الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025

04:22 م

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 2 يناير 2026م ـ 13 رجب 1447هـ

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025 12:04 م

صلاة الجمعة "أرشيفية"

صلاة الجمعة "أرشيفية"

أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م الموافق 13 من شهر رجب 1447هـ، وتتحدث الخطبة الأولى عن قيمة الوقت في حياة الإنسان، وأما الخطبة الثانية فتتحدث عن الغش في الامتحانات.

وينشر "المصري الآن" نص خطبة الدكتور خالد بدير عن  قيمة الوقت في حياة الإنسان،  2 يناير 2026م.

وأوضحت وزارة الأوقاف، أن الهدف من الخطبة الاولى الرئيسية هو التعريف والتوعية بقيمة الوقت وأهمية حسن استغلاله في حياة الإنسان، واما الخطبة الثانية فالهدف منها التحذير من خطورة الغش في الامتحانات، وهذا السُّلوك لا يقتصر على مجرد تجاوز اختبارات دراسية، بل يؤسس لمنظومة فكريَّة مشوَّهة تقوم على الخِداع، وانتهاك الأمانة، وتفريغ التَّعليم من جوهره.

عناصر خطبة الجمعة القادمة، للدكتور خالد بدير 2 يناير 2026م الموافق 13 رجب 1447هـ، بعنوان : قيمةُ الوقتِ فِي حياةِ الإِنسانِ : كما يلي:

أولًا: أهميّةُ الوقتِ ومكانتُهُ في الإسلامِ.

ثانيًا: الأسبابُ المُعينةُ على حُسنِ إدارةِ الوقتِ.

ثالثًا: ظاهرةُ الغِشِّ في الامتحانات، من (مبادرةُ صحِّحْ مفاهيمَكَ).

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة، للدكتور خالد بدير 2 يناير 2026م الموافق 13 رجب 1447هـ، بعنوان: قيمةُ الوقتِ فِي حياةِ الإِنسانِ: كما يلي:

نص خطبة قيمةُ الوقتِ فِي حياةِ الإِنسانِ

13 رجب 1447هـ ـ 2 يناير 2026م

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أولًا: أهميّةُ الوقتِ ومكانتُهُ في الإسلامِ.

في هذهِ الأيّامِ ودّعنا عامًا من أعوامِ عمرِنا، واستقبلنا عامًا جديدًا آخرَ، لذلكَ نقفُ مع حضراتِكم اليومَ مع قيمةِ الوقتِ في حياةِ الإنسانِ، فقد عنيَ القرآنُ والسنةُ بالوقتِ من نواحٍ شتّى وبصورٍ عديدةٍ، فقد أقسمَ اللهُ بهِ في مطالعِ سورٍ عديدةٍ بأجزاءٍ منهُ مثلَ: الليلِ، والنهارِ، والفجرِ، والضحى، والعصرِ، وغيرِ ذلكَ. ومعروفٌ أنّ اللهَ إذا أقسمَ بشيءٍ من خلقِهِ دلَّ ذلكَ على أهميتِهِ وعظمتِهِ، وليلفتَ الأنظارَ إليهِ وينبّهَ على جليلِ منفعتِهِ.

وكذلكَ جاءتِ السنةُ لتؤكّدَ على أهميةِ الوقتِ وقيمةِ الزمنِ، وتقرّرَ أنّ الإنسانَ مسؤولٌ عنهُ يومَ القيامةِ، فعن معاذِ بنِ جبلٍ أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: “لن تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعِ خصالٍ: عن عمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن شبابِهِ فيمَ أبلاهُ؟ وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عملَ فيهِ». [البيهقيُّ والترمذيُّ بسندٍ حسنٍ]. وأخبرَ النبيُّ ﷺ أنّ الوقتَ نعمةٌ من نعمِ اللهِ على خلقِهِ، ولا بدَّ للعبدِ من شكرِ النعمةِ وإلّا سُلبتْ وذهبتْ، وشكرُها يكونُ باستعمالِها في الطاعاتِ، واستثمارِها في الباقياتِ الصالحاتِ، فعن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: “نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ». [البخاري]. فالآياتُ والأحاديثُ تشيرُ إلى أهميةِ الوقتِ في حياةِ المسلمِ، لذا لا بدَّ من الحفاظِ عليهِ وعدمِ تضييعِهِ في أعمالٍ قد تجلبُ لنا الشرَّ وتبعدُنا عن طريقِ الخيرِ.

