الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

02:07 م

مينا غالى يكتب: "الواسطة" تُسجّل الأهداف و"الموهبة" على الدكّة!!

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 11:18 ص

مينا غالى

مينا غالى

مينا غالى

في زمنٍ أصبحت فيه كرة القدم صناعة متكاملة يحكمها نظام احترافي بحت، ما زالت بعض الأندية المصرية تتعامل معها وكأنها "ملكية خاصة" يتقاسمها أصحاب النفوذ والمصالح، لا منبعًا لاكتشاف الموهبة وصناعة النجوم. 

ولنا في ذلك نماذج عدة أبطالها إما لاعبون بزغ نجمهم في قطاعات الناشئين فجأة، ثم اختفوا فجأة أيضاً بلا رجعة.. ولاعبون ممتعون في الشوارع ومراكز الشباب لكن لا يجدون أي فرصة ليمرّوا حتى من أمام بوابة نادٍ. 

وفي المقابل نرى بعض اللاعبين المفروضين علينا على الساحة الرياضية، ليس لشئ إلا لأن أحدهم "ابن فلان النجم الأسبق"، أو قريب لـ"فلان المسؤول"!

بعد إنجاز المغرب التاريخي بالفوز بكأس العالم للشباب، وفي المقابل خروج مصر من الدور الأول بنتائج سلبية، عدنا – كالعادة- للحديث عن روشتة إصلاح الكرة المصرية وتطوير المنتخبات.. إلخ، إلا أننا دائماً ما ننسى المعيار الأساسي للنجاح وهو "الكفاءة" والاعتماد على من يستحق لا من جاء بالواسطة أو ناله من المحسوبية نصيبٌ أو كان أحد "أبناء العاملين"، أو لمعايير أخرى كثيرة ينظر إليها مدرّبو قطاعات الناشئين، هذا لو افترضنا أن غالبيتهم يستحقون لقب مُدرّب من الأساس أو كانوا حاملين لشهادات دولية في التدريب.

وأكبر الأدلّة على ذلك هي أن عدداً لا بأس به من المدربين الأجانب حينما يأتون إلى مصر لتدريب أندية أو منتخبات لفئات عمرية كبيرة كانت أو صغيرة، يعلّقون على مسألة "تأسيس اللاعبين"، وافتقادهم لأبسط أساسيات كرة القدم كالتسليم والتسلُّم والتحرك بدون كرة والتسديد والمراوغة، إلا مَنْ رحم ربي.

للأسف الكرة في مصر لم تعد تُدار من الملعب، بل من خلف المكاتب. 

لجان الاختبارات كثيرًا ما تتحول إلى مسرح للمجاملات، والنتائج تُحسم قبل أن تلمس الكرة أرض الملعب. 

في المقابل، هناك مئات الشباب الذين يملكون الموهبة الحقيقية، لكنهم يقفون خلف أسوار الأندية، ينتظرون فرصة لن تأتي إلا بتوصية أو مكالمة من "صاحب نفوذ"، والدليل على ذلك كمّ المواهب المدفونة التي نشاهدها عبر مقاطع السوشيال ميديا في دورات رمضانية وملاعب ترابية سيئة، ومع ذلك يقدّمون فواصل من السرعة والمهارة والتسديد والتمرير، لدرجة تجعلك تتساءل: "ما الذي ينقص هذا اللاعب عن أشباه اللاعبين في الدوري الممتاز أو أندية كبرى يتقاضون الملايين، رغم أنهم فعلياً لا يمتلكون مثل هذه الموهبة؟".

هذه الثقافة المريضة لا تقتل حلم اللاعب فقط، بل تُهدر مستقبل كرة القدم المصرية بأكملها. عندما يُهمَّش صاحب الكفاءة لحساب صاحب العلاقة، فإن المنظومة كلها تفقد مصداقيتها، وتتحول من بيئة تنافسية إلى دائرة مغلقة من المحسوبية.

 والنتيجة واضحة: أداء باهت، غياب للنجوم الحقيقيين، وهروب للمواهب إلى الخارج بحثًا عن من يقدّرهم. ففي عام 2018 تحدث الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة عن مشروع الألف مُحترف بحيث يصبح لدينا هذا العدد من اللاعبين خارج مصر لخدمة مختلف الفئات العمرية للمنتخبات بحلول 2030.. وها نحن في نهاية 2025، وعدد محترفينا الفعليين بالخارج لا يتجاوز أصابع اليدين- لو افترضنا- على أقصى تقدير.

المسؤولية هنا لا تقع على إدارات الأندية وحدها، بل على المنظومة التي تدير الكرة المصرية بأكملها، وغياب المشروع الحقيقي لبناء أجيال قادرة على الخروج للاحتراف ورفد المنتخبات الوطنية بلاعبين أكفّاء مثلما فعلت المغرب. 

كذلك لا يجوز أن أغفل مسؤولية الإعلام الرياضي، الذي كثيرًا ما يتغاضى عن هذه الممارسات الخاطئة في الأندية بدعوى "التهدئة" أو "الحفاظ على الشكل العام". أما الحقيقة، فهي أن كرة القدم لا يمكن أن تتطور في ظل المجاملات، ولا أن تنهض بغير عدالة.

إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالمشكلة. نحتاج إلى لجان اختيار شفافة، ومعايير واضحة، ومحاسبة حقيقية لكل من يتلاعب بمصير لاعب، لأن الكرة- ببساطة- لا تعرف الواسطة، الموهبة وحدها هي من يجب أن تُسجل الأهداف، لا العلاقات ولا الاتصالات.

الرابط المختصر

search