الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

11:12 ص

هشام المغربي يكتب: الأبقار تهدد كوكب الأرض

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 09:49 ص

هشام المغربى

الكاتب هشام المغربى

الكاتب هشام المغربى

قد يتخيّل القارئ أن عنوان المقال يأتي على سبيل السخرية من موقف ما، أو يحمل إسقاطًا لقصد معيّن، ولكن الحقيقة أن المقال لا يتضمّن أي مجال للسخرية أو الإسقاطات، بل يعرض حقيقة علمية مثبتة.
خلق الله هذا الكون بهندسة إعجازية دقيقة جدًا، تقوم على دورة كونية شديدة التعقيد والدقة؛ حلقات متصلة، تصل كل حلقة فيها بالأخرى. وأيّ محاولة للعبث بهذا النظام تؤدي إلى خلل في المنظومة الكونية كلها، وهو ما حدث على كوكبنا بكل أسف بما صنعت أيدي الناس.
كتبت هذا المقال بعد حضوري مؤتمرًا مهمًا بجامعة النيل الأهلية، كان يناقش قضايا البصمة الكربونية والتغير المناخي.

 وأزعم أن قضايا المناخ تشغلني منذ سنوات، وقد تناولتها في كتابي الموجّه للناشئة عام 2023 بعنوان «نحن والبيئة»، وتطرقت فيه إلى موضوعات هامة لتوعية النشء؛ مثل الطاقة النظيفة، والهيدروجين الأخضر، وترشيد استهلاك المياه، ومخاطر قطع الأشجار، وظاهرة الاحتباس الحراري، والحفاظ على الرقعة الزراعية، والتخلص من النفايات، وغيرها من الموضوعات المؤثرة على مستقبل كوكب الأرض.


نعلم أن الغازات الدفيئة — مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء — لها خاصية احتجاز الأشعة تحت الحمراء؛ فتسمح بدخول الأشعة الضوئية مع منع تسرب كميات كبيرة من الحرارة، للمحافظة على توازن الحرارة بين الغلاف الجوي وكوكب الأرض. 

ولكن عند ارتفاع كميات هذه الغازات إلى مستويات هائلة تصل إلى مليارات الأطنان، يصبح الاحتباس الحراري أكبر بكثير مما يحتاجه الكوكب، وهنا تبدأ المشكلة.


أدّت الثورة الصناعية الكبرى إلى نهضة ضخمة وقفزة علمية حققت للعالم تقدمًا تكنولوجيًا ملموسًا في شتى مناحي الحياة. ولكن على الجانب الآخر كانت لها مخاطر جسيمة تهدد حياة البشر أنفسهم.

 وإذا علمنا أن الدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن أكثر من 60% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، يمكن أن نتخيل حجم دورها في تلك الأزمة، فهي من صنعت المشكلة، وعليها اليوم التزامات أخلاقية وواقعية لمعالجتها؛ ولهذا تعقد مؤتمرات المناخ سنويًا برعايتها للبحث عن حلول لهذه المعضلة.


ويأتي في المرتبة الثانية بعد ثاني أكسيد الكربون غاز الميثان، الناتج عن احتراق الوقود ومدافن القمامة. ويمثّل الميثان نسبة تتراوح بين 70% و90% من مكوّنات الغاز الطبيعي المستخدم كوقود في المنازل والمصانع والمركبات. 

ورغم أن النسبة الأكبر من الانبعاثات العالمية هي لثاني أكسيد الكربون، فإن غاز الميثان أقوى بكثير؛ إذ يتمتع بقدرة على الاحترار تفوق ثاني أكسيد الكربون بـ 80 مرة عند إطلاقه، ويظل أقوى منه في حبس الحرارة بنحو 28 إلى 34 مرة بعد وصوله إلى الغلاف الجوي، ويمكن لنا أن نتخيّل حجم المشكلة!
نصل الآن إلى عنوان المقال: ما علاقة الأبقار بكل ذلك؟


الحقيقة أن الأبقار والجاموس والماشية عمومًا تشكّل تهديدًا حقيقيًا للحياة على كوكب الأرض، ليس بذاتها، وإنما بسبب تربيتها بأعداد هائلة لتلبية نهم الإنسان المتزايد لاستهلاك اللحوم.


تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأبقار في العالم يبلغ نحو 2 مليار رأس، والجاموس حوالي 1.5 مليار رأس، أما الماعز والأغنام فتقدّر بنحو 2 مليار رأس.


تنتج الأبقار والجاموس كميات كبيرة من غاز الميثان خلال عملية الهضم (الاجترار)، ومع هذه الأعداد الضخمة يمكن تخيّل حجم الانبعاثات المتصاعدة إلى الغلاف الجوي.


الغالبية العظمى من استهلاك اللحوم تأتي من دول العالم الأول، ثم الدول النامية، ومع الزيادة السكانية الهائلة في الدول النامية، أصبح الطلب على اللحوم الحمراء أكبر من أي وقت مضى، والدول الكبرى — التي صدّرت المشكلة إلى العالم — هي نفسها التي تتمتع بثروة حيوانية ضخمة تصدّرها لدول أخرى، مما يزيد الطلب العالمي باستمرار.


إن ازدياد أعداد الماشية يؤدي إلى انبعاثات أكبر من غاز الميثان، وبالتالي يرفع من معدل الاحتباس الحراري على الكوكب، وهو ما يجب الحدّ منه.


فضلًا عن ذلك، فإن إنتاج كيلوجرام واحد من لحوم الأبقار يحتاج إلى نحو 15 ألف لتر ماء! ويمكن تخيّل كمّ البلايين من الليترات التي يحتاجها هذا العدد الهائل من رؤوس الماشية، وفي البلدان التي تعاني الفقر المائي، تصبح تربية الماشية أزمة قائمة بذاتها.
زراعة الأعلاف كذلك تستهلك كميات ضخمة من المياه، مما يؤدي إلى تفاقم الشحّ المائي في مناطق كثيرة حول العالم.
ويؤدي احتراق الغابات أو إزالتها لصالح التوسع في المراعي والمزارع الحيوانية — كما يحدث في غابات الأمازون — إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتسريع التغير المناخي نتيجة اختفاء المساحات الخضراء التي تمتص الكربون.


كما تسبب اضطراب التوازن البيئي في انقراض أنواع عديدة من الحيوانات، فضلًا عن أن الاستهلاك الهائل للأعلاف على حساب الموارد المائية يضعف قدرة الإنسان على إنتاج غذائه النباتي. 

وهكذا تتكامل الدائرة: من البدايات إلى النهايات، كما خلقها الله، لكن العبث بها أدى إلى هذه الظواهر التي تهدد الكوكب.
الخلاصة:
المشكلة ليست في الأبقار، بل في الإنسان الذي طغت رغباته وطموحاته على قضية بقائه نفسه على الكوكب، في المدى القريب والمتوسط.

الرابط المختصر

search