إنّ الإنسانَ إذا عرفَ قيمةَ شيءٍ ما وأهميتَهُ حرصَ عليهِ وعزَّ عليهِ ضياعُهُ وفواتُهُ، وهذا شيءٌ بديهيٌّ، فالمسلمُ إذا أدركَ قيمةَ وقتِهِ وأهميتَهُ كان أكثرَ حرصًا على حفظِهِ واغتنامِهِ فيما يقرّبُهُ من ربِّهِ. يقولُ ابنُ الجوزيِّ رحمهُ اللهُ تعالى: “ينبغي للإنسانِ أن يعرفَ شرفَ زمانِهِ وقدرَ وقتِهِ، فلا يضيّعُ منهُ لحظةً في غيرِ قربةٍ، ويقدّمُ فيهِ الأفضلَ فالأفضلَ من القولِ والعملِ، ولتكنْ نيتُهُ في الخيرِ قائمةً من غيرِ فتورٍ بما لا يعجزُ عنهُ البدنُ من العملِ”.

ويقولُ الحسنُ البصريُّ: “يا ابنَ آدمَ، إنّما أنتَ أيّامٌ، إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ”. وقالَ: «يا ابنَ آدمَ، نهارُكَ ضيفُكَ فأحسنْ إليهِ، فإنّك إن أحسنتَ إليهِ ارتحلَ بحمدِكَ، وإن أسأتَ إليهِ ارتحلَ بذمِّكَ، وكذلكَ ليلتُكَ”. وقالَ: «الدنيا ثلاثةُ أيّامٍ: أمّا الأمسُ فقد ذهبَ بما فيهِ، وأمّا غدًا فلعلّكَ لا تدركُهُ، وأمّا اليومُ فلكَ فاعملْ فيهِ”. لذلكَ كانوا لا يندمونَ إلّا على فواتِ الوقتِ الذي لم يرفعْهم درجةً، قالَ ابنُ مسعودٍ: “ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربتْ شمسُهُ، نقصَ فيهِ أجلي، ولم يزددْ فيهِ عملي”.

وقالَ أحدُ السلفِ: “إذا أتى عليَّ يومٌ لم أزددْ فيهِ علمًا ولم أزددْ فيهِ هدىً فلا بوركَ لي في طلوعِ شمسِ ذلكَ اليومِ”، ويقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ: “من أمضى يومَهُ في غيرِ حقٍّ قضاهُ، أو فرضٍ أدّاهُ، أو مجدٍ أثّلهُ، أو حمدٍ حصّلهُ، أو خيرٍ أسّسهُ، أو علمٍ اقتبسهُ، فقد عقَّ يومَهُ وظلمَ نفسَهُ”.

لذلك حرصَ السلفُ الصالحُ على وقتِهِم بمَا يعجزُ عنهُ الوصفُ والتعبيرُ، وقد وصفَهُم الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ بقولِهِ: أدركتُ أقوامًا كانُوا علَى أوقاتِهِم أشدَّ منكُم حرصًا علَى دراهمِكُم ودنانيرِكُم.

 وعن عامرِ بنِ قيسٍ مِن التابعينَ أنّ رجلًا قالَ لهُ: تعالَ أُكلمُكَ، قال: أمسكْ الشمسَ، يعنِي أوقفْهَا لِي واحبسْهَا عن المسيرِ لأكلمَكَ، فإنّ الزمنَ سريعُ المضِيِّ لا يعودُ بعدَ مرورِهِ، فخسارتُهُ لا يمكنُ تعويضُهَا واستدراكُهَا.

وقِيلَ لسفيانَ الثوريِ: اجلسْ معنَا نتحدثُ. قال: كيفَ نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَهُ، ما طلعتْ الشمسُ إلَّا كانتْ شاهدةً على العبادِ فيمَا فعلُوا ؟!!

ويقولُ ابنُ عقيلٍ رحمَهُ اللهُ: إنّي لا يحلُّ لي أنْ أضيعَ ساعةً مِن عمرِي، حتى إذَا تعطَّلَ لسانِي عن مذاكرةٍ ومناظرةٍ، وبصرِي عن مطالعةٍ، أعملتُ فكرِي في حالةِ راحتِي وأنَا مستطرحٌ، فلا أنهضُ إلّا وقد خطرَ لِي ما أسطرُهُ. (ذيل طبقات الحنابلة). فانظرْ كيفَ يستغلُ وقتَ راحتِهِ في إعمالِ فكرِهِ فيسطرهُ بعدَ قضاءِ حوائِجِهِ الشخصيةِ؟!

حتى إنّ ساعاتِ الأكلِ لقوامِ حياتِهِم ومعاشِهِم كانتْ ثقيلةً عليهِم، فقد سألُوا الخليلَ بنَ أحمدَ الفراهيدِي – رحمَهُ اللهُ -: ما هي أثقلُ الساعاتِ عليكَ؟ قال: ساعةٌ آكلُ فيها. وكَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً «المجالسة وجواهر العلم».

ويقولُ عبدُ الرحمنِ ابنُ الإمامِ أبي حاتمٍ الرازيِ ” رُبَّمَا كانَ أبي يأكلُ وأقرأُ عليهِ، ويمشِي وأقرأُ عليهِ، ويدخلُ الخلاءَ وأقرأُ عليهِ، ويدخلُ البيتَ في طلبِ شيءٍ وأقرأُ عليهِ “. فكانتْ ثمرةُ هذا المجهودِ وهذا الحرصِ على استغلالِ الوقتِ كتابَ الجرحِ والتعديلِ في تسعةِ مجلداتٍ، وكتابَ التفسيرِ في مجلداتٍ عدةٍ وكتابَ السندِ في ألفِ جزءٍ. لهذا فتحَ اللهُ لهم قلوباً غلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صمًا!!! فإذا كنتَ تريدُ اللحاقَ بهم فاعملْ عملَهُم؛ فاللهُ يسَّرَ لكَ سُبلَ العلمِ والتقنياتِ الحديثةَ ما لم يصلْ إليهِ أحدُهُم، فماذَا أنتَ فاعلٌ؟!!

لذلكَ يقولُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمَهُ اللهُ:” إنّ الليلَ والنهارَ يعملانِ فيكَ فاعملْ فيهمَا ” .

فكمْ نضيعُ مِن أوقاتِنَا بلَا فائدةٍ في دينِنَا أو دُنيانَا، ومِن أقوالِ الفاروقِ رضيَ اللهُ عنهُ: إنّي لأكرَهُ أنْ أرَى أحدَكُم سبهلَلًا لا في عملِ دنيَا ولا في عملِ آخرةٍ. وقال الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ:” صحبتُ الصوفيةَ فانتفعتُ بقولهم: الوقتُ سيفٌ، فإنْ قطعتَهُ وإلّا قطعَكَ، ونفسُكَ إنْ لم تشغلْهَا بالحقِّ شغلتْكَ بالباطلِ”.، لذلكَ قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: إنّي لأمقتُ الرجلَ أنْ أراهُ فارغًا ليسَ في شيءٍ مِن عملِ الدنيا ولا عملِ الآخرةِ”.

وقد شكَى وبكَى الصالحونَ والطالحونَ ضيقَ العمرِ، وبكى الأخيارُ والفجارُ انصرامَ الأوقاتِ، فأمّا الأخيارُ فبكُوا وندمُوا على أنَّهُم ما تزوَّدُوا أكثرَ، وأمَّا الفجارُ فتأسفُوا على ما فعلُوا في الأيامِ الخاليةِ.

قال أهلُ السيرِ: حضرتْ الوفاةُ نوحًا عليهِ السلامُ، فقِيلَ لهُ يا نوحُ كيفَ وجدتَ الحياةَ؟ قال والذي نفسِي بيدِهِ ما وجدتُ الحياةَ إلَّا كبيتٍ لهُ بابانِ دخلتُ مِن هذَا وخرجتُ مِن الآخرِ.

 فيا ابنَ الستينَ والسبعينَ أنتَ ما عشتَ ألفَ سنةٍ، فكيفَ تصفُ الستينَ والسبعينَ في معاصِي اللهِ، وفي انتهاكِ حدودِ اللهِ، وفي التجريءِ على حُرماتِ اللهِ تعالى؟!

ثانيًا: الأسبابُ المعينةُ على حسنِ  إدارةِ الوقتِ.

هناكَ عدةُ أسبابٍ تُعينُ على حسنِ إدارةِ الوقتِ واغتنامِهِ والاستفادةِ منهُ، ومِن ذلكَ:

محاسبةُ النفسِ وتربيتُهَا على عُلوِّ الهمةِ: فحاسبْ نفسَكَ أخي المسلم، واسألْهَا ماذَا عملتْ في يومِهَا الذي انقضَى؟ وأينَ أنفقتَ وقتَكَ؟ وفي أيِّ شيءٍ أمضيتَ ساعاتِ يومِكَ؟ هل ازددتَ فيهِ مِن الحسناتِ أم ازددتَ فيهِ مِن السيئاتِ؟! مع إدراكِ أنّ ما مضَى مِن الوقتِ لا يعودُ ولا يُعوَّضُ، فكلُّ يومٍ يمضِي، وكلُّ ساعةٍ تنقضِي، وكلُّ لحظةٍ تمرُّ، ليس في الإمكانِ استعادَتهَا، وبالتالي لا يمكنُ تعويضُهَا. وهذَا معنَى ما قالَهُ الحسنُ: “ما مِن يومٍ يمرُّ على ابنِ آدمَ إلَّا وهُوَ يقولُ: يا ابنِ آدمَ، أنا يومٌ جديدٌ، وعلى عملِكَ شهيدٌ، وإذَا ذهبتُ عنكَ لم أرجعْ إليكَ، فقدِّمْ ما شئتَ تجدهُ بينَ يديكَ، وأخِّرْ ما شئتَ فلن يعودَ إليكَ أبدًا”. كمَا يجبُ عليكَ أنْ تربيَ نفسَكَ على عُلُوِّ الهمةِ، فمَن ربَّى نفسَهُ على معالِي الأمورِ والتباعدِ عن سفسافِهَا، كان أحرصَ على اغتنامِ وقتِهِ، ومَن علتْ همتُهُ لم يقنعْ بالدونِ، وعلى قدرِ أهل ِالعزمِ تأتِي العزائمُ:

على قدرِ أهلِ العزمِ تأتِي العزائمُ………. وتأتِي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُهَا ………وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

ومنها: معرفةُ حالِ السلفِ مع الوقتِ: فإنَّ معرفةَ أحوالِهِم وقراءةَ سيرِهِم لهو أكبرُ عونٍ للمسلمِ على حسنِ استغلالِ وقتِهِ، فهم خيرُ مَن أدركَ قيمةَ الوقتِ وأهميةَ العمرِ، وهم أروعُ الأمثلةِ في اغتنامِ دقائقِ العمرِ واستغلالِ أنفاسِهِ في طاعة اللهِ، وقد سبقتْ صورٌ مشرقةٌ لذلكَ.

ومنها: تنويعُ ما يُستغلُّ بهِ الوقتُ: فإنَّ النفسَ بطبيعتِهَا سريعةُ المللِ، وتنفرُ مِن الشيءِ المكررِ، وتنويعُ الأعمالِ يساعدُ النفسَ على استغلالِ أكبرَ قدرٍ ممكنٍ مِن الوقتِ.

ومنها: تذكُّرُ الموتِ والقيامةِ: فحينَ يستدبرُ الإنسانُ الدنيا، ويستقبلُ الآخرةَ، ويتمَنَّى لو مُنحَ مهلةً مِن الزمنِ، ليصلحَ ما أفسدَ، ويتداركَ ما فاتَ، ولكن هيهاتَ هيهاتَ، فقد انتهَى زمنُ العملِ وحانَ زمنُ الحسابِ والجزاءِ. فعندمَا يتذكَّرُ الإنسانُ هذا يجعلهُ حريصًا على اغتنامِ وقتِهِ في مرضاةِ اللهِ تعالى، وحين يقفُ الإنسانُ أمامَ ربِّهِ في ذلكَ اليومِ العصيبِ فيسألُهُ عن وقتِهِ وعمرِهِ، كيف قضَاهُ؟ وأين أنفقَهُ؟ وفيم استغلَّهُ؟ وبأيِّ شيءٍ ملأَهُ؟ فتذكرُ هذا يعينُ المسلمَ على حفظِ وقتِهِ، واغتنامِهِ في مرضاةِ اللهِ.

فهيَّا إلى اغتنامِ الأوقاتِ والعودةِ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، وإيَّاكُم والتسويفَ فإنَّ التسويفَ آفةٌ تدمرُ الوقتَ وتقتلُ العمرَ، قال الحسنُ: ” إيَّاكَ والتسويفَ، فإنّكَ بيومِكَ ولستَ بغدِكَ، فإنْ يكنْ غدٌ لكَ فكنْ في غدٍ كمًا كنتَ في اليومِ، وإنْ لم يكنْ لكَ غدٌ لم تندمْ على ما فرطتَ في اليوم”. وللأسفِ فقد أصبحتْ كلمةُ “سوف” شعارًا لكثيرٍ من المسلمينَ وطابعًا لهم، فإيَّاكَ أخي المسلمَ مِن التسويفِ فإنَّكَ لا تضمنُ أنْ تعيشَ إلى الغدِ، كمَا أنَّ التسويفَ في فعلِ الطاعاتِ يجعلُ النفسَ تعتادُ تركَهَا، وكنْ كما قالَ الشاعرُ:

تزوَّدْ مِن التقوَى فإنَّكَ لا تدرِي    ***    إذا جنَّ ليلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجــرِ

فكم مِن سليمٍ ماتَ مِن غيرِ عِلَّةٍ    ***    وكم مِن سقيمٍ عاشَ حِينًا مِن الدهرِ

وكم مِن فتىً يُمسِي ويُصبحُ آمنًا    ***    وقـد نُسجتْ أكفانُهُ وهـو لا يـدرِي

 فعلينَا أنْ نغتنمَ أوقاتِنَا قبلَ فواتِ الأوانِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”. «الحاكم وصححه»، وسُئِلَ الرسولُ ﷺ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».( الترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ ).

وكم مِن أناسٍ كانت أعمارُهُم قليلةً ولكنّهُم ملأوا الدنيا بعلمِهِم وفقهِهِم، وفي ذلكَ يقولُ ابنُ عطاءِ اللهِ السكندرِي رحمَهُ اللهُ في حِكَمِهِ: ” رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعتْ آمادُهُ، وقلَّتْ أمدادُهُ، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آمادُهُ، كثيرةٌ أمدادُهُ، ومَنْ بوركَ لهُ في عُمرِهِ أدركَ في يسيرٍ مِنَ الزمنِ مِنَ المِنَنِ ما لا يدخلُ تحتَ دائرةِ العبارةِ، ولا تلحقُهُ وَمْضَةُ الإشارةِ .”

فانظرْ كم تضيعُ مِن أوقاتِكَ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي بلا فائدةٍ!! بل قد تضرُّ الآخرينَ بمنشوراتِكَ وكتاباتِكَ، فاحرصْ على أنْ تكونَ عضوًا نافعًا في كلِّ ما تكتبُ وتسطرُ؛ ليكونَ شاهدًا لكَ لا عليكَ يومَ القيامةِ.

وصدقَ مَن قالَ:

وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَى * وَيَبْقَى الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ

فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ * يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ

ثالثًا: ظاهرة الغش في الامتحانات (مبادرة صحح مفاهيمك).

