم جدًا، لكنه في الوقت نفسه يعكس ثقة إقليمية في أن مصر بلد آمن ومتسامح، لا يعرف العنصرية."

ورغم الضغوط الاقتصادية، تواصل الحكومة المصرية تحسين أوضاع اللاجئين، من خلال تمديد مدة الإقامة إلى عام، وتسيير رحلات قطارات أسبوعية للمساعدة في العودة الطوعية للسودانيين، إلى جانب تنسيق وثيق مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال وزير الخارجية والهجرة بدر عبد العاطي:

 "تستضيف مصر أكثر من عشرة ملايين لاجئ وضيف، وتضمن لهم بيئة تحترم الكرامة الإنسانية وتكفل الخدمات الأساسية دون تمييز، وأتحدى أن تكون هناك دولة في العالم تفعل مثلها."

 "الإنسان أولاً"

 

بين شوارع القاهرة المزدحمة وأسوار المخيمات الأوروبية، تتجلى الفوارق في فلسفة التعامل مع اللاجئين:

في مصر، الكرامة تسبق الورق، والإنسان يُعامل كضيف لا كرقم في طابور المساعدات.

الرابط المختصر

search