الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

04:04 م

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 31 أكتوبر 2025م ـ 9 جمادى الاولى 1447هـ

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 01:25 م

السيد الطنطاوي

خطبة الجمعة "أرشيفية"

خطبة الجمعة "أرشيفية"

أعلنت وزارة الأوقاف، عن موضوع خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م الموافق 9 جمادى الاولى 1447هـ تحت عنوان “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”.

وأوضحت وزارة الأوقاف أن الهدف من موضوع الخطبة، هو التوعية بمخاطر الفكر المتشدد وأثره في إنهاك وفساد المجتمعات.

وأضافت أن الخطبة الثانية ستكون بعنوان “التعامل اللائق مع السياح”، والتعريف بأن السياحة تُعد من القطاعات الحيوية التي تشكِّل دورًا مهمًّا في التنمية الاقتصادية والثقافية لأي مجتمع، وان حسن استقبال السياح والتعامل معهم بما تقتضيه الآداب الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الغير.

وينشر “المصري الآن” نص خطبة الدكتور خالد بدير وهو من علماء ةزارة الأوقاف المصرية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م، للدكتور خالد بدير، بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ : كما يلي:

أولًا: القرآنُ الكريمُ  رحمة وسعادة للعالمين.

ثَانِيًا: التشدّدُ في الدينِ طريقٌ إلى الشقاوةِ.

ثَالِثًا: الحياةُ بين السعادةِ والشقاوةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م، للدكتور خالد بدير، بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ : كما يلي:

نص خطبةٌ بعنوان: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ).

9 جمادى الأولى 1447هـ – 31 أكتوبر 2025م

المـــوضــــــــــوعُ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أولًا: القرآنُ الكريمُ  رحمة وسعادة للعالمين.

لقد أنزلَ اللهُ سبحانَه وتعالى القرآنَ الكريمَ رحمةً وسعادةً وهدايةً للعالمين، قالَ تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}. [الإسراء: 82]. ويقولُ جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 57)، كما أرسلَ رسولَه ﷺ بالقرآنِ رحمةً للعالمين فقالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}. [الأنبياء: 107].

فالقرآنُ الكريمُ نزلَ رحمةً وسعادةً، لا للعذابِ والشقاءِ. قالَ تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}. [طه: 1-2]. قالَ السعدي في تفسيرِه: “ليسَ المقصودُ بالوحيِ، وإنزالِ القرآنِ عليكَ، وشرعِ الشريعةِ، لتشقى بذلك، وإنما جعلَه موصلًا للسعادةِ والفلاحِ والفوزِ”. (تفسير السعدي).

وقالَ الرازي في تفسيرِه: “قالَ مقاتلٌ إنَّ أبا جهلٍ والوليدَ بنَ المغيرةِ ومطعمَ بنَ عديٍّ والنضرَ بنَ الحارثِ قالوا لرسولِ اللهِ ﷺ: إنك لتشقى حيثُ تركتَ دينَ آبائِك. فقالَ ﷺ: «بَلْ بُعِثْتُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ». قالوا: بل أنتَ تشقى، فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآية. – إلى أن قال – وهذا القرآنُ هو السببُ في إدراكِ كلِّ سعادةٍ… وثانيها: ما أنزلناه لتُهلكَ نفسَك بالعبادةِ وتُذيقَها المشقةَ العظيمةَ، وما بُعثتَ إلا بالحنيفيةِ السمحةِ”. (التفسير الكبير).

وفي هذا المعنى يقولُ الرسولُ ﷺ: «كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ، وَأَخَذَ بِهِ، كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ، ضَلَّ». (مسلم).

ومما يدلُّ على أنَّ القرآنَ الكريمَ كتابُ هدايةٍ ورحمةٍ وسعادةٍ وإعجازٍ بكلامِه وبلاغتِه هذانِ الموقفانِ:

الموقفُ الأولُ: مع ثلاثةٍ من زعماءِ قريشٍ، وكيف كانوا مغرمينَ بسماعِ القرآنِ وهم على شركِهم وكفرِهم.

