الأحد، 26 أكتوبر 2025

06:31 م

الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ـ 9 جمادى الاولى 1447هـ

الأحد، 26 أكتوبر 2025 03:44 م

السيد الطنطاوي

وزارة الأوقاف

وزارة الأوقاف

أعلنت وزارة الأوقاف، عن اصدار الدليل الإرشادي، الرابع والعشرين من سلسلة “زاد الأئمة والخطباء” لـ خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م الموافق 9 جمادى الاولى 1447هـ تحت عنوان “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”.

وأوضحت وزارة الأوقاف أن الهدف من موضوع الخطبة، هو التوعية بمخاطر الفكر المتشدد وأثره في إنهاك وفساد المجتمعات.

وأضافت أن الخطبة الثانية ستكون بعنوان “التعامل اللائق مع السياح”، والتعريف بأن السياحة تُعد من القطاعات الحيوية التي تشكِّل دورًا مهمًّا في التنمية الاقتصادية والثقافية لأي مجتمع، وان حسن استقبال السياح والتعامل معهم بما تقتضيه الآداب الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الغير.

الخطبة الأولى

 ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى

الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وأصلي وأسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فيقول مولانا تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ} [طه: ٢] ومن هذا الخطاب نعلم أن جوهر شريعة الإسلام التيسير، ومقصدها تحقيق ما فيه سعادة الإنسان، وتجنب ما فيه الشقاء.

ولتجنب الشقاء بالقرآن لا بد من صحة الفهم لتكاليف الله تعالى، وحسن الاستيعاب لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمال الوعي بمقاصد الشريعة الغراء، من رفع الحرج ونفي المشقة وإزالة الضرر، والتزام التيسير وتجنب التعسير، وانتهاج التوسط وتنحية التشدد، وبيان الدين، وحمل أفعال الناس على المحامل الحسنة، وعدم الإسراع في التخطئة أو الرمي بالكفر؛ فإن هذا كله المعيار الصادق في البلاغ عن الله، والميزان العادل، في تحقيق ما يقصده القرآن، والقسطاس المستقيم في تطبيق ما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا فإن غياب هذا المعيار وفقدان هذا القسطاس، وما يترتب عليه من جلب الحرج والمشقة والإبقاء على الضرر، ورفع شعار التشدد والتعسير، بدعوى الحفاظ على الدين، ورمي أهل الإسلام بالكفر، وإخراجهم من دائرة الإسلام بفهمٍ مغلوط لنصوص الدين؛ لا يحقق مقاصد القرآن، بل يهدمها.

وإليك بيان ذلك:

القرآن الكريم ومقاصده الكبرى:

القرآن كلام الله الذي أنزله على سيدنا محمد لا لشقائه وشقاء أمته، بل لسعادته وسعادتهم، قال تعالى: {طه * ‌مَا ‌أَنْزَلْنا ‌عَلَيْكَ ‌الْقُرْآنَ ‌لِتَشْقى * إِلَاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى} [طه: ١- ٣].

وهو مصدر رحمة قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] تلك الرحمة التي نلمسها في تفاصيل ما جاء به، سواء ما يتعلق بأمور الإيمان وتوحيد الباري سبحانه وتعالى، أو ما يتعلق بمسائل الفقه والتشريع، أو ما يتصل بسلوكياتنا وأخلاقنا، أو ما يرتبط بمصيرنا في الآخرة.

رحمة لا يستطيع البشر -مهما فعلوا- أن يمنعوا وصولها، أو يحجبوا نورها، أو يسلبوها بعد التنعم بها، طالما أن الله تعالى هو الذي أذن بها، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ} [فاطر: ٢].

وهو منبع هداية، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩]، قال الطبري رحمه الله: "للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام... فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به" [جامع البيان في تأويل القرآن].

ويقول النسفي رحمه الله: "للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد الله والإيمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة" [مدارك التنزيل وحقائق التأويل].

وهو حامل بشارة، يبشر من آمن به وعمل بما فيه بالحياة الآمنة والعاقبة الحسنة والمنزلة العلية عند رب البرية سبحانه وتعالى، فيقول مولانا: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: ٩]، ويقول سبحانه: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف: ٢]، قال الطبري رحمه الله: "وقوله: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: ويبشر المصدقين الله ورسوله (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) وهو العمل بما أمر الله بالعمل به، والانتهاء عما نهى الله عنه (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) يقول: ثوابا جزيلا لهم من الله على إيمانهم بالله ورسوله، وعملهم في الدنيا الصالحات من الأعمال، وذلك الثواب: هو الجنة». [جامع البيان في تأويل القرآن].

