هشام المغربي يكتب: الإنسان يجوع مرتين
الإثنين، 22 ديسمبر 2025 06:25 م
هشام المغربي
فكرت كثيراً قبل أن أشرع في كتابة هذا المقال هل بقاء الإنسان ينحصر في الحاجة البيولوجية أو الفسيولوجية للبقاء وعادت بيّ الذاكرة لما درسناه في علم الإدارة عن هرم ( ماسلو) الذي قَسم الدوافع الإنسانية إلى خمس مستويات تشكل الهرم المتدرج وتُسمى هرم الاحتياجات تبدأ من الاحتياجات الفسيولوجية وتنتهي بتحقيق الذات.
عند شعور الإنسان بالجوع يطلب الطعام.... فهو لإشباع الجسد وهل نحن جسد فقط ؟ أم جسد وروح؟ فماذا يشبع الروح؟
قد يجد الإنسان ما يكفيه من الخبز ليحيا ولكنه يشعر بالخواء والفراغ حين يقهر, فالقهر هو الحرمان من الحرية.
أذكر منذ سنوات ليست بعيدة أن قضيت عدة أيام من فصل الشتاء في زيارة إلى عاصمة الضباب لندن وقابلت هناك صديقاً مصرياً عزيزاً وطلب أن نكمل حديثنا سيراً على الأقدام حتى حديقة (هايد بارك) الشهيرة وكانت درجة الحرارة تقترب من الصفر ولم نشعر بالبرد!
قلت لصديقي ألم تلحظ أن الطقس بهذه البرودة ولم نشعر بالبرد!
رغم أن درجة الحرارة في بلادنا قد تصل إلى 15 درجة مئوية ونشعر بالبرد القارص ولانقوى على السير لكل تلك المسافة؟
قال لي ما أدهشني ومازلت أذكره حتى اليوم فقال: هذا لأننا هنا بلا قهر!
القهر يقشعر الأبدان.... ضحكنا كثيراً على هذه المقولة وعندما تأملتها وجدتها صحيحة لحد بعيد.
وجدنا بعض الخطباء في (الهايد بارك ) يقفون يهتفون بما يحلوا لهم دون خوف أو رعب وفي رعاية وحماية الأسكتلاند يارد!
الطعام أو الخبز يبقي الجسد أما الحرية فتبقي الروح وحتى الخبز فيصبح بلا مذاق يذكر.
الحرية في التعبير أي كان هذا التعبير شعراً أو نثراً أو رسماً أو مقطوعةَ موسيقية أو غناءً أو غير ذلك دون قيد هي من أساسيات الحياة , فهي حق أساسي للحياة وحق لا يتجزأ شريطة ألا تتعارض مع الأخلاق التي جُبل الإنسان عليها وشريطة أن لا تتقاطع مع حرية الآخر, فالحرية حاجة إنسانية منذ خلق الله الأرض ومن عليها, خَلق الله الإنسان حراً طليقاً حتى في العبادة فلم يُجبر الله المخلوق على عبادته بل تَركه وشأنه بعد أن أوضح له الحق من الباطل هذا هو الخالق الأعظم.
وأذكر هنا أقوال بعض الكتاب والمفكرين والمصلحين فكتب جان جاك روسو:
إذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته.
وكتب جبران خليل جبران : الحياة بغير حرية كجسد بلا روح.
وقال إبراهام لينكلن: من ينكر الحرية على الآخرين لايستحقها لنفسه.
وقال نيلسون مانديلا: ليس حراً من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة.
كثيرة هي أقوال المفكرين والفلاسفة والكتاب حول هذا المعنى .
كما أن مناخ الحرية يخلق الإبداع كما كتب وول ديورانت في موسوعة (قصة الحضارة) :
تتقدم الأمم وتزدهر الحضارة إذا ماشعر الإنسان بالأمان دون خوف فتنطلق قدرات الإبداع لديه لتصل إلى أعلى ما تكون.