فقد ذكرَ محمدُ بنُ إسحاق، عن الزهري، في قصةِ أبي جهلٍ حين جاءَ يستمعُ قراءةَ النبيِّ ﷺ من الليلِ، هو وأبو سفيانَ صخرُ بنُ حربٍ، والأخنسُ بنُ شريقٍ، ولا يشعرُ واحدٌ منهم بالآخرِ. فاستمعوها إلى الصباحِ، فلمّا هجمَ الصبحُ تفرقوا، فجمعتهم الطريقُ، فقالَ كلٌّ منهم للآخرِ: ما جاءَ بك؟ فذكرَ له ما جاءَ له ثم تعاهدوا ألّا يعودوا، لما يخافون من علمِ شبابِ قريشٍ بهم، لئلّا يفتتنوا بمجيئِهم. فلمّا كانت الليلةُ الثانيةُ جاءَ كلٌّ منهم ظنًّا أنّ صاحبَيه لا يجيئان، لما تقدمَ من العهودِ، فلمّا أجمعوا جمعتهم الطريقُ، فتلاوموا، ثم تعاهدوا ألّا يعودوا. فلمّا كانت الليلةُ الثالثةُ جاؤوا أيضًا، فلمّا أصبحوا تعاهدوا ألّا يعودوا لمثلها، ثم تفرقوا. فلمّا أصبحَ الأخنسُ بنُ شريقٍ أخذَ عصاهُ، ثم خرجَ حتى أتى أبا سفيانَ بنَ حربٍ في بيتِه، فقالَ: أخبرني يا أبا حنظلةَ عن رأيكَ فيما سمعتَ من محمدٍ؟ قال: يا أبا ثعلبةَ، واللهِ لقد سمعتُ أشياءَ أعرفها وأعرفُ ما يرادُ بها، وسمعتُ أشياءَ ما عرفتُ معناها ولا ما يرادُ بها. قالَ الأخنسُ: وأنا، والذي حلفتَ به. ثم خرجَ من عندِه حتى أتى أبا جهلٍ، فدخلَ عليه في بيتِه فقالَ: يا أبا الحكم، ما رأيكَ فيما سمعتَ من محمدٍ؟ قالَ: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبدِ منافٍ الشرفَ: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركبِ، وكنا كفرسي رهانٍ، قالوا: منّا نبيٌّ يأتيه الوحيُ من السماءِ! فمتى ندركُ هذه؟ واللهِ لا نؤمنُ به أبدًا ولا نصدقهُ. فخلا الأخنسُ بأبي جهلٍ فقالَ: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمدٍ: أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليسَ هاهنا من قريشٍ غيري وغيركَ يسمعُ كلامنا. فقالَ أبو جهلٍ: ويحكَ! واللهِ إنّ محمدًا لصادقٌ، وما كذبَ محمدٌ قط، ولكن إذا ذهبتْ بنو قصيّ باللواءِ والسقايةِ والحجابِ والنبوةِ، فماذا يكونُ لسائرِ قريشٍ؟ فذلك قولهُ تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: 33). (تفسير ابن كثير).

الموقفُ الثانِي: كبيرُ قريشٍ الوليدُ بنُ المغيرةِ، ترسلُهُ قريشٌ للرسولِ ليقنعَ أحدهُمَا الآخر، فرقَّ لما سمعَ مِن النبيِّ ﷺ” فعن عكرمةَ: أنّ الوليدَ بنَ المغيرةَ جاءَ إلى النبيِّ ﷺ فقرأَ عليه القرآنَ، فكأنَّهُ رقَّ له. فبلغَ ذلك أبا جهلٍ بنَ هشامٍ، فأتاهُ فقال: أيْ عم، إنّ قومَكَ يريدون أنْ يجمعوا لك مالًا. قال: لمَ؟ قال: يعطونكه، فإنّك أتيتَ مُحمدًا تَتَعَرضُ لما قبله. قال: قد علمتْ قريشٌ أنِّي أكثرهَا مالًا. قال: فقلْ فيه قولًا يعلمُ قومُكَ أنّك منكرٌ لما قال، وأنّك كارهٌ له. قال: فماذا أقولُ فيه؟! فو اللهِ ما منكم رجلٌ أعلمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلمُ برجزهِ ولا بقصيدهِ ولا بأشعارِ الجنِّ، واللهِ ما يشبهُ الذي يقولُه شيئًا مِن ذلك. واللهِ إنّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوةٍ، وإنّه ليحطمَ ما تحتَه، وإنّه ليعلُو وما يعلَى. وقال: واللهِ لا يرضَى قومُك حتى تقولَ فيه. قال: فدعنِي حتى أفكرَ فيه. فلمّا فكّرَ قال: إنّ هذا سحرٌ يأثرهُ عن غيرِه. فنزلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} حتى بلغَ: {تِسْعَةَ عَشَرَ}. (تفسير الطبري).

فأنت ترَى مِن خلالِ هذين الموقفينِ أنّ القرآنَ الكريمَ بإعجازِه وبلاغتِه جاءَ هدايةً وسعادةً ورحمةً للعالمين .

ثانيًا: التشدد في الدين طريق إلى الشقاوة.