كما أنه كتاب نذارة، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] وينذر من كذب به أو خالف تعاليمه وأوامره، بعذاب الله الذي أعده، قال تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء: ١٠] وقال تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: ٢] وكذا ينذر مَن يُخرج أصحاب القرآن من دائرة الإيمان ويرميهم بما يخالفه، وينسب ذلك إلى الله افتراءً على الله، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصف أحاب هذا الصنيع بأنهم شرار الخلق، ويعلل ذلك قائلا: "إِنَّهُمُ ‌انْطَلَقُوا ‌إِلَى ‌آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» وقد حذرنا الله من الافتراء عليه فقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦].

التيسير.. مبدأ إسلامي أصيل:

إن الدين يسر .. قاعدة جليلة تنطلق منها جميع الأحكام، لتجسد بذلك روح الإسلام وسماحته، فما جاءت تلك التعاليم إلا لتحقيق مصالح الناس ورفع الحرج عنهم، وشواهد القرآن على هذا كثيرة، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨]، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: ٦]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨].

ونصت السنة على هذا المعنى، وأكدت هذا المبدأ، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام أن يلتزموه في كل أحوالهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» [رواه البخاري]، وفي حديث أبي هريرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «‌إنما ‌بُعِثتُم ‌مُيَسِّرينَ، ولم تُبعَثوا مُعَسِّرينَ» [رواه أبو داود]، وعن أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» [متفق عليه].

وروت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: "مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا". [رواه البخاري].

قال القاضي عياض رحمه الله: "فيه الأخذ بالأيسر والأرفق، وترك التكلف وطلب المطاق، إلا فيما لا يحل الأخذ به كيف كان" [إكمال المعلم].

ومهما حاول الإنسان أن يشدد على نفسه أو غيره باسم الدين؛ فإنه يُغلَب، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ» [رواه البخاري].

قال ابن حجر: "والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع" [فتح الباري]

الفكر المتشدد .. العوامل والأسباب:

يقصد بالتشدد هنا التطرف في فهم الدين، وهو لا محالة من الخطورة بمكان، إذ إنه يصور الفهم الخاطئ لآيات القرآن ونصوص السنة النبوية في صورة الشرع الشريف، وعليه فيصدر أحكاما غير سديدة في وقائع كثيرة، يظن أنها من الدين وهي ليست كذلك، بل ويحمل الناس عليها، ويحاكمهم إليها، ويعاديهم إذا لم يستجيبوا إليه، والشرع الشريف بمنأى عن هذه الأخطاء المركبة التي انحرف بها صاحبها عن نهجه القويم وصراطه المستقيم، واستعلى بهذا الفهم الخاطئ على عباد الله الموحدين، ومرد هذا الفهم الخاطئ والمغلوط إلى عدة أمور:

عدم انتهاج نهج العلماء في الفهم عن الله تعالى، ومن ثم بيان مراده؛ فإذا كان تبيين مراد الله تعالى من عباده مقصدًا من المقاصد الكبرى، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]؛ فلا بد من تحري الدقة في الفهم عن الله أولا حتى يتسنى لنا البيان. وسنشير إلى بيان منهج العلماء لاحقا.

عدم سؤال العلماء الراسخين عن أمور الدين، وقد أمر الله عموم المؤمنين بفعل ذلك؛ حتى يعبدوا الله على بينة، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، يقول الجصاص رحمه الله: فأمر من لا يعلم بقبول قول أهل العلم فيما كان من أمر دينهم من النوازل، وعلى ذلك نصت الأمة من لدن الصدر الأول، ثم التابعين، إلى يومنا هذا، إنما يفزع العامة إلى علمائها في حوادث أمر دينها.

عدم رد الأمور المتنازع فيها والخفية إلى العلماء، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣]، قال الشاطبي رحمه الله: الله من على العباد بالخصوصية التي خص بها نبيه عليه الصلاة والسلام؛ إذ قال تعالى: {لِتَحْكُمَ بينَ النّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: ١٠٥] ، وقال في الأمة: {لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ منْهُمْ} [النساء: ٨٣] . [الموافقات].