ثم نأتي لسؤال هام طالما سألته لنفسي:
لماذا كان في مصر يوماً في القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين كل هؤلاء المبدعين؟ :
طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس وأم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي والقصبجي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبد الرحمن الرافعي ومحمود سامي البارودي وأحمد زكي أبو شادي وزكي نجيب محمود ويوسف عز الدين عيسى و(الأديب) محمد حسين هيكل و المثّال محمود مختار والمنفلوطي وسيد درويش والدكتور علي مصطفى مشرفة وسميرة موسى وعلي باشا إبراهيم ورائد المصريات أحمد كمال وغيرهم مئات وتطول القائمة لأكثر بكثير من كل هؤلاء ربما هم من أذكرهم الآن وليس هذا حصراً لهم جميعاً .
هل كان مناخ الحرية في مصر هو من أنجب كل هؤلاء وغيرهم؟ أم أن مصر قد جدبت؟ ولم تعد قادرة على إنجاب المزيد؟
يقيني أن المناخ هو من صنع كل هؤلاء وهناك دليل آخر على قصة مناخ الحرية إذا نظرنا حولنا في هذا العالم فسنجد الفارق بين الثَرىَ والثُريا لتلك الدول وبعضها البعض على الرغم من كونهم شعوباً واحدة قُسم وفُرق بينَهم (ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية ) و (كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ) و (فيتنام شمالية شيوعية محطمة وفيتنام أخرى مدعومة من الغرب حتى إعادة توحيدها لدولة واحدة بعد ذلك) سوريا قبل انقلاب عام ١٩٤٩ الغاشم بقيادة حسني الزعيم الذي يعد أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية والذي دعمته الولايات المتحدة الأمريكية و بين سوريا بعده وطوال حكم أسرة الأسد (الأب والأبن) والمتابع لهذه المنطقة من العالم يستطيع أن يرصد بكل وضوح الفرق بين سوريا المقهورة المكبلة وبين جارتها وشقيقتها لبنان التي تتمتع بهامش كبير من الحرية وتُحكم بدستور يتيح تداول السلطة، رغم كل الانقسامات المذهبية والعقائدية بينهم كشعب واحد إلا أن مناخ الحرية مكفول إلى حد كبير مقارنة بغيرها من دول الجوار... شتان بين مناخ حر يبدع فيه الإنسان ويطلق لملكاته العنان لتبدع في شتى مجالات المعرفة الإنسانية , ثم دول أخرى تأثرت بهذا الانقسام الإيديولوجي ولنا أن نقارن بين دول المعسكر القمعي (الاشتراكي) ودول غرب أوروبا الفارق كبير وليس في حاجة إلى براهين سنجد إلى أي درجة يمكن أن تخلق الحرية إنسان حر طلق مبدع خلاق مقبل على الحياة مبتهج سعيد وآخر إنسان مُكبل حزين مهموم مقهور يتمنى الموت في كل يوم بل في كل لحظة.. خَلق الخوف منه كائن آخر وليس هكذا أبداً يعيش الإنسان .
الإنسان يجوع مرتين الأولى عندما يجوع الجسد والثانية عندما تجوع الروح وتتوق إلى الحرية وتصبح جسداً بلا روح وهنا تكمن الخطورة .
ربما يختلف معي البعض ويعتبر ذلك محض إرهاصات ولكنه بلا شك يحمل بعضاً مما يعتمل في نفسي.
الرابط المختصر
آخبار تهمك
هيئة المنافسة الإيطالية تفرض غرامة على أبل بقيمة 98.6 مليون يورو
22 ديسمبر 2025 06:47 م
سعر النحاس اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025
22 ديسمبر 2025 02:19 م
أسعار اليورو اليوم الإثنين 22-12-2025 في البنوك المصرية
22 ديسمبر 2025 02:13 م
سعر الريال السعودي اليوم الإثنين 22-12-2025
22 ديسمبر 2025 02:09 م
سعر الجنيه الإسترليني اليوم الإثنين 22-12-2025 في البنوك المصرية وشركات الصرافة
22 ديسمبر 2025 02:03 م
سعر الدرهم الإماراتي اليوم الإثنين 22 ديسمبر 2025
22 ديسمبر 2025 01:50 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً