الأحد، 26 أكتوبر 2025

06:25 م

البروفيسور غانم كشواني يكتب: أفلام هوليوودية عن البحث العلمي

الأحد، 26 أكتوبر 2025 03:18 م

البروفيسور غانم كشواني

البروفيسور غانم كشواني

منذ بدايات السينما، سعت هوليوود إلى أن تجعل من العلماء والباحثين أبطالًا حقيقيين، وأن تنقل صورة المختبر والفكرة إلى الشاشة الكبيرة بلغة تجمع بين الدراما والخيال والتاريخ. هذه الرحلة السينمائية الطويلة بدأت بفيلم Apollo 13 عام 1995، الذي جسّد واحدة من أعظم لحظات التعاون العلمي في تاريخ البشرية، حين واجه فريق “ناسا” أزمة حقيقية في الفضاء وحوّلها إلى انتصار للعقل الهندسي والمنهج العلمي، ليبقى شعار الفيلم “الفشل ليس خيارًا” من أقوى ما قيل في روح البحث العلمي التطبيقي. ثم جاء فيلم A Beautiful Mind عام 2001 ليقدّم صورة مختلفة تمامًا للعالم، من خلال قصة الرياضي العبقري جون ناش الذي صارع مرضه العقلي وهو يبتكر نظريات رياضية غيرت فهم الاقتصاد والسلوك الإنساني. في هذا العمل، يتجلى البحث العلمي كرحلة داخلية في أعماق العقل البشري لا تقل تعقيدًا عن معادلات الرياضيات نفسها.

ومع دخول العقد الأول من الألفية الجديدة، انتقلت السينما إلى مرحلة جديدة في تناول العلم، حيث قدّم فيلم Avatar عام 2009 رؤية بيئية فلسفية، استخدم فيها الخيال العلمي لتذكير الإنسان بحدود التقنية أمام عظمة الطبيعة، مؤكدًا أن العلم لا يكتمل إلا حين يحترم البيئة ويخدم التوازن الكوني. وفي عام 2014 شهدنا عامًا استثنائيًا في تاريخ السينما العلمية، حيث عُرضت ثلاثة أعمال عظيمة في آن واحد: The Theory of Everything الذي تناول مسيرة ستيفن هوكنغ ونضاله من أجل فك أسرار الكون رغم مرضه، فكان شهادة على أن الفكر لا يعرف قيود الجسد؛ وفيلم Interstellar الذي دمج بين الفيزياء النظرية والعاطفة الإنسانية ليقدّم درسًا في الإصرار على المعرفة، حيث يصبح العلم وسيلة للبحث عن الأمل في أزمنة الظلام؛ إضافة إلى The Imitation Game الذي استعرض قصة آلان تورنغ، العالم الذي أسس الحوسبة الحديثة، وفتح الباب أمام عصر الذكاء الاصطناعي.

ثم تتابعت الأفلام التي تناولت العلم من زوايا أخلاقية وإنسانية أعمق، فجاء The Man Who Knew Infinity عام 2015 ليعيد الاعتبار للعبقرية الفطرية في قصة رامانوجان الهندي الذي اقتحم عالَم الرياضيات البريطاني بإلهام لا يعرف حدودًا، تلاه فيلم The Martian في العام نفسه ليحوّل فكرة البقاء على المريخ إلى ملحمة هندسية عن استخدام المنهج العلمي في مواجهة المستحيل. وفي عام 2017 عرض فيلم The Current War الصراع التاريخي بين إديسون وتيسلا حول الكهرباء، في مثال حيّ على العلاقة بين الابتكار العلمي والمنافسة الصناعية، ثم قدّم فيلم The Professor and the Madman عام 2019 رؤية جديدة للبحث كمشروع معرفي وإنساني من خلال القصة الحقيقية وراء إعداد قاموس أكسفورد، مبرزًا أن البحث العلمي لا يقتصر على الفيزياء والرياضيات، بل يشمل اللغة والفكر أيضًا.

واختتمت هوليوود هذا المسار الفلسفي بفيلم Oppenheimer عام 2023، الذي حوّل قصة العالم روبرت أوبنهايمر إلى تأمل عميق في أخلاقيات البحث العلمي، حيث يتحول العقل الباحث إلى ضمير متسائل أمام قوته الهائلة، في واحدة من أعمق صور الصراع بين الإنسان والعلم. وبين بداية هذه الرحلة مع “Apollo 13” ونهايتها مع “Oppenheimer”، نرى كيف تطوّرت صورة الباحث في السينما من العالِم المنقذ إلى المفكر المتأمل، ومن المختبر إلى الوعي الإنساني، ومن التجربة إلى المسؤولية. إن هذه الأفلام جميعها، على اختلاف عصورها وموضوعاتها، تؤكد أن العلم ليس مجرد معادلات وتقنيات، بل هو موقف أخلاقي وثقافي وإنساني، وأن الباحث الحقيقي هو من يجعل المعرفة طريقًا لإعمار الأرض قبل أن تكون وسيلة لامتلاك القوة.

Prof. Ghanim Kashwani 
PhD, CEng, FICE
26/10/2025
 

الرابط المختصر

search