السبت، 18 أكتوبر 2025

08:40 م

وفاء أنور تكتب: الطفولة بين الواقع وفوضى الاغتراب

السبت، 18 أكتوبر 2025 09:31 ص

وفاء أنور

وفاء أنور

بعضنا يشتاق لأيام طفولته، يمتلىء حنينًا لسنوات عمره التي مرت على عجل، يتكرر هذا الشعور ويتنامى لديه من حين إلى آخر، يتعاظم كلما اشتدت عليه الفتن وارتفع صوت ضجيجها، كلما استعدت لمبارزته، كلما اقتربت منه وشمرت عن سواعدها، كلما تهيأت، استشرت، بغت وطغت، تحولت لطوفان جامح يبتلع كل ما يجده في طريقه، يدمره، يمحوه، ينثره في الهواء غبارًا، بلا رحمة ودون ندم.

يشد بعضنا الرحال ويمضى نحو طفولته البريئة، يحمله الحنين فيسافر إليها عبر طريق طويل يمر مسرعًا من خلاله، يعبر محطة تلو الأخرى، يروي ظمأه ثم يعود حاملًا معه قدرًا من سعادة حقيقية ـ غير زائفة ـ علها تخفف عنه بعضًا مما يسمع من حوله ومما يرى بعينيه، تحميه من أثر دعوات هدامة من بشر لا يملكون من الإنسانية نصيبًا إلا اسمها، تجذبه، تزين له الأهواء ببريقها الخادع؛ أملًا في إبعاده وتنحيته عن طريق مستقيم ارتضاه له ربه.

يسعى بكل طاقته لإشباع نفسه العطشى، يتبرأ من زيف أحاط به نفسه، يرفضه رفضًا باتًا، ينكره موضوعًا وشكلًا، يرفض الخضوع والاستسلام لرتوش ريشته التي تعمد لتشويه صورته المثلى، يستقي من نبع محبة لا نهاية له، يحيا بين بساتين من صدق، من إخلاص يتجدد ولا يبلى. 

إن وجدت نفسك تحرص على اتباع فطرتك السليمة وسط كل هذه الفوضى؛ فاعلم أن طفولتك ما زالت حاضرة، إنها تقوم بتنبيهك فتحذرك من سقوط بين الفتن قريب أو محتمل، تنحي عن طريقك كل مستحدث غريب يستنكره قلبك، ومن ثم يرفضه عقلك، تحول بينك وبين من حمل لك بقلبه الكاره حقدًا أو حسدا، تساعدك على تخطي مشكلات حياتك بسلام؛ فتباعد بينك وبين محاولاتك المستمرة للتأقلم معها. 

طفولتنا ستبقى هى الجهة الوحيدة الآمنة، هى النافذة التي تعكس معنى النقاء الحقيقي بداخلنا، طفولتنا شمس لا تغيب أبدًا، إنها نسمات من هواء عليل لا تتوقف عن مداعباتنا، زخات من عطر يحمل بشذاه أمانًا يضمنا ويطمئننا.

لا تفرطوا في طفولتكم واجعلوها نبراسًا يضيء لكم ظلمة ليالي الفتن الحالكة، استدعوها كلما برزت أمامكم معالم الفوضى وساد الشعور بالاغتراب بين البشر، واظبوا على الاحتماء ببراءة طفولتكم، تدثروا برادائها النقي الذي سوف يحفظ لكم سلام أنفسكم.

الرابط المختصر

search