الجرأة على الكلام في دين الله بغير علم، خاصة التجرؤ على الفتيا دون تحصيل ما تتطلبه من تمكن من العلوم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعل ذلك آثم، فقال: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» [رواه أبو داود في السنن].

 و عن جابر رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ..».

اجتزاء النصوص، ويراد بها الاكتفاء ببعض النصوص المستشهد بها، وإغفال البعض الآخر، ولعل هذا ما أشار إليه الشاطبي حيث قال: "فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه؛ فلا يتوصل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض". [الموافقات].

إنزال الآيات على غير موضعها، وهذه مفسدة عظيمة، إذ يترتب عليها حل الحرام وحرمة الحلال، إكفار المؤمنين وإخراجهم من دائرة الإيمان وساحته، وهذا ما وصف به ابن عمر الخوارج في قوله: "إِنَّهُمُ ‌انْطَلَقُوا ‌إِلَى ‌آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ".

منهج العلماء في بيان ما تضمنه الوحي الشريف:

يقول الدكتور أسامة الأزهري: للعلماء منهج في استنباط الأحكام من القرآن والسنة النبوية المطهرة، يتمثل هذا المنهج في عدة إجراءات:

جمع كل الآيات والأحاديث المتعلقة بالقضية -محل البحث- حتى يتم التصور الكامل لها في جميع أجزائها ومتعلقاتها، ولا يقتصر على بعض دون بعض، كما لا يقتصر في اتنباط الأحكام على آيات الأحكام فحسب، بل يتوسع في ذلك، يقول الطوفي رحمه الله: "فإن أحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقلَّ أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء من الأحكام". [شرح مختصر الروضة]

حسن تركيب النصوص، وضم بعضها إلى بعض، حتى يتقدم منها ما حقه التقديم، ويتأخر منها ما حقه التأخير، ليتيسر له التوصل إلى العام والخاص والمطلق والمقيد.

حسن النظر في جهات الدلالة، ومعرفة مدلولات الألفاظ.

التجرد من الأحكام المسبقة التي تستنطق القرآن بما لم يأت به.

معرفة مقاصد القرآن الكريم، حتى لا يستنبط منه معنى يعود على هذه المقاصد بالبطلان. [الحق المبين]

الإلمام بأساليب العربية، وقواعد التفسير؛ من معرفة الخاص والعام، والناسخ والمنسوخ، والبيان النبوي، والقواعد الفقهية، ومقاصد الشريعة.

الفكر المتشدد.. المخاطر والآثار:

لا ريب أن الفكر المتشدد انسلاخ عن الطبيعة البشرية، وخرق لفطرة الله تعالى في الخلق: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠]، وإن تحمَّله البعض؛ لانتكاس فطرتهم، فلن يطيقه غالبية البشر، وقد ألمح النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر ما يترتب على صنيع أصحاب هذا الفكر من اتهام للمجتمع بالشرك تارة وبالكفر تارة أخرى، فعن حذيفة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: «بَلِ الرَّامِي» [رواه ابن حبان].

ولا ريب كذلك أنه يمثل أزمة وجملة من المخاطر لا على الفرد فحسب، بل تتجاوزه لتنال المجتمع بأسره.

فعلى المستوى الفردي؛ فإنه يصيب صاحبه بحالة من الاستعلاء على المجتمع والترفع عنهم؛ إذ إنه يرى نفسه أنه على الحق دون من سواه. وعليه فيؤثر العزلة على الاختلاط؛ نظرًا لأن المجتمع على غير هدى في نظره، إلا بمن وافقه في أفكاره ورؤاه. يقول الأستاذ الدكتور علي جمعة: إن هؤلاء المتطرفين مهوسون بفكرة التميز عن بقية المسلمين، وكأنهم يرون في ذلك الضامن الوحيد الذي يضمن لهم البقاء والتمحور في كيان مستقل. [مقدمة الرد على خوارج العصر]

بالإضافة إلى إصابته بحالة من الجمود ورفض الآراء الأخرى؛ لقصور نظره وقلة علمه وفقهه، وغياب معاني اليسر والسماحة التي رافقت أحكام الشريعة الإسلامية حتى اكتملت.

