الجمعة، 26 ديسمبر 2025

02:29 م

د. مصطفى طاهر رضوان يكتب: الحيوية والديناميكية في الحضارة الإسلامية

الجمعة، 26 ديسمبر 2025 10:10 ص

د. مصطفى طاهر رضوان

د. مصطفى طاهر رضوان

أولًا: الإسلام دينٌ حي وديناميكي
إن الإسلام ليس دينًا جامدًا أو نظامًا روتينيًا، بل هو حياة نابضة، ودعوةٌ مستمرة إلى العمل الصالح والإخلاص في السعي، وإشاعة الخير في أرجاء الأرض. هو نظام ديناميكي يصلح لكل زمان ومكان، ويمنح الإنسان طاقاته وقدراته بلا حدود؛ فالإنسان مُنح من خالقه إمكانيات خلاقة ورؤية فذة واسعة الآفاق، غير أن هذه القدرات بلا منهج واضح تظل كالعابرة في الظلام، تبحث عن الطريق بين الظلمات، فتتعطل أو تهدر، ومَن لم ينهض بهذا الفهم، وجعل من جهده سبيلًا لإيجاد النظام والمنهج، ضاع، كما ضاعت أمم سقطت قوانينها الوضعية وفقدت الحضارة حين اعتمدت على قوة عابرة بلا توجيه.

ثانيًا: القرآن الكريم: أساس الحركة الإنسانية:
إن القرآن الكريم هو النبراس الذي أضاء طريق الإنسان، وأسس له منهجًا حضاريًا متكاملًا يربط بين العبادة والمعاملة، بين الفرد والمجتمع، بين الحاكم والمحكوم. لقد جاء هذا الكتاب ليحرر الإنسان من قيود الجهل، ويؤطر طاقاته في إطار حضاري سليم، فالآيات القرآنية تدعوه إلى التعقل والتأمل والبحث عن الحقيقة، وإعمار الأرض بما يرضي خالقه: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُف: 10]، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ﴾ [إِبْرَاهِيم: 33]، ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ﴾ [الْمُلْك: 15]وهذه الآيات ترسم للإنسان خارطة الحركة في الحياة: السعي والعمل، البحث والمعرفة، وإعمار الأرض والارتقاء بها، ضمن منظومة من القيم الأخلاقية والروحية التي توازن بين الفرد والمجتمع.

ثالثًا: التطبيق العملي: المسلمون الأوائل نموذج للحضارة الفاعلة:
حين استل المسلمون الأوائل تعاليم القرآن، وانطلقوا في ميادين الحياة المختلفة، تجلت حضارتهم في العلوم والفنون والزراعة والصناعة، وفي إقامة المدن وتنظيم المجتمعات. فقد وصف غوستاف لوبون ذلك قائلًا: «لقد رأينا العرب ذوي أثر بالغ في تمدين الأمم التي خضعت لهم، وقد تحول بسرعة كل بلد خفقت فوقه راية الرسول، فازدهرت فيه العلوم والفنون والآداب والزراعة والصناعة».
كما امتدت هذه الحضارة لتشمل الترجمة، والبحث العلمي، وإنشاء المدارس والمكتبات والمختبرات، إضافة إلى الطرق والجسور والمشافي، وكلها أفعال تؤكد على الديناميكية الفعلية للإسلام وحركيته في خدمة الإنسان والمجتمع.

رابعًا: أثر الحضارة الإسلامية على الإنسانية والعالم:
لقد كانت الحضارة الإسلامية محركًا للعالم، ليس فقط في عصورها الذهبية، بل حتى في العصر الحديث، فقد استفاد الغرب من العلوم والنظم والهندسة والآداب التي نقلها العرب والمسلمون عبر قرون؛ فقد قال المؤرخون والباحثون المعاصرون: «لم نعترف ونحن نرى أنفسنا في أعلى قمة من التهذيب والمدنية بأنه لولا التهذيب الإسلامي وعلم العرب وعظمتهم في مسائل العمران، لكانت أوروبا اليوم غارقة في ظلمات الجهل».
وهكذا، يظهر جليًا أن الإسلام، بحيويته وديناميكيته، لم يكن مجرد دين للروح فقط، بل منهج شامل للحياة، ينهض بالإنسانية جمعاء، ويحرر الإنسان من الجمود والتخلف، ويمنحه القدرة على العمل والإبداع في كل زمان ومكان.

----------------------------

عضو هيئة التدريس في قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين والدعوة ـ جامعة الأزهر الشريف ـ

الرابط المختصر

search