الخميس، 30 أكتوبر 2025

10:02 م

هشام المغربي يكتب: الديمقراطية المستبدة

الخميس، 30 أكتوبر 2025 06:28 م

هشام المغربي

هشام المغربي

أعجبني هذا التضاد في المعنى الذي كتبه ببراعة الدكتور ماجد موريس المفكر والطبيب النفسي الكبير في أحدث كتبه بعنوان "قيام وسقوط الديموقراطية المستبدة" صدر الكتاب هذا العام عن دار أقلام عربية للنشر والتوزيع ويقع الكتاب في 250 صفحة تقريباً .

يبدأ الكتاب بجولة تاريخية شيقة جداً بداية من نشأة الإنسان ثم المجتمعات البدائية ثم بداية الديموقراطية في أثينا القديمة و بعدها في روما ثم انتقل إلى عصر النهضة في أوروبا وأخيراً الديمقراطية المعاصرة وبعض ما يعترض تطبيقها من مشاكل وعقبات مثل العنصرية مثلاً في بعض الدول أو التطرف والإرهاب الفكري في دول أخرى وهكذا.

ويتناول المؤلف معتقد الديمقراطية في حد ذاته هل هو عقيدة غير قابلة للتغير أم هي نتاج إعمال العقل البشري للوصول إلى شكل للحكم والحياة يصل بالإنسان إلى الأفضل الذي تحلم به شعوب الأرض منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا ويرى أن هذا المعتقد البشري قابل للتعديل والتغيير في كل مجتمع وفقاً لطبيعته وظروفه وأن الديموقراطية يجب أن تتوافق مع التحولات الكبرى في المجتمعات .

بعد المقدمة التاريخية الطويلة عن نشأة المجتمعات وتطور الديموقراطية  يصل بنا إلى ما أطلق عليه (تراجع الديموقراطية ) وفقاً لانحصار عدد الدول التي تتبنى ما وصفه تقرير وحدة المعلومات الاقتصادية مؤشر الديموقراطية ب (الديموقراطية الكاملة) أو الديموقراطية الصحيحة وهي بالمقارنة بعدد دول العالم عدد محدود للغاية وضعاً في الاعتبار جودة المؤسسات الديموقراطية من حيث المشاركة وحيادية الدولة واستقلال القضاء ونزاهة الانتخابات وغير ذلك من مقاييس عادلة لقيام ديموقراطية صحيحة .

أما الديموقراطية المستبدة فهي أن يأخذ الاستبداد بآساليب ووسائل الحكم الديموقراطي دون أن يكون هناك حد أدنى من الحوكمة أو الحكم الديمقراطي الحقيقي لصحيح هذه العقيدة أو هذا المنهج وهذا يعتبر تحدياً كبيراً لمستقبل الديموقراطية في العالم وهل تصمد أمام تحديات كبرى يواجهها العالم اليوم من الوضع الاقتصادي إلى التقدم التكنولوجي المذهل في كافة نواحي الحياة إلى التطرف الديني في كثير من المجتمعات وغيرها الكثير من التحولات الكبرى؟

وأنا أرى هذا الكتاب إطاراً فكرياً أو مرجعاً هاماً يساعد على فهم سياق تغير نظم الحكم والمجتمعات إذا أردنا أن نأخذ بمنهج صحيح وواضح لتطبيق الديموقراطية في كثير من البلدان كما لا يفوتني أن أنوه أن الخلفية الدراسية للدكتور ماجد كطبيب نفسي انعكست بشكل واضح على صفحات هذا الكتاب فهو يحلل الحالة النفسية والاجتماعية للمجتمعات التي تناولها بالشرح والتحليل. 

وكنت قد كتبت في مقالي الأخير عن الديموقراطية بعنوان "بين الديموقراطية والمهلبية " الذي نشر على موقع المصري الآن أنه وفقاً لتقرير مؤشر الديموقراطية عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونومست البريطانية تقرير 2023  خلو الجدول المفهرس لدول العالم المرفق مع التقريرمن الديموقراطية (الكاملة) أو حتى الديموقراطية (المعيبة) أو المنقوصة لأي دولة إفريقية شمالية أو شرق أوسطية! 

بل قد جاءت الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها ذات ديموقراطية "معيبة" وفقاً للتقرير! إذا كانت أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم ليس لديها ديمقراطية صحيحة أو كاملة والتي تتشدق كل يوم بانتهاجها المنهج الديموقراطي في الحكم وهجومها الكاسح على الدول التي لاتنتهج السياسة الديموقراطية والهجوم  هنا ليس هجوماً نظرياً أو حتى بعقوبات إقتصادية فقط بل يصل إلى الاكتساح العسكري الشامل كما حدث في العراق وغيرها وطبعاً الهدف يعلمه القاصي والداني وهي أطماع في الثروات الطبيعية للدول بذريعة تطبيق الديموقراطية.

كل هذا الاستبداد في وجود منظمة كبيرة مثل الأمم المتحدة تدعم المبادىء الديموقراطية كقيمة أساسية لحماية حقوق الإنسان ودعم الهيئات الديموقراطية من خلال برامجها المختلفة مثل البرنامج الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للديموقراطية وإدارة عمليات السلام ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وغيرها!

ماذا تفعل كل هذه الهيئات والمنظمات والبرامج إذا كانت حقوق الإنسان في العالم شرقاً وغرباً مهدرة ومهانة ومغتصبة والأمثلة كثيرة!

وبالعودة إلى كتاب الديموقراطية المستبدة فلا أخفي إعجابي بالفكرة التي طرحها الكاتب أن الديموقراطية قد تصبح في المستقبل (إرثاً ثقافياً ) إذا لم تتغير وفقاً لتطور المجتمعات والتحديات التي يمر بها العالم.    

الرابط المختصر

search