نص الخطبة الثانية بعنوان: ظاهرة الغش في الامتحانات

في هذهِ الأيّامِ يؤدّي الطلّابُ والطالباتُ اختبارَ الفصلِ الدراسيِّ الأوّلِ، وبهذهِ المناسبةِ نتكلّمُ عن أهمِّ الظواهرِ الاجتماعيّةِ والمفاهيمِ المغلوطةِ وهيَ: (ظاهرةُ الغشِّ في الامتحاناتِ)، حيثُ يسوِّلُ للطلّابِ والطالباتِ صعوبةُ الاختباراتِ، وأنَّ الذي أقلُّ منهُ تعليمًا سيتفوّقُ عليهِ لأنَّهُ ماهرٌ في الغشِّ، فلا بدَّ أنْ يغشَّ هوَ كذلكَ، وهذا فهمٌ خاطئٌ مغلوطٌ، لأنَّ الغايةَ لا تبرّرُ الوسيلةَ، وما كانَ أصلُهُ حرامًا، لا يجوزُ حلُّهُ بأيِّ حالٍ.

إنَّ ظاهرةَ الغشِّ في التعليمِ لها أثرُها السيّئُ على تقدّمِ الأممِ؛ فالغشُّ بلاءٌ ابتُلِيَ بهِ طلّابُ العلمِ صغارًا وكبارًا، فهوَ ليسَ على مستوى المراحلِ الابتدائيّةِ فحسبُ، بل تجاوزَها إلى الثانويّةِ والجامعةِ والدراساتِ العُليا، فكمْ من طالبٍ قدَّمَ بحثًا ليسَ لهُ فيهِ إلّا أنَّ اسمَهُ على غلافِهِ!! وكمْ من طالبٍ قدَّمَ مشروعًا ولا يعرفُ عمّا فيهِ شيئًا!! وكمْ من طالبٍ حصلَ على مجموعٍ عالٍ في الشهادةِ الثانويّةِ عن طريقِ الغشِّ وهوَ لا يُحسنُ القراءةَ والكتابةَ!!

هذهِ الظاهرةُ التي أنتجَها الفصامُ النكدُ الذي يعيشُهُ كثيرٌ منّا في مجالاتٍ شتّى، نعمْ لمّا عاشَ كثيرٌ من طلّابِنا فصامًا نكدًا بينَ العلمِ والعملِ، ترى كثيرًا منهم يحاولُ أنْ يغشَّ في الامتحاناتِ، وهوَ قد قرأَ حديثَ الرسولِ ﷺ الذي تبرّأَ فيهِ من الغشّاشِ قائلًا: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (مسلمٍ)، بل ربّما يقرأُهُ على ورقةِ الأسئلةِ، ولكنَّ ذلكَ لا يحرّكُ فيهِ ساكنًا؛ لأنَّهُ قد استقرَّ في ذهنِهِ أنَّهُ لا علاقةَ بينَ العلمِ الذي يتعلّمُهُ وبينَ العملِ الذي يجبُ أنْ يأتيَ بهِ بعدَ هذا العلمِ، لذلكَ حرَّمَ الإسلامُ كلَّ صورِ الغشِّ، وتبرّأَ الرسولُ ﷺ من كلِّ الغشّاشينَ.

إنَّ الغشَّ لهُ أثرُهُ السيّئُ على المجتمعِ، فهوَ سببٌ لتأخّرِ الأمّةِ، وعدمِ تقدّمِها ورقيِّها، وذلكَ لأنَّ الأممَ لا تتقدّمُ إلّا بالعلمِ وبالشبابِ المتعلّمِ، فإذا كانَ شبابُها لا يحصلُ على الشهاداتِ العلميّةِ إلّا بالغشِّ، فقلْ لي بربِّكَ: ماذا سوفَ ينتجُ لنا هؤلاءِ الطلبةُ الغشّاشونَ؟! ما هوَ الهمُّ الذي يحملُهُ الواحدُ منهم؟! ما هوَ الدورُ الذي سيقومُ بهِ في بناءِ الأمّةِ؟! لا شيء، بل غايةُ همِّهِ وظيفةٌ بتلكَ الشهادةِ المزوّرةِ، لا همَّ لهُ في تقديمِ شيءٍ ينفعُ الأمّةَ، أو حتّى يفكّرَ في ذلكَ.

إنَّ هذا الغاشَّ غدًا سيتولّى منصبًا، أو يكونُ معلّمًا وبالتالي سوفَ يمارسُ غشَّهُ للأمّةِ، بل ربّما علَّمَ طلّابَهُ الغشَّ، بل إنَّ الوظيفةَ التي يحصلُ عليها بهذهِ الشهادةِ المزوّرةِ، أو التي حصلَ عليها بالغشِّ سوفَ يكونُ راتبُها حرامًا؛ لأنَّهُ بُنِيَ على حرامٍ، وأيُّما جسدٍ نبتَ من حرامٍ فالنارُ أولى بهِ.

إنَّ الذي يغشُّ قد ارتكبَ عدّةَ مخالفاتٍ – إضافةً إلى جريمةِ الغشِّ – منها السرقةُ، والخداعُ، والكذبُ، وأعظمُها الاستهانةُ باللهِ، وتركُ الإخلاصِ، وتركُ التوكّلِ على اللهِ… إلخ.

فعلينا جميعًا أنْ نتعاونَ في مقاومةِ هذه الظاهرةِ، كلٌّ بحسبِ استطاعتِهِ وجهدِهِ، فالأبُّ في بيتِهِ، والمعلمُ والمرشدُ في المدرسةِ والجامعةِ كلٌّ يقومُ بالوعظِ والإرشادِ، وكذلك الداعيةٌ في خطبِهِ ودروسِهِ، والإعلامُ بوسائلِهِ المختلفةِ.

نسألُ اللهَ أنْ يباركَ في أعمارِنَا وأوقاتِنَا وأولادنا، وأن يحفظ َ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،

اقرأ أيضا:

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 2 يناير 2026م ـ 13 رجب 1447هـ

وزارة الأوقاف تحذر من ظاهرة الغش في الامتحانات

الأزهر يطلق الموسم الرابع من مبادرة ومسابقة "معًا لعودة القيم الإيجابية"

169 ألف دارس بأروقة القرآن الكريم والقراءات بالجامع الأزهر والمحافظات

الإفتاء توضح حكم الصيام في رجب وشعبان

متى حدثت رحلة الإسراء والمعراج؟

حكم الاحتفال بالإسراء والمعراج في شهر رجب

مركز التدريب بدار الإفتاء المصرية ينظم 1073 محاضرة علمية للباحثين والمفتين في 2025

إدارة التوفيق والمصالحات بدار الإفتاء تعالج 1268 حالة نزاع على الميراث في 2025

الأوقاف تبين كيفية استثمار شهر رجب في العبادة

وزارة الأوقاف تبين فضل ومكانة شهر رجب

الإفتاء تبين فضل شهر رجب

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم 26 ديسمبر 2025م ـ 6 رجب 1447هـ

خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير غدا 26 ديسمبر 2025م ـ 6 رجب 1447هـ

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 26 ديسمبر 2025م ـ 6 رجب 1447هـ

وزير الأوقاف: الفقيهَ الحق ينفذ ببصيرتِه إلى أحوال الناس وواقعهم ومعايشهم

دار الإفتاء توضح كيفية بر الزوجة بعد وفاتها

دار الإفتاء توضح حكم تكرار الاستعاذة في كل ركعات الصلاة

مفتي الجمهورية: الفتوى الرشيدة تعزز الاستقرار الفكري والثقافي للمجتمع

الإفتاء توضح حكم الوضوء بماء المطر وفضله

الدكتورة عائشة المناعي: الفتوى مسؤولية حضارية وأمانة أخلاقية

علماء يؤكدون: الفتوى أداة شرعية تنموية وركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي

الأمانة العامة لدُور الإفتاء في العالم تطلق ميثاق الفتوى والكرامة الإنسانية

الدكتور عبد الله النجار: الرؤية الإسلامية تقوم على تحقيق العدل والاستدامة

باحثة تطالب بإصدار فتاوى دقيقة تراعي المقاصد الشرعية والمعطيات الطبية الحديثة

وكيل الأزهر: الفتوى من أهم الآليات الشرعية في ترسيخ قيم السلم المجتمعي

وكيل رابطة العالم الإسلامي: الفتوى تسهم في حماية الإنسان وتصون كرامته

الرابط المختصر

search