أما على مستوى المجتمع، فيؤدي هذا الفكر إلى جملة من العلل، منها:

الانقسام والفرقة بين المجتمع الواحد، فيفترقون إلى أهل حق وأهل باطل، أو فريق هدى وفريق ضلال، وغير ذلك من الانقسامات التي أساسها هو الفهم المغلوط لنصوص الدين، وتوظيف لهذه النصوص في موضعها. وشأن أهل الإيمان جمع الكلمة وليس تفريقها، والعمل على لم شمل الأمة لا انقسامها، قال تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: ٩٢ - ٩٤]، يقول الأستاذ الدكتور علي جمعة: وانظر إلى الاعتذار الذي قدمه هارون عليه السلام، لقد خشي أن يتهم بجريمة التفريق بين بني إسرائيل، مما يشير إلى جريمة اجتماعية ارتكبها السامري ومن عاونه، فضلا عن الجريمة العقائدية الدينية التي فعلها بتعبيد بني إسرائيل للعجل، إنها تفكيك المجتمع وتقسيمه فرقا وأحزابا وجماعات بإنشاء الدين الموازي، والإله الموازي، والقائد الموازي، والنص والأوامر الموازية، وقد بقي حتى الآن في اليهودية أثر للتفريق الذي أحدثه السامري. [مقدمة الرد على خوارج العصر]

تقديم صورة مغلوطة عن الدين، أو بمعنى آخر تشويه صورة الدين، وذلك بما يقدمونه من معان للدين تخالف ما كان عليه الهدي النبوي الشريف.

احتكار الكلام باسم الدين، فهم يقصرون تفسير النصوص الدينية على ما يذهبون إليه، رافضين ما سواه من كلام العلماء الراسخين، بل يشوهون آراءهم، ليصرفوا عامة الناس عنهم.

أزمة في التدين والتزم تعاليم الدين، وذلك نتيجة طبيعية لحالة التشويش التي طرأت على المجتمع من جراء هذا الفكر المتشدد، الذي ما يفتأ يشكك في عقائد الناس وتعاليم الإسلام، واتهام الناس بأنهم خارجون عن حدوده وأنهم غير ملتزمين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وتفشي البدع والمخالفات فيهم.

إشاعة الفوضى وفقدان الثقة، في ظل هذا الفكر المتشدد وما يبثونه في المجتمع لا شك أن المجتمع سيفقد الثقة في كل من يبلغه عن الله تعالى، وسيشيع بين الناس نوع من فوضى في المفاهيم الدينية، يلتزم كل إنسان فيها ما استطاع أن يفهمه بنفسه دون الرجوع لأحد نتيجة كثرة الاختلافات والتشكيك.

انتشار الأفكار الإرهابية واختلال الأمن المجتمعي، نتيجة المفاهيم المغلوطة، والجرأة في إطلاق الأحكام، واتهام المؤمنين، تتفشى في المجتمع حالة من الإرهاب النفسي والتخوف من الغير لئلا يتهمه في دينه، ولربما تجاوزت الإرهاب النفسي إلى الاعتداء على النفس بشتى أنواعه.

الفكر المتشدد وسبل المواجهة:

في ظل انتشار هذه الأفكار في المجتمع المسلم يتحتم على كل إنسان أن يقوم بدوره تجاه دينه وعقيدته، وأن يواجه هذا الفكر المتطرف بكل وسيلة مشروعة تعمل على الحد من انتشاره، وذلك حرصا على المجتمع بأسره، وذلك من خلال عدة إجراءات:

الاستناد في الأمور الدينية إلى المؤسسات الرسمية للدولة التي ما زالت تحافظ على البلاغ عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، بمنهجية مستقاة متوارثة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٩].

تعزيز الوعي بمخاطر الفكر المتشدد، وأساليبه التي يغرر بها الكثير من أبناء المجتمع خاصة الشباب.

نقد وتفكيك أبرز المقولات التي أنشأها أرباب الفكر المتشدد، وأحاطوا أنفسهم بها، حتى لا يقع المجتمع في شباكهم، ولا تتطور هذه المقولات أكثر من هذا.