لقد نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التشددِ في الدينِ والغلوِّ فيه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ “. (البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ:” معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولِهِ ﷺ:” لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ.” أ.ه وقد نبَّهَ النَّبيُّ ﷺ أُمَّتَه إلى خطورةِ الغلوِّ فقال: «إيَّاكم والغلوَّ في الدِّينِ، فإنَّما أهلكَ مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدِّينِ» (أحمد  والنسائي بسند صحيح).

إنَّ الدينَ الإسلاميَّ الحنيفَ دينُ اليسرِ والرفقِ وعدمِ التشددِ في جميعِ المجالاتِ:

ففِي مجالِ العباداتِ عامةً والصلاةِ خاصةً لتكررِهَا في كلِّ يومٍ، نتمثلُ أمرَ الرسولِ ﷺ في التخفيفِ والتيسيرِ، فقد روي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ – ثَلاَثًا – اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا “. (البخاري).

يقول الإمامُ ابنُ حجرٍ:” فيهِ استحبابُ تخفيفِ الصلاةِ مراعاةً لحالِ المأمومين”. (فتح الباري).

ونحن نعلمُ منزلةَ سيدِنَا معاذٍ رضيَ اللهُ عنهُ، وحبَّ الرسولِ ﷺ لهُ، وهو أعلمُ الناسِ بالحلالِ والحرامِ، وكان ﷺ يردفُهُ خلفَهُ على الدابةِ حُبًّا في صحبتِهِ، ومع ذلكَ عاتبَهُ وعنفَهُ لمَّا أطالَ على الناسِ في الصلاةِ كمَا ذُكِرَ.

وفي مجالِ الصيامِ: كان ﷺ يواصلُ الصيامَ لربِّهِ تعالى، واتبعَهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم واقتدُوا بهِ في الوصالِ، فنهاهُم رحمةً ورأفةً بهِم وشفقةً عليهم، وتيسيرا لهم في أمر الصيام. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ”. ( البخاري ). وهذا عبدُاللهِ بنُ عمروٍ جعلَ يساومُ النبيَّ ﷺ في الصيامِ والقيامِ، فعنهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ. فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ ﷺ”(البخاري).

وهكذا بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ، حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهِم مِن كثرةِ العبادةِ!!

وهذه رسالةٌ لكلِّ متشددٍ في أمورِ دينِهِ أنْ يتأسّىَ بالرسولِ ﷺ في يسرِهِ ورفقِهِ بأمتِهِ، وتركِ التشددِ في الدينِ؛ لأنَّ للتشدّدِ في الدينِ والفهمِ الخاطئِ المغلوط للنصوصِ الشريعةِ الغراءِ آثارًا وخيمةً وأضرارًا جسيمةً على الفردِ والمجتمعِ، وقد يؤدي ذلك إلى الشقاء، بل إلى الهلاك والموت. فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ – أَوْ» يَعْصِبَ «شَكَّ مُوسَى – َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ». (أبو داود وابن ماجة بسند حسن).

وهكذا يؤدي التشدد في الدين، والفهم المغلوط للنصوص القرآن والسنة، إلى الشقاء والهلاك وفساد المجتمعات.

ثالثًا: الحياة بين السعادة والشقاوة .

إنَّ الهدفَ من بعثةِ النبيِّ ﷺ هو إخراجُ الناسِ من الشقاوةِ إلى السعادةِ، ومن الضلالةِ إلى الهدى، ومن الجهالةِ إلى العلمِ، ومن الظلماتِ إلى النورِ. فالقرآنُ نزلَ لسعادةِ البشريةِ لا لشقائها. وحينما ننظرُ إلى سورةِ طه، نجدُ أنها تكلمتْ في مطلعِها وثناياها وخاتمتِها عن الشقاوةِ التي هي ضدُّ السعادةِ: ففي مطلعِها قالَ تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (طه: 1–2). وفي ثناياها بيّنَ اللهُ أنَّ سببَ طردِ آدمَ من الجنةِ هو اتباعُ إبليسَ الداعي إلى العصيانِ والشقاوةِ: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: 117). وفي ختامِ السورةِ يبينُ اللهُ أنَّ طريقَ السعادةِ في الدنيا والآخرةِ هو اتباعُ هدى اللهِ عز وجل، وأنَّ شقاوةَ الناسِ في الإعراضِ عنه سبحانهُ وتعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (طه: 123–127).

فالإنسانُ كلما كانَ قريبًا من اللهِ، مطيعًا له، ممتثلًا لأوامرِه، مجتنبًا نواهيه، كان سعيدًا في دنياهُ وأخراهُ.

