الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

08:25 م

علاء ثابت مسلم يكتب: طلاب الدمج في مدارس مصر شعار إنساني وواقع مرتبك

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 04:17 م

علاء ثابت مسلم

علاء ثابت مسلم

علاء ثابت مسلم

يبدو الحديث عن دمج الطلاب في المدارس للوهلة الأولى حديثًا إنسانيًا نبيلًا، يحمل في طياته نوايا الرحمة والعدالة وتكافؤ الفرص.

 غير أن الواقع داخل كثير من المدارس يكشف عن فجوة واسعة بين الفكرة وتطبيقها، وبين ما يُكتب في القرارات وما يُمارس داخل الفصول. فبينما يُرفع شعار الدمج باعتباره تقدمًا تربويًا، يتحول التنفيذ إلى أزمة صامتة يدفع ثمنها الطالب والمعلم والمنظومة التعليمية بأكملها.

فمن حيث المبدأ، لا خلاف على أن طالب الدمج له الحق الكامل في التعليم الكريم، كما أن المجتمع ملزم أخلاقيًا وتربويًا بتهيئة بيئة عادلة تُمكّنه من التعلم والنمو.

 لكن المشكلة تبدأ حين يُختزل هذا الحق في مجرد جلوس الطالب داخل فصل عادي، دون إعداد مسبق، ودون أدوات حقيقية، ودون رؤية واضحة. 

وهنا يصبح الدمج شكلًا بلا مضمون، وقرارًا إداريًا أكثر منه مشروعًا تربويًا مدروسًا.

ولأن التنفيذ هو الفيصل دائمًا، فإن ما يحدث داخل الفصول الدراسية يفضح هشاشة التجربة. فطالب الدمج يُدرّس نفس المنهج، وبنفس الأسلوب، وبنفس سرعة الشرح،  وكأن الفروق الفردية قد أُلغيت بقرار رسمي. ونتيجة لذلك، يجد الطالب نفسه عاجزًا عن اللحاق بالشرح، فاقدًا ثقته بذاته، محاصرًا بشعور دائم بالعجز، بينما يتلقى في المقابل نظرات شفقة أحيانًا، وسخرية صامتة أحيانًا أخرى.

وفي الوقت نفسه، لا يقل تأثير هذا الواقع على الطالب العادي، الذي يُفترض أن يحصل على تعليم مستقر داخل فصل منضبط.

 إلا أن غياب الأدوات المناسبة للتعامل مع طالب الدمج، وافتقار المعلم للتدريب اللازم، يؤديان إلى اضطراب العملية التعليمية، وتشتيت الانتباه، وتراجع مستوى التحصيل، وهكذا تتحول النتيجة إلى خسارة مزدوجة، لا رابح فيها على الإطلاق.

أما المعلم، فهو الحلقة الأكثر استنزافًا في هذه المعادلة المختلة. يُطلب منه أن يكون معلمًا وأخصائيًا نفسيًا وخبير تربية خاصة في آنٍ واحد، دون تدريب، ودون دعم، ودون تقليل في الأعباء. وبمرور الوقت، يتحول الحماس إلى ضغط، والضغط إلى إنهاك، والإنهاك إلى أداء آلي يفتقد الروح والفاعلية.

ولعل الأخطر من ذلك كله هو التعامل مع الدمج بوصفه إجراءً شكليًا يُنجز على الورق. فالتقارير تُكتب، والنسب تُسجل، والملفات تُغلق، بينما الفصل الدراسي يئن تحت وطأة واقع لا يعترف به أحد.

 دمج بلا معلم متخصص، وبلا مناهج مرنة، وبلا كثافة طلابية مناسبة، هو في حقيقته إهمال تربوي مغلف بشعارات براقة.

ومن هنا، يصبح من الضروري إعادة النظر جذريًا في فلسفة الدمج نفسها. فالعدل لا يعني المساواة المطلقة، وإنما يعني توفير ما يناسب كل طالب وفق قدراته واحتياجاته.

 وطالب الدمج لا يحتاج إلى شفقة، بل إلى نظام تعليمي مصمم خصيصًا له، يبدأ بإعداد معلم متخصص، ويمر بمناهج مرنة، وينتهي ببيئة مدرسية واعية.

وعليه، فإن الحل لا يكمن في إلغاء الدمج، بل في تصحيحه، عبر تدريب حقيقي للمعلمين، وتقليل كثافة الفصول، وتفعيل دور الأخصائي النفسي، ووضع آليات تقييم عادلة تراعي الفروق الفردية. 

كما يتطلب الأمر إشراك أولياء الأمور بوعي، لا بوعود عامة، حتى لا يتحول الدمج إلى صراع صامت داخل المدرسة.

وفي الختام، يظل الدمج فكرة عظيمة إذا أُحسن تطبيقها، لكنه يتحول إلى ظلم مقنن إذا نُفذ بلا علم ولا إعداد. 

وبين الفكرة والواقع تقف مسؤولية كبرى، إما أن نواجهها بجرأة وإصلاح حقيقي، أو نستمر في صناعة أزمة تعليمية جديدة، يدفع ثمنها أطفال لا يملكون سوى حقهم في تعليم عادل وإنساني.

الرابط المختصر

search