على الأسرة أن تغرس في نفوس صغارها أخلاق الإسلام من التسامح والوسطية وقبول الآخر والرحمة والسعة، ومراقبة ما يتلقاه أبناؤها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى المؤسسات التعليمية تسليط الضوء على جوهر الدين الإسلامي وسماحته في المناهج الدراسية.

عدم متابعة المنصات الاجتماعية التي تروج لهذه الأفكار المتشددة، في جميع صورها سواء ظهر صاحبها في صورة داعية أو مدرب أو معلم أو غير ذلك مما انتشر في الآونة الأخيرة.

الخطبة الثانية

التعامل اللائق مع السياح

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن الزيارات الخارجية للبلد أو ما يعرف بالسياحة تُعد من القطاعات الحيوية التي تشكِّل دورًا مهمًّا في التنمية الاقتصادية والثقافية لأي مجتمع. ثم إن حسن استقبال السياح والتعامل معهم بما تقتضيه الآداب الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الغير؛ يعكس صورة إيجابية عن البلد ويعزز من جاذبيته السياحية، كما أنه وسيلة مهمة لإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام وما يحمله من آداب عليا في احترام الآخر وحسن وفادته، ووبالمقابل، فإن التعامل غير اللائق مع السياح يمثل ظاهرة سلبية تضر بسمعة المجتمع وتؤدي إلى تراجع السياحة، وتكبّد الاقتصاد خسائر كبيرة.

وتهدف مبادرة "صحح مفاهيمك" إلى توعية أفراد المجتمع بضرورة تحسين سلوكيات التعامل مع السياح، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تؤدي إلى ظهور سلوكيات غير حضارية، مع التأكيد على القيم الدينية والأخلاقية التي تحث على حسن الخلق والكرم.

مكارم الأخلاق عنوان المسلم:

الأخلاق الحسنة في الإسلام هي أساس التعامل، والمسلم الصادق هو الذي يعامل الناس جميعا معاملة حسنة، مسلمين أو غير مسلمين، كما أمره الله {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، وكما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: التَّقْوَى، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِلَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ؟ قَالَ: الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ، وَالْفَرْجُ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» [رواه أحمد].

ولا يخفى أن الأخلاق الحسنة والتعامل الحسن كانت شعار المسلمين السابقين في نشر الإسلام وبيان ما يتضمنه من تعاليم وآداب، وكانت سببا في دخول الناس في دين الله أفواجا.

السائح مستأمن:

ولا يعني هذا مجرد توفير الطعام والشراب، بل يتعدى ذلك إلى توفير الأمان الشامل الذي يشمل الأمان النفسي، بحيث يشعر السائح بالاطمئنان والراحة وعدم الخوف من أي مكروه، ويشمل كذلك الأمان الجسدي، بحيث يكون محميًا من أي اعتداء أو إيذاء، وأيضًا الأمان المالي، فلا يجوز استغلاله أو خداعه أو ابتزازه، فالإضرار بالسائح أو انتهاك حرمته يُعدّ خرقًا صريحًا للتعاليم الإسلامية التي تُعلي من شأن الأمان والسلام. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه» [متفق عليه]، وفي رواية «‌مَنْ ‌سَلِمَ ‌النَّاسُ من لِسانِهِ ويَدِه» وهذا المبدأ ينطبق على كل البشر، بمن فيهم الزوار والسياح، فكيف إذا كانوا في ديار المسلمين ومستأمنين؟

حسن استقبال السياح من واجبات الضيافة:

حسن استقبال السُّياح مَعْلَمٌ من معالم "إكرام الضيف" المأمور بها شرعًا، أيًّا كانت ديانة هذا السائح، أو جنسيته حتى يُشعر الضيف أنه في موطن يحترمه ويقدِّره، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم قِرى الضيف بالإيمان بالله واليوم الآخر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». [متفق عليه].

وحسن الضيافة من عادة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فأول من ضيَّف الضيوف هو سيد إبراهيم عليه السلام قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: ٢٤].

قال الإمام الفخر الرازي: "فَإِنْ قِيلَ: بِمَاذَا أَكْرَمَهُمْ؟ قُلْنَا: بِبَشَاشَةِ الْوَجْهِ أَوَّلًا، وَبِالْإِجْلَاسِ فِي أَحْسَنِ الْمَوَاضِعِ وَأَلْطَفِهَا ثَانِيًا، وَتَعْجِيلِ الْقِرَى ثَالِثًا، وَبَعْدُ التَّكْلِيفُ لِلضَّيْفِ بِالْأَكْلِ وَالْجُلُوسِ". أ.ه. [مفاتيح الغيب، ٢٨/ ١٧٤].

والضيافة تشمل المؤمن وغيره، ولنا الأسوة الحسنة في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع "الوفود" التي وفدت إليها من غير المسلمين حيث تميزت بحسن الضيافة، والحكمة، والحصافة، والحِلم، والأناة، والصدق والأمانة مع تعدد مشاربهم، وتباين عقائدهم.

من هنا نفهم أن الضيافة لا تقتصر على إعداد الطعام والشراب فحسب، بل تشمل كذلك طلاقة الوجه، وإظهار الفرح بقدومه، وقد يحتاج السياح إلى مساعدة في العثور على مواقع سياحية أو الحصول على معلومة حول مكان ما، فكن متعاونًا قدر الإمكان، ولا تقدم لهم معلومات مُضلِّلة، واحترم ثقافتهم وعاداتهم، ولا تتخذ منهم مثاراً للضحك والسخرية.

التسامح مع السائح من أخلاقيات الإسلام:

حث الشارع الحكيم على "المسامحة" مع غير المسلم؛ فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» [رواه أحمد].

لهذا يجب علينا أن نتسامح في معاملاتنا مع زائري بلادنا خاصة عند "البيع والشراء"؛ لأن هذا ما حثنا عليه الإسلام؛ فعَنْ جَابِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» [رواه البخاري].

قال الإمام ابن حجر: "قوله: "سَمْحَاً": أي: سهلاً وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت؛ فلذلك كرر أحوال البيع والشراء، والتقاضي، والسَّمْح: الجواد يقال: سمح بكذا إذا جاد، والمراد هنا المساهلة...، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم".  [فتح الباري].

قال الطاهر بن عاشور عن السماحة إنها "أول أوصاف الشريعة، وأكبر مقاصدها...، وللسماحة أثر في سرعة انتشار الشريعة، وطول دوامها؛ إذ أرانا التاريخ أن سرعة امتثال الأمم للشرائع، ودوامَهم على اتباعها كان على مقدار اقتراب الأديان من السماحة، فإذا بلغ بعض الأديان من الشدة حداً متجاوزاً لأصل السماحة لحِق أتباعَه العنتُ، ولم يلبثوا أن ينصرفوا عنه أو يفرطوا في معظمه" [مقاصد الشريعة الإسلامية].

السياحة والتقارب الرشيد:

ما أحوجنا الآن إلى ترسيخ "ثقافة الضيافة الراشدة"، لا جعلها مجاملة اجتماعية فحسب؛ لأن السائح الذي يشعر بحسن معاملته يعود إلى دولته ناقلًا صورة مشرفة عن أهل البلد التي قَطَن فيها، وهو ما يُسهم في تعزيز التقارب الثقافي بين الشعوب والدول، ورد المغالطات الفكرية التي تثار عن أصحاب هذا البلد أو عن دينهم.

وعلى المرء أن يحترم النفس الإنسانية دون النظر للعقيدة أو الشكل أو الجنس أو العِرق؛ لأن الله أوجد البشرية، وجعل "التعارف" بينهم مقصداً أساسياً؛ لتسقيم الحياة على الأرض قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].

سلوكيات مرفوضة شرعا في التعامل مع السائح:

إذا كانت المعاملة الحسنة تعكس صورة حقيقية عن تعاليم الإسلام السمحة، والإنسان سفير لدينه ووطنه، وتصرفاته تُعبِّر عنه، وعن بيئته، ويحرص كل فرد في المجتمع على تقديم صورة إيجابية ابتداء من هيئته، وحديثه، وانتهاءً بتصرفاته اليومية؛ فإن المعاملة السيئة لا محالة تعكس صورة سيئة عن الإسلام وتعاليمه، ومن جملة هذه السلوكيات المرفوضة:

الاستغلال المالي، ربما يزين الشيطان للإنسان أن يحتال على السائح، أو يستغله بسبب عدم معرفته باللغة وبالأسعار، وهو محرم شرعًا.

الغش والخداع، وهو خلق مذموم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «مَن غَشَّ فلَيسَ مِنِّى» [رواه البيهقي]

الإساءة اللفظية، وهو أمر يتنافى مع ما دعا إليه الإسلام في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، وليحذر المسيء للسياح أن النبي صلى الله عليه وسلم خصيمه يوم القيامة؛ فعن صَفْوَان بن سُلَيْمٍ عن عِدَّةٍ، مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه أبو داود].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» [رواه النسائي، وأحمد].

قال العلامة علي القاري: "مِنْ لِسَانِهِ": أي: بالشتم، واللعن، والغيبة، والبهتان، والنميمة، والسعي إلى السلطان، وغير ذلك، حتى قيل: أول بدعة ظهرت قول الناس الطريق الطريق. "وَيَدِهِ": بالضرب، والقتل، والهدم، والدفع، والكتابة بالباطل، ونحوها، وخصا؛ لأن أكثر الأذى بهما، أو أريد بهما مثلاً، وقدم اللسان؛ لأن الإيذاء به أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية كما قال: وعبر به دون القول؛ ليشمل إخراجه استهزاء بغيره ...، فهي استصلاح، وطلب للسلامة". [مرقاة المفاتيح].

التضليل عند طلب المساعدة، الإرشاد إلى الأماكن أمر حث عليه الإسلام ورتب على ذلك أجرا، وعده من أبواب الصدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوَلَيْسَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التكبير،.. وتدلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا» فالواجب علينا أن نتعامل بأمانة في توجيه السياح خاصة في اختيار الأماكن الأنسب لهم وإرشادهم إلى الطرق الموصلة لها.

 التعامل غير اللائق مع السياح دليل على انعدام الوطنية الحقيقية:

الانتماء للوطن لا يكون بالشعارات الرنانة، ولا العبارات الفضفاضة الجوفاء، ولكن بالعمل والبناء، والدفاع عنه، وبذل الغالي والنفيس حتى تظل رايته عالية خفَّاقة، ولا خلاف أن التعامل غير اللائق مع السائح يعطي انطباعاً سيئاً عن أهل هذه البلد، ويقلل من جاذبيتها السياحية، وبالتالي يتكبَّد الاقتصاد المحلي خسائر فادحة، ومن ثم يؤثر على التنمية والتقدم بشكل عام.

كما أنها تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الدخل القومي، وزعزعة الاستقرار والثقة في التعامل مع أهل هذه البلاد، وتجعل السياح حذرين متوجسين حين التجوال والتنقل، فتنعدم قيم الصدق والأمانة، والعدل، والاحترام المتبادل، والمحبة والألفة، وتسود صور الاستغلال والجشع، والكذب والخيانة، وهذا ما يتعارض مع جماليات الإسلام، وأعراف وتقاليد هذا الوطن.

اقرأ أيضا:

بحث إنشاء مكتب للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بماليزيا

خطبة وزارة الأوقاف غدا الجمعة 24 أكتوبر 2025م ـ 2 جمادى الاولى 1447هـ

الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م ـ 2 جمادى الاولى 1447هـ

الأزهر الشريف يفتتح أروقة تعليمية جديدة لذوي الهمم بالمحافظات

وفد من الشئون الخارجية الدنماركية يبحث مع الأزهر ترسيخ قيم التعايش وقبول الآخر

بروتوكول تعاون بين جامعتي الأزهر والقاهرة لتنفيذ الخطط المستقبليَّة لأجندة مصر 2030

بحث سبل التعاون بين دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية الماليزية

تخصيص عدد من الوحدات كمقرات لدار الإفتاء المصرية بالمدن الجديدة

مفتي الجمهورية يوضح حكم الشرع في تحديد جنس الجنين

دكتور شوقي علام يبين حكم عمل ختمة قرآن ووهب ثوابها للمتوفى

دكتور شوقي علام: أسبابٍ موضوعية لعدم مساواة المرأة والرجل في كل شيء

مفتي الجمهورية يبين حكم صلاة المرأة بالنقاب

الدكتور شوقي علام يبين حكم الحسد وعلاجه

دار الإفتاء: الزواج مقدم على الحج للشباب في حالة واحدة

فاتتني بعض التكبيرات مع الإمام في صلاة الجنازة.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

الرابط المختصر

search