ومقابلَ ذلك: كلما أسرفَ في المعاصي وتجاهلَ العبادةَ التي من أجلِها خُلقَ، عاشَ في ضنكٍ وشقاءٍ في دنياهُ وأخراهُ.

قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.(هود: 105 – 108).

فالحياةَ بدونِ عبادةٍ حياةٌ خاويةُ الروحِ، مظلمةُ الفكرِ، منتنةُ الطبعِ، متعفنةُ الفطرةِ، مرةُ المذاقِ، ولا أدلَّ على ذلك من حالات الناسِ في تلك المجتمعاتِ التي فقدتْ السلطانَ الروحيَّ، حيث يندفعُ الكثيرُ منهم إلى الانتحارِ نتيجةَ القلقِ النفسيِّ، فإنّ عبادةَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى بها يُحفظُ التوازنُ بين مطالبِ الجسمِ ورغائبِ الروحِ، وبين دوافعِ الغرائزِ ودواعيِ الضمائرِ، وبين تطلعاتِ العقلِ وأشواقِ  القلبِ، وهي مددٌ ووقودٌ لجذوةِ العقيدةِ التي تنيرُ جوانبَ النفسِ، ولذلك ” كان النبيُّ ﷺ إذا حزبَهُ أمرٌ صلّى ” (أبو داود)، وكلما أحسَّ ﷺ بضيقٍ أو هَمٍّ يقول: ” أقم الصلاةَ يا بلالُ أرحنَا بها ” (أبو داود) .

ولذلك حثَّ الإسلامُ على بعضِ الأمورِ الجالبةِ للفرحِ والسعادةِ، وحذَّرَ من أضدادِها المقتضيةِ للمتاعبِ والشقاوةِ. وهذه السعادةُ وإن كانت دنيويةً وثمرتُها عاجلةً، إلا أنَّ أسبابَها ووجودَها من أعظمِ ما يُعينُ العبدَ على أمرِ دينِه وآخرتِه، لأنَّ الدنيا مزرعةٌ للآخرةِ. فعن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ». (رواه الحاكم في المستدرك [ج4/ص273]، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. ورواه ابن حبان في صحيحه [4032]).

فَعَلَيْكَ ـ أَخِي المُسْلِمُ ـ أَنْ تَأْخُذَ بِأَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَإِيَّاكَ وَأَسْبَابَ الشَّقَاوَةِ، لِتَفُوزَ بِسَعَادَةِ العَاجِلِ وَالآجِلِ.

نسأل الله أن يرزقنا السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء.

اقرأ أيضا:

مفتي الجمهورية: نعمل على صياغة الفتاوى بلغة عصرية تناسب فكر الشباب وثقافتهم

مفتي الجمهورية يناقش الخطة العلمية لمركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش

مفتي الجمهورية يشارك في احتفال الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية باليوبيل الماسي

خطبة الجمعة القادمة للشيخ خالد القط 31 أكتوبر 2025م ـ 9 جمادى الاولى 1447هـ

شيخ الأزهر: نعمل مع الفاتيكان على إصدار ميثاق عالمي لأخلاقيَّات الذَّكاء الاصطناعي

رئيس إيطاليا يثمن جهود شيخ الأزهر في نشر السلام وتعزيز الحوار بين الأديان

البحوث الإسلامية يبدأ الاختبارات التحريرية للمسابقة العامَّة للإيفاد للعامَين 2025 ـ 2027 اليوم

الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ـ 9 جمادى الاولى 1447هـ

بحث إنشاء مكتب للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بماليزيا

الأزهر الشريف يفتتح أروقة تعليمية جديدة لذوي الهمم بالمحافظات

وفد من الشئون الخارجية الدنماركية يبحث مع الأزهر ترسيخ قيم التعايش وقبول الآخر

بروتوكول تعاون بين جامعتي الأزهر والقاهرة لتنفيذ الخطط المستقبليَّة لأجندة مصر 2030

بحث سبل التعاون بين دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية الماليزية

تخصيص عدد من الوحدات كمقرات لدار الإفتاء المصرية بالمدن الجديدة

مفتي الجمهورية يوضح حكم الشرع في تحديد جنس الجنين

دكتور شوقي علام يبين حكم عمل ختمة قرآن ووهب ثوابها للمتوفى

دكتور شوقي علام: أسبابٍ موضوعية لعدم مساواة المرأة والرجل في كل شيء

مفتي الجمهورية يبين حكم صلاة المرأة بالنقاب

الدكتور شوقي علام يبين حكم الحسد وعلاجه

دار الإفتاء: الزواج مقدم على الحج للشباب في حالة واحدة

فاتتني بعض التكبيرات مع الإمام في صلاة الجنازة.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

الرابط